حرب باردة على طرفي الخليج وأخرى افتراضية على صفحات التواصل الاجتماعي بين الرياض وطهران. أشعلتها تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي ومفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ. للأزمة بين الطرفين جذور أقدم من حادثة منى في موسم الحج الماضي.
حين يتعلق الأمر بالقضايا الدينية فإن الأمل بالتفاهم بين الطرفين اللدودين في الشرق الأوسط، إيران والسعودية يصبح معدوما. فالجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران والمملكة السعودية السنية باتتا تتشاجران اليوم حتى حول من منهما يمكن أن يوصف بالمسلم.
المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي شن هجوما لاذعا على السعودية ووصف أفراد الأسرة الحاكمة هناك بأنهم “ضالون مخزيون يعتبرون بقاءهم على عرش السلطة الظالمة رهنا بالدفاع عن مستكبري العالم، والتحالف مع أميركا والسعي لتحقيق مطالبهم ولا يتورعون في هذا السبيل عن أية خيانة”. ودعا خامنئي العالم الإسلامي إلى ما وصفه بـ “التفكير الجاد في حل لإدارة الحرمين الشريفين وقضية الحج”، بعد وقوع ضحايا بين صفوف الحجاج العام الماضي خلال حادث تدافع في منى. كلام خامنئي جاء في كلمته السنوية المعتادة حول الحج، الذي سيغيب عنه الحجاج الإيرانيون هذا العام.
ولم ينتظر مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ طويلا للرد على تصريحات خامنئي، فقال في تصريح صحفي إن “الإيرانيين ليسوا مسلمين”.
ليرد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعدها كاتبا على حسابه في تويتر “في الواقع ليس هناك وجه شبه بين إسلام الإيرانيين ومعظم المسلمين والتطرف المتعصب الذي يدعو إليه كبار علماء الوهابية وأساطين الإرهاب السعودي”. وبهذه التغريدة أشعل وزير الخارجية الإيراني حربا في العالم الافتراضي بين المستخدمين من الطرفين.
464 قتيلًا.. ولا توضيح
عشرات آلاف الإيرانيين كانوا ينوون التوجه للحج، لا علاقة لهم بالحرب الكلامية أو الحرب على صفحات التواصل الاجتماعية. كل فرد منهم جمع مبلغا يمكنه من الرحيل إلى مكة وحج بيت الله. وتعذر الأمر عليهم هذا العام. ولم يؤثر عدم رحيل الحجيج الإيرانيين نحو مكة هذا العام على الحجيج أنفسهم فقط، بل على شركات السياحة التي تدير أمور الحجيج.
حسيني يدير مكتبا سياحيا في العاصمة طهران متخصص بتوفير الرحلات لحجاج بيت الله. وألغى كل الرحلات هذا العام ويقول “الله وحده يعلم متى سنعود. حكومتنا أيضا منعتنا من التوجه إلى مكة أيضا هذا العام. بل حتى الإيرانيون خارج إيران تم تحذيرهم من الذهاب إلى السعودية”.
حول السياسة لا يرغب الرجل السبعيني الحديث. لكنه لا يفهم لماذا، تعتقد السلطات السعودية حتى بعد كارثة العام الماضي في منى أنها على حق، يتساءل. يذكر أنه حتى اليوم لم تعلن السعودية عن العدد الحقيقي لقتلى التدافع، وحتى اليوم لم توضح السلطات الأسباب الحقيقية للتدافع الذي حدث في الطريق إلى منى الذي يصل طوله إلى 3 كيلومترات وعرضه 700 متر. وهو المكان الذي يجب أن يعبره في يوم واحد حوالي 3 ملايين شخص.
وفقا إلى السلطات السعودية كان قد حدث ازدحام في أحد تقاطع الطرق هناك. ووسائل الإعلام السعودية وصل بها الأمر إلى حد اتهام الحجاج الإيرانيين بالتسبب في الازدحام والتدافع. بعكس ذلك تتهم إيران السلطات السعودية بأنها قد أغلقت الطريق إلى منى ولم توفر إجراءات سلامة آمنة للحجيج في هذا الطريق. وحسب وكالتي اسوشيتد برس ورويترز لقي 2411 شخصا على الأقل مصرعهم في التدافع. 464 شخصا من إيران وحدها. وهي البلد الوحيد الذي طالب في التحقيق بأسباب الحادث.
“استفزاز مخطط له”
وجاء الحادث ليزيد العلاقات السيئة بين البلدين سوءا، خصوصا بعد الشعور بعدم الثقة الذي ازداد بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. ويقول الباحث السياسي محسن ميلاني من المركز الإستراتيجي للدراسات الدبلوماسية في جامعة جنوب فلوريدا “هذا الاتفاق مكن إيران من أخذ دور كبير في المنطقة”. ويضيف إلى DW قائلا: “يرى السعوديون في الاتفاق بداية جديدة للعلاقات الإيرانية- الأميركية. ولهذا السبب يرغبون في عرقلة الوصول إلى علاقات طبيعية بين الدول العربية وإيران. ولهذا يحاولون بقصد الحفاظ على علاقة متأزمة مع إيران”.
الحج .. جبهة أخرى في الصراع بين إيران والسعودية
ليس استقبال أكثر من مليوني حاج بالمهمة السهلة. السلطات السعودية تنسق مع البلدان الإسلامية لاستقبال عدد محدد من الحجاج. وتحاول السيطرة على مسار الشعائر وتوفير خدمات التمريض. بيد أن المشكلة تكمن غالبا عند رمي الجمرات. الآن تم تحديد مسارات وبوابات الكترونية لإدارة الحشود. كما تم توزيع أساور إلكترونية على الحجاج ليتمكنوا من تتبع حركة الحشود والحصول على إنذار مبكر قبل بداية التكدس.
إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر
وحينها جاء رد الفعل الإيراني سريعا وواضحا. فقد حذر خامنئي السعودية من “انتقام الله”. كما خرج آلاف المحافظين في إيران إلى الشوارع واحرقوا أجزاء من سفارة الرياض في طهران. الأمر الذي قاد إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين. والذي وضع بدوره حكومة الرئيس حسن روحاني في موقف حرج، بعد أن بين الحادث أن الحكومة لا تستطيع حماية البعثات الدبلوماسية على أراضيها. بعدها قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران. لتتبع الرياض دول أخرى في قطع العلاقات مع إيران.
حرب باردة على طرفي الخليج
غير أن لسوء العلاقة بين الطرفين جذورا أقدم من ذلك، وتعود إلى ما بعد الثورة الإسلامية في إيران. فإيران ترى نفسها حامية للشيعة في العالم، فيما تلعب السعودية الدور نفسه وترى نفسها حامية للسنة. ويتنافس الطرفان على النفوذ في بلدان في العالمين الإسلامي والعربي. فطهران تدعم الرئيس السوري بشار الأسد، فيما تدعم الرياض المعارضة السورية. وفي اليمن تقود السعودية حربا على الحوثيين الموالين لإيران، وترى فيهم دمية في يد طهران. ولكل أزمة بين الطرفين نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط عموما.
ويطالب الباحث الإيراني – الأميركي محسن ميلاني “أن ينهي الطرفان الحرب الباردة بينهما”. وأن “يجدا حلا سليما للصراع السوري. فلو ساء الصراع السوري أكثر فإن له توابع سيئة على استقرار العراق ويمكن أن يؤثر سلبا على كل المنطقة ويزيد من بؤس الناس هناك”.