ساعات وتأتي الذكرى الثالثة لأكبر مجزرة في تاريخ مصر الحديث، مجزرة فض رابعة وأخواتها من الميادين الأخرى، وما تلاها من مجازر مختلفة.
ولكن هذه المرة تأتي الذكرى وأحوال قوى الثورة المصرية مع الحاجة إلى وقفة صادقة من الجميع، فلا كيان الثورة أصبح موحدا، ولا النواة الصلبة لمقاومة الانقلاب (جماعة الإخوان المسلمين) صارت موحدة، بل الشقاق والخلاف، وإعلاء الأنا.. الأنا في الرؤية، والأنا في الأداء، والأنا في كل شيء، صار هو شعار حالنا اليوم، وبات شعور بالخيبة والإحباط هو السائد لدى كثيرين ممن يحبون الثورة والإخوان، لا تقابل أحدا إلا ويحدثك بأسى وحزن شديد على ما وصلت إليه الأمور، وكأن لسان حال الجميع يقول: (أليس منكم رجل رشيد)، ثم مؤخرا؛ ما يراه الإنسان من صور ومواقف للمعتقلين من تعذيب وإهانة مادية ومعنوية، في رسالة واضحة تقول للجميع: إن لم يوحدك العقل والعزة، فسيمزقك التفرق والاستبداد، فالانقلاب العسكري في مصر، والقائمون على السجون، لو كان عنده شك بنسبة واحد في المئة في أن هناك ثورة قادمة، أو عقابا ينتظره يوما ما على ما يقوم به جرائم، وآخرها ما تم مع الدكتور البلتاجي، لما فكر مطلقا في فعل ما يفعل، لكنه نام واطمأن فقد كفاه الجميع مؤونة أنفسهم، بشقاق وخلاف وتفرق ينذر بعقاب الله لمن تسببوا فيه.
وهذ ما جعل واحدا من أبناء قيادات الثورة والإخوان يكتب كلاما مملوءا بالمرارة، وهو عمار محمد البلتاجي، إذ كتب يقول: (لم يكن لنظام السيسي أن يستبيح المعتقلين في السجون المصرية بهذه الصورة الوحشية لولا أن نفرا ممن ينتسبون لثورتنا وقضيتنا أرخصوا حريتنا وقضيتنا بما يقدمون من خطابات ومواقف رديئة وغير مسؤولة.. وبشقاقهم وتنازعهم وتقصيرهم وانشغالهم بمعاركهم الخاصة، وبما أهدروه من قوة رمزية ومعنوية وأخلاقية هائلة كانت لتشكل حماية نسبية للمعتقلين ورادعا يمنع استباحتهم بهذه الصورة التي نراها كل يوم.. لا تتركوا من يرخصون قضيتنا يكرروا أفعالهم، ويعطوا لنظام العسكر مهلة وأمانا من المحاسبة، فلولا أنهم أمنوا العقوبة سابقاً وحالياً ما تجرأوا علينا بهذه الصورة!).
وأسرة البلتاجي لمن يعرفهم عن قرب، يعلم أنهم قليلو الكلام في هذه الأمور، لا يعلقون على خلافات الإخوان، ولا يتناولونها، بل يكتمون حزنهم بداخلهم، ولكن عندما يكتب هذا الكلام واحد من أشد أبناء البلتاجي صبرا وصمتا، فمعناها أن الكيل قد طفح عندهم وعند غيرهم.
وهو نفس شعور الكثيرين من المعتقلين والمسجونين في مصر، وشعور ذويهم، بخيبة الأمل، والحسرة على ضياع مستقبل ذويهم، دون فعل أو تحرك عاقل ممن كتب الله لهم النجاة خارج مصر وسجونها، فبدلا من شكر الله على النعمة، برد الجميل لمن يبذلون من دمائهم وأعمارهم ضريبة العز والحرية للجميع، كان شقاقا وخلافا، وتناحرا، لا على شيء يستحق الشقاق والتناحر.
وهناك عوامل كثيرة تدعو الجميع إلى أن يفيق من هذه الغيبوبة، أولها: عامل المحنة الكبرى التي نعيشها، وكما قال أحمد شوقي قديما: “إن المصائب يجمعن المصابين”، ونحن ليس لدينا مصاب واحد يجمعنا، بل لدينا عدة مصائب لا حصر لها كفيلة بتوحد كل القوى الثورية.
وعامل آخر مهم، وهو فشل الانقلاب العسكري في تركيا، ما جعل رؤوسا كانت مرفوعة من الثورات المضادة نكست، وقد أخزاها الله، فهذا عامل ودافع قوي معنويا وماديا للقوى الثورية، فدرس توحد الشعب التركي، وقياداته، ومعارضته، خلف هدف واحد، وهو الحفاظ على تجربتهم الديمقراطية، درس ملهم للجميع.
وعامل ثالث خطير: هو كم الخراب الذي تجر إليه مصر، فكل ألوان الفساد صارت تمارس بشكل فج، ينذر بخراب طويل لمصر، يستدعي عقودا لإصلاح ما تم إفساده في ثلاث سنوات فقط، وهو نذير خطر كبير لمن يدركه.
فهل تفيق جماعة الإخوان، وتفيق القوى الثورية المختلفة، وتعي الدرس جيدا، وتكون الذكرى الثالثة لرابعة، درسا ملهما للجميع بوحدتهم، أم إن القلوب والعقول صارت بعيدة عن ربها حتى يستبدل بها آخرين، لا يفعلون مثلهم؟!!