شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

رابعة هي القلب – رانيا مصطفى

رابعة هي القلب – رانيا مصطفى
رزقنا الله برابعة لتكون خط الأفق بين السماء والبحر ، الحد الفاصل بين الأبيض والأسود ،فهى علامة فارقة وبصمة لا تنسى ، إن رابعة ليست فى القلب ، بل إنها هى القلب .

رزقنا الله برابعة لتكون خط الأفق بين السماء والبحر ، الحد الفاصل بين الأبيض والأسود ،فهى علامة فارقة وبصمة لا تنسى ، إن رابعة ليست فى القلب ، بل إنها هى القلب .

كنت ممن سعدوا باعتصام المؤيدين للرئيس مرسي برابعة وإن لم أحظ بشرف أن أكون بينهم ، بل إنى لم أحظ بشرف نزول أى مظاهرة أو الانضمام لأى عمل ثورى ، كنت ومازلت من حزب كنبة الثورة ، هؤلاء الذين لا يملكون سوى الثرثرة ، لكنى تابعت ككثيرين باهتمام بالغ أحداث ثورة يناير وما تلاها إلى أن وصلنا إلى رابعة وما بعدها .

أول سؤال سمعته من المقربين بغضب شديد ، لماذا خرجوا ؟ أيعتبرون أنفسهم دولة داخل الدولة؟

أذهلنى السؤال حقيقة !! ففى ظنى لم يطرح سؤال كهذا على مؤيدى مبارك حين خرجوا فى ميدان مصطفى محمود لتأييده _ولا وجه للمقارنة بين رئيس منتخب ورئيس أمر واقع_فكان جوابى ، لم أسمعكم تعتبون على من سكنوا ميدان التحرير لعام كامل هى مدة حكم مرسي ، ثم لم تلومون عليهم خروجهم ولا تلومون أنفسكم أن خرجتم فى (ثورة) ضد الرئيس ،  فلم يرد أحد !

كان خروج الناس رفضا للانقلاب بمثابة رئة يتنفس بها أنصار الشرعية الذين لم يكونوا جميعا من فصيل الاسلاميين كما أشيع ، فمن خرجوا كانوا من كافة الأطياف ، اسلاميين وليبراليين ومسيحيين وأحزاب وحركات ومن لا انتماء له ، كان هؤلاء هم من غرر بهم وصدقوا مبادئ الديمقراطية التى دعا إليها علمانيو مصر ووضعوها أساسا للاحتكام بين القوى السياسية ، من خرجوا هم من صدقوا أن يناير كانت ثورة ، وأن السلمية تصنع المعجزات ، وأن كلمة الشعب هى العليا ، ثم ظهرت لهم الحقيقة جلية هناك .. فى ميدان رابعة .

انتشرت المنشورات على مواقع التواصل بأسماء القنوات التى تبث من رابعة مباشرة وهرعت إلى كل من أعرف أطلب منهم أن يتابعوا هذه القنوات ليعرفوا حقيقة ما يدور هناك ، فقوبلت بإهمال ولا مبالاة ، وفاتنى أن جلسات مجلس الشعب كانت تبث نهارا فيتركونها ليشاهدوا اعلام المسيح الدجال ليلا وأن خطب مرسي كان يقرؤها فى الصباح فلا يلقوا لها بالا ليلتفوا فى المساء والسهرة حول برنامج باسم يوسف ليضحكوا ويتضاحكوا ملأ الأفواه .

فى كل يوم كانت تخرج المسيرات سلمية ، فتعود حاملة جثث الشهداء_ بإذن الله_ ثم يشاع أن من كانوا يخرجون كانوا يحملون السلاح !

كانت مذبحة الحرس الجمهورى تمهيدا لمذبحة رابعة والنهضة ، أو فلنقل كانت “جس نبض” ، أصيب كل من تابعوا هذا اليوم بالذهول ، فلأول مرة نرى كل هذه الدماء !! كان البث مباشرا من المستشفى الميدانى ، كانت هناك أنهار دم دون مبالغة، كانت الاصابات أصعب من أن يتم علاجها بشكل مبدئى وكان الناس يخشون ركوب سيارات الاسعاف لأنها ستاخذهم إلى السجن ، فتزايد عدد القتلى فكفنوهم وصلوا عليهم . اختصرت اليوم كله جملة بسيطة قالها أحد الثوار البسطاء (السيسى طلع بشار) ! ومع هذا لم يدر بخلد أى من المعتصمين أن يمسحهم جيش بلادهم المكون من أبناءهم المجندين ، من على وجه الأرض ببلدوزرات !!!

قال قادة العلمانيين الذين رفضوا المشاركة فى حكومة مدنية بعد ثورة وهرعوا ليقبلوا المناصب التى عرضها عليهم العسكر بعد انقلاب تمهيدا لتسلم الحكم كما أملوا ، أنهم لم يتوقعوا أن يتم الفض بهذا العنف ، وكأنهم لم يمهدوا لذلك بفيرس الغل الذى حقنوا به الناس لعام كامل ، وكأن قادتهم الكبار سنا الذين خبروا (ثورة) 23 يوليو لم يروا كيف فعل عبد الناصر بمعارضيه ، بل كيف فعل برئيسه محمد نجيب ، أصدق أن ما حدث ربما فاق تخيل الجميع ، ولكن ألم يكن القتل والعنف والتنكيل والاغتصاب متوقعا أيا كان الأسلوب ؟!

تابعت ميدان رابعة كما تابعت ميدان التحرير من قبل ، فكنت تقريبا لا أنام ، وخاصة بعد هيستريا التحريض التى تم شحن الجمهور بها إلى أن جاء يوم الفض الذى كنت أتوقعه ولا أرجوه .

ما حدث فى هذا اليوم لم يكن مذبحة للمعتصمين ، بل كانت مذبحة أخلاقية وقيمية واجتماعية ، لم ينقسم الشعب كما انقسم فى هذا اليوم ، ما حدث فيه لم يمزق الأبدان بل مزق النفوس ؛ مزق المبادئ ، مزق الروابط ، مزق الآدمية ،مزق كل طاقة تحمل كل فرد للآخر ؛ لأول مرة نرى هذا القدر من الكراهية والسخط ، لأول مرة نرى هذا القدر من التلاعب بالعقول دون سقف ، ولأول مرة تنكشف لنا السيقان الصناعية التى يقف عليها الكذب ، شاهدنا فى هذا اليوم من خرجوا من قبل مطالبين بالشريعة يعتزلون ، ومن طلبوا الديمقراطية يتلونون ، شاهدنا من كانوا لنا مثلا وقدوة ، من علمونا القيم فى أسوأ رداء لهم ، شاهدنا وجوها لامعة تسود ، وأصوات كانت تسلب القلوب تنبح ، ما هذا أهى نكسة يونيو حلت من جديد ؟! أهؤلاء الذين يسيرون فى صف كالأسرى مصريون ؟! أهى حرب من طرف واحد تدور رحاها في ميدان ليس بميدان معركة ؟! أهذا هو جيش مصر الذى ما صدقنا فيه قولا ، أهذه مصر التى ما خرجنا منها إلا وشعرنا بخواء الروح ؟!

تابعت بهلع مشاهد الفض على الشاشة وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعى واننى لهول ما قرات كنت أكذب بعض الروايات ويالفزعى حين كنت أشاهد مقطع الفيديو الذى يؤيد ما كذبت .

سمعت بعدها تبريرات المفوضين ، أن تلك صور من سوريا وليست من مصر ، إذا فلم لم يكلفوا أحدا بسؤال أهل رابعة أنفسهم إن كان ما حدث محض خيال أم حقيقة ؟ ، وشاهدت ما قالوا أن هناك أسلحة ضبطت برابعة ، ولا أعلم لم لم يستخدمها المعتصمون إن كانوا يملكونها فعلا ؟ ولكن لا عجب ، فعقول تقبل فكرة وجود كرة أرضية تحت رابعة تقبل أى شئ ، شاهدت جثث القتلى ملقاة أمام مسجد رابعة المحترق وقالوا أنهم استخرجوها من تحت المنصة التى اعتقل المراسل عبد الله الشامى بسبب تقريره الذى يثبت أن هذا محض افتراء .

كان مشهد حريق رابعة الهائل الذى تم تصويره بالطائرة مزلزل للقلوب ، ومنظر الجثث المحروقة فى خيام النهضة قاتلا لكل من له قلب يشعر .

يقول العائدون من معسكر الانقلاب أن رابعة موقف انسانى ، وأنهم يتضامنون معها لأنها تمس ملف حقوق الإنسان ، ويالعجيب هذا الوصف ” موقف انسانى” !!!

نحن هنا لا نتحدث عن مجاعة تطحن شعب أو وباء متفشى أو تسونامى ضرب أحد البلاد ، نحن هنا نتحدث عن قضية شرف ، عن قضية وطن ، عن رفقاء ثورة استخدموا وسيلة أنتم من وضعتموها للاحتكام بين الفصائل ، فلما وصلوا لما كنتم تظنون أنهم سيرفعونكم إليه اتهمتموهم بالسرقة والكذب والخيانة ، وألصقتم بهم كل نقيصة ، وفى النهاية قتلتموهم بيد من ثرتم معا عليه . ولمن يرى كلامى مبالغ فيه ، أتمنى أن يمتلك الشجاعة ليشاهد ما حدث فى رابعة سرا بينه وبين نفسه ، ربما يفهم بعدها حجم الجرح الذى فى صدور أهل الشرعية الذين خرجوا للدفاع عن حق ، عن استحقاقات انتخابية ، عن صوت منحوه ، عن طوابير فى برد وحر وقفوا فيها ساعات طوال ، عن نجاح رئيس باعتراف الجميع ، وبفارق بسيط كما فى أعتى ديمقراطيات العالم ، لم يخرجوا دفاعا عن مرسي كشخص فمن يتابع مؤيدى الشرعية بشكل جيد سيعلم أن منهم من يراه _على غير ما أرى _مقصر وضعيف وزنديق لا يطبق الشريعة ، وأن عودته ماهى إلا استعادة للمسار الديمقراطى ثم يقرر الشعب بعدها عبر وسائل يتفق عليها كيف سيحدث التحول . إذا فأمر الاصطفاف هين لمن يدعى أن لديه الرغبة ، إلا أن هؤلاء العائدون لا يرجون إصطفافا يا أبطال العالم فى حمل الاصطفافات .

قالوا عنها إشارة ، ويبدو أنها كانت بالفعل إشارة خطر كصوت جرس انذار وإضاءات التحذير من قدوم قطار سيفرم بين عجلاته العقل والمنطق والاحساس والمروءة ، سيفرم الأخلاق والكرامة والعزة ، سيفرم مصر لتصبح جملة (أم الدنيا) مثار سخرية لا احترام ، سيفرم حصاد سنوات ثلاث كانوا حلما لنعود فنستغرق فى كابوس عميق نسأل الله تعالى أن يفيقنا منه .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023