شبكة رصد الإخبارية

سنوات الكراهية والجنون – مصطفى النجار

سنوات الكراهية والجنون – مصطفى النجار
ثلاثة أعوام أعقبت مأساة فض اعتصام رابعة وتدشين مرحلة الكراهية والشقاق بين المصريين، عشنا وما زلنا نعيش فى أجواء تشبه الحرب الأهلية الصامتة التى يتبادل الناس فيها الكراهية ويودون لو يفتكون بمن يبغضونهم

ثلاثة أعوام أعقبت مأساة فض اعتصام رابعة وتدشين مرحلة الكراهية والشقاق بين المصريين، عشنا وما زلنا نعيش فى أجواء تشبه الحرب الأهلية الصامتة التى يتبادل الناس فيها الكراهية ويودون لو يفتكون بمن يبغضونهم، هلل البعض للقتل خارج إطار القانون، وانتشى بعضهم فرحا بالعمليات الإرهابية طالما أنها تطال أفرادا من النظام رأوا فيما يحدث لهم فى سيناء وغيرها نوعا من النكاية والانتقام!

تحولت وسائل الإعلام إلى منصات للتحريض ومضاعفة الكراهية وبثها فى نفوس المصريين، استمرت عمليات الاغتيال المعنوى الممنهج لكل معارض تختلف آراءه عن السلطة، تم تجريف الساحة السياسية ووأد أحلام المشاركة والإيجابية التى أعقبت ثورة يناير. تم صناعة معادلة سياسية أحادية الطرف لا يوجد فيها سوى المؤيدين للسلطة والمدافعين عنها والمبررين لكل ما يصدر عنها دون أن يرتفع لهم صوت حتى بنقد خفيف أو شكلى. عملية تجييش المشاعر الشعبوية استمرت بلا توقف لتسفر فى النهاية عن مشهد ثلاثى الأبعاد بين طرف مؤيد للسلطة طول الوقت وطرف ناقم عليها ومؤيد للإسلاميين وطرف ثالث ناقم على السلطة وعلى الإسلاميين ويرى أنهما قادا البلاد لمزيد من التردى والفشل والسقوط.

***

لم تتغير مصر للأفضل بل للأسوأ بكل تأكيد، ظن بعضهم أن لغة القوة وفرض السيطرة ستكون سببا فى الرخاء الاقتصادى وتحسن الأوضاع بشكل عام، أصر البعض على فصل أبعاد السياسة عن معضلة الاقتصاد. دفعنا ثمن الإخفاق فى السياسة فى نزيف اقتصادى انتهى بنا للاقتراض الاضطرارى قبل أن نعلن انهيارنا الاقتصادى، كانت المشكلة واضحة للغاية تتلخص أولا فى عطب المناخ العام الملائم للاستثمار وطمأنة المستثمرين داخليا وخارجيا نتيجة تسمم المجال العام وعدم وجود رؤية واضحة لاتجاهات الدولة التى سقطت فى فخ العشوائية. وثانيا فى سوء الإدارة وعدم انتهاج المسارات الموضوعية قبل الولوج فى مغامرات كبرى استنزفت الاقتصاد المصرى بشكل مفجع، غاب ترتيب الأولويات نتيجة عدم وجود رؤية وإستراتيجيات واضحة لإدارة الملف الاقتصادى مع غياب صوت نقدى لتقييم الطريقة التى تدار بها الملفات المختلفة.

لا أحد يحب هذا الوطن سعيد بما آلت إليه الأوضاع فى مصر ــ مهما كان خلافه مع السلطة ــ لأن اللحظة الحالية شديدة الخطورة وتنبئ عن مستقبل مظلم لا يزعم أحد أنه يمكنه السيطرة على تداعياته وملامحه التى تتشكل يوما بعد يوم باستمرار الإخفاق والإصرار على أننا نسير فى الاتجاه الصحيح وأن من يقولون غير ذلك مغرضين ومتآمرين وغيرها من التفاهات والاتهامات التى يريح بها هؤلاء أنفسهم!

مؤيدو السلطة ــ اعتبروا أن (الإيكونوميست) وأخيرا (بلومبرج) متآمرون على مصر ويعملون لصالح الإخوان وأن تقاريرهم الأخيرة جزء من المؤامرة العالمية على مصر ووافقهم فى ذلك بيان وزارة الخارجية المصرية التى ردت على (الإيكونوميست) بمنطق الخناقات الشعبية واعتقدت بذلك أنها نجحت فى إزالة آثار ما تم نشره عن مصر من تقارير كارثية ستبعد المستثمرين عن التفكير فى الاستثمار بمصر لفترة ليست بالقصيرة. مبدأ الانكار ودفن الرءوس فى الرمال لا ينقذ وطنا من التردى، شعارات الستينيات والأبواق الإعلامية الموجهة لن تطعم الناس إذا جاعوا ولن توقف انفجارهم إذا غضبوا!

الفشل الاقتصادى يأتى بالتوازى مع شقاق مجتمعى صنعته موجات الكراهية والتخوين والتحريض فى ظل غياب منظومة واضحة للعدالة تعاقب من تجاوز القانون أيا كان شخصه مع تنكيل بمحاربى الفساد الحقيقيين والإصرار على تخوينهم ورميهم باتهامات باطلة بدلا من توجيه ذلك للفاسدين أنفسهم، معدلات الإحباط العام فى تزايد خاصة بين الشباب الذين يحاصرهم الإحباط واليأس. اللجوء للإيهام بوجود حالة رضا وتأييد عامة هو إصرار على الهروب من الاعتراف بالأزمة مما سيساعد فى تفاقمها واستفحال آثارها بحيث يستحيل احتواء تأثيراتها القادمة.

***

نحن أشبه بأهل سفينة بدأ الماء يتسلل إلى جوانبها ويغمرها فيصرخ بعض ركاب السفينة هيا بنا ننقذ سفينتنا فيهتف بهم آخرون اصمتوا ولا تشوهوا صورة سفينتنا، ويستمر الماء فى الاندفاع وتميل السفينة وتعصف بها الأمواج بينما يرفض هؤلاء دعوات الإنقاذ رغم أنهم سيكونون ضمن الغرقى حين ينتهى الأمر!

ليس معقولا أن نصدق السلطة وأتباعها ونكذب أنفسنا ونكذب العالم كله وهو يرى مصر تغرق، إذا صمتنا الآن فمتى نتكلم؟ من يتحمل المسئولية عما ستؤول إليه الأوضاع؟ من الذى سيكون سعيدا إذا تفجرت فوضى سببتها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة؟ ألم يأن للجميع أن يرجعوا خطوة للوراء ويدركوا أن الأوطان لا تدار بمنهج العناد وسلاح الإنكار وغرور القوة وتدجين الكراهية؟

يبدأ الحل من الشعور الجمعى بالمسئولية تجاه الوطن وبنزع فتيل الكراهية وبث روح التسامح وإعادة لُحمة المصريين التى تمزقت تحت وطأة التحريض والدماء والمظالم، الأمة المنقسمة لن تعرف طريقا للمستقبل. المصريين باختلاف أفكارهم لا يجب أن يستمر سيرهم فى درب الكراهية والشقاق الذى حرص بعضهم على صناعته للسيطرة على الناس وإضعاف تأثيرهم بعد أن توحد الشعب فى ثورة يناير بحثا عن حريته وكرامته وحقوقه.

نحن أمام لحظات مفصلية ستنتج واقعا جديدا رغما عنا جميعا، فلنختر النجاة للوطن ولنتوقف عن الرهانات الخاسرة من أجل مصر.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023