يقف صندوق النقد الدولى برئاسة كريستوفر غارفيسالتي، ليملي على الحكومة المصرية شروطه للمواقفة على قرض قيمته 12 مليار دولار، خلال ثلاث سنوات، لدعم الاقتصاد المصري، ما دفع عبدالفتاح السيسي إلى تأكيده على ضرورة القيام بإجراءات “قاسية” من أجل اصلاح الاقتصاد.
القرض الذي وصفه اقتصاديون بالدواء المر، الذي قد يضيف إلى معاناة الشارع المصري مزيدًا من الضرائب وتقليص الدعم، فيما تعول الحكومة على القرض للسيطرة على ارتفاع سعر الدولار وإعطاء شهادة ثقة بالاقتصاد المصري.
وتستمر المباحثات الرسمية من قبل الحكومة المصرية مع بعثة صندوق النقد الدولى للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، لمدة أسبوعين.
وتعليقًا على سير المباحثات أوضحت مصادر حكومية في تقارير صحفية، أن “التعويم الكلى للجنيه قادم لا محالة، وقد يتم تخفيض الجنيه بنسبة 35% فى المرحلة الأولى وقبل حصول مصر على الشريحة الأولى للقرض ليصل سعر الدولار إلى 12 جنيها فى السوق الرسمية”.
وبحسب مسودة الشروط التي حصلت مواقع روسية عليها، فإن الحكومة المصرية تتفاوض الآن على خفض شروط صندوق النقد الدولي للموافقة على القرض التي منها:
قانون جديد للجمارك
اشترط الصندوق على الحكومة تجهيز قانون جديد للجمارك لزيادة العائدات وتحسين النظام الجمركي، وهو الأمر الذي يعد في مقدمة أولويات الجدول الزمني لتنفيذ القرض؛ إذ من المنتظر أن يصدر مجلس النواب خلال أيام قانون الضرائب على القيمة المضافة بما يؤدي إلى تحصيل نحو 30 مليار جنيه سنويًا.
وكانت الحكومة قد أعلنت عن نيتها إطلاق خطة لترشيد الواردات وإعادة النظر في التعرفة الجمركية بهدف حماية الصناعة المصرية خلال الظروف الطارئة التي تمر بها البلاد.
خطة لتوجيه الدعم
كما تضمنت شروط الصندوق إعداد خطة متوسطة الأجل لتحسين وضع الدعم وتوجيهه إلى الفئات الأكثر فقرًا، واستبدال الدعم بأدوات أكثر تأثيرًا على الصعيد الاجتماعي.
مراقبة الأداء الاقتصادي
كما اشترط مراقبة الأداء الاقتصادي للحكومة بشكل ربع سنوي، أو مع اقتراب موعد صرف دفعات القرض، وطالب من الحكومة نشر عدة تقارير دورية سنويًا عن السياسة النقدية لتسهيل مهمة رصد التزامها بتنفيذ الشروط، وحثت البعثة الحكومة على إصدار ميزانية متسقة مع البرنامج الاقتصادي المتزامن مع قرض الصندوق؛ مشيرة إلى ضرورة نشر البنك المركزي تقارير رقابية عن البنوك المحلية على موقعه الرسمي بشكل ربع سنوي، وكذلك نتائج أعمالها.
توسيع القاعدة الضريبية
واشترطت بعثة الصندوق فرض ضريبة تتراوح بين 50٪ و60٪ على التبغ، وأيضًا توسيع القاعدة الضريبية لتضم الأرباح المكتسبة من أنشطة سوق رأس المال “البورصة”، وضم الصناديق الخاصة التي تضم ما يقرب من مليارين وخمسمائة مليون جنيه لتقوية الميزانية ومراقبتها. وتم حثُ القطاع المالي على وضع ضوابط لزيادة كفاءة رأس المال، وتقليل نسب التعرض للمخاطر المصرفية.
مراقبة نسبة العجز في الميزانية
البعثة تبحث أيضًا شروطًا ضمنية تتيح للصندوق مراقبة نسبة العجز في الميزانية والاحتياطي النقدي والأصول المحلية التابعة للبنك المركزي وحجم القروض التي حصلت عليها الحكومة، وأن يراقب الصندوق الأداء الاقتصادي خمس مرات في العام.
ومن جانبه طالب الصندوق أن تتضمن منظومة الأداء بعض المرونة فيما يتعلق بالاحتياطي النقدي الأجنبي، بحيث تترك للبنك المركزي نحو مليار دولار للتدخل في أسواق صرف العملات، لكنْ مع السماح لأسعار الصرف بالتحرك في الاتجاهين، على أن تتم مراجعة الصندوق إذا ما تم فقدان نحو مليار و250 مليون دولار في 4 أسابيع، وعلى أن يراجَع التقدم الذي ستحرزه الحكومة في البرنامج الاقتصادي بشكل ربع سنوي من مجلس إدارة الصندوق.
استقرار سعر الدولار
وقال أحد هذه المصادر، إن التقديرات تفيد بأن سعر الجنيه يمكن أن يتم تخفيضه بنسبة أكثر من الثلث ليصل إلى ١٢ جنيهًا للدولار، عند حصول مصر على الشريحة الأولى من الصندوق. ويدور سعر الدولار حاليا فى السوق الرسمية حول 8.88 جنيه، و12.55 جنيه فى السوق السوداء.
أحمد كوجك، نائب وزير المالية للسياسات المالية، توقع أن تحصل مصر على الشريحة الأولى من القرض خلال 8 أسابيع أى فى شهر أكتوبر، الا أن مصدر حكومى قال: يمكن أن تزيد أو تقل الفترة المتوقعة للحصول على الشريحة الأولى قليلا، لكن هذا هو الإطار الزمنى الذى نتحدث فى حدوده.
يذكر أن صندوق النقد يتشدد فى طلبه لمصر بوجود سعر واحد للدولار، وهو ما يعنى أن القضاء على السوق السوداء للدولار شرط من شروط الحصول على القرض بغض النظر عن تحرير سعر الصرف الكامل من عدمه.
واتفقت عدة مصادر متخصصه على أن بقاء سعر الدولار عند حدود ١٢ جنيها فى البنوك، لن يحدث فقط بحصول مصر على الشريحة الأولى من القرض، ولكنه مرهون كذلك بحصول مصر على استثمارات أجنبية مباشرة.
كما أشارت إلى أن جذب الاستثمارات المباشرة يحتاج إلى تبنى حزمة قانونية تيسر إجراءات الاستثمار للأجانب وايضا خلق تنسيق أقوى بين الوزارات المعنية بالملف الاقتصادى وربما إعادة النظر فى بعض الكوادر التى تدير النشاط الاقتصادى فى مصر.
ويشهد السوق المصري، أزمة سيولة النقد الأجنبى أصبحت من أهم أسباب عزوف المهتمين من رجال الأعمال على التوجه إلى مصر، وفقا لرواية مستثمرين اجانب فى القاهرة.
ويعود ذلك إلى صعوبات الحصول على العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد بعض مستلزمات الإنتاج أو تحويل الأرباح بالعملة الأجنبية للخارج.
إزالة عراقيل الاستثمار
وقال أحد المستثمرين الأجانب للصحف : إذا كان مطلوبًا منا أن نبقى فى مصر، وهى بلد فعلا به فرص واعدة جدًا للاستثمار، فسيكون على الحكومة أن تتحرك بسرعة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنهاء أزمة توافر النقد الأجنبى، فالمستثمر لا يأتى إلى مصر ليضع الدولارات أو اليوروهات فى بئر عميقة يستحيل بعدها استعادته، بل يأتى ليضخ أموالا يدير من خلالها أعمال دون عراقيل كبيرة ويجنى أرباحا يستطيع إعادتها إلى مقر شركته فى وطنه بحسب تعبيره.
وبحسب المصادر، فإن قرض صندوق النقد الدولى يمهد لاستثمارات فى مجالات الطاقة والصناعات الثقيلة، لكن مصدرا حكوميا توقع تخفيض الجهاز البيروقراطى للدولة مضيفا “طبعا على مراحل، ولكن التخفيض حتمى” لاسيما وان هناك اهتماما بجذب استثمارات للصناعات كثيفة العمالة بما يساهم فى فتح باب التشغيل أمام قطاعات واسعة غير القيادة السياسية.
خفض نسبة الاعتماد على الاستدانة المحلية
وأوضح المصدر أن من أهم ما اتفق عليه الحكومة المصرية والصندوق فى الأيام الأولى، هو وضع حدًا أقصى للحكومة لتمويل عجز الموازنة عبر الاستدانة المحلية، والاعتماد على بدائل دولية أخرى مثل السندات بالدولار أو باليورو، فالصندوق يطلب من مصر خفض نسبة الاعتماد على الاستدانة المحلية تدريجيا إلى أن يصل لأقل من 50% خلال السنوات الثلاث القادمة.
من جانبه أكد مصدر دولى قريب من المفاوضات أن بعثة الصندوق تبدى تفاؤلا بشأن برنامج الحكومة والمفاوضات القائمة مؤكدا أن ما تنتظره البعثة هو جدول زمنى محدد لتنفيذ الإصلاحات وأهمها خطة واضحة الملامح لتحرير دعم الطاقة.
تحذير الأمن من الإجراءات التقشفية
في مقابل تلك الاشترطات، حذرت قطاعات أمنية من ما يمكن أن تتسبب فيه هذه الإجراءات التقشفية من تبعات اجتماعية وسياسية، كما تحذر فى تقاريرها المرفوعة للقيادات الأمنية والتنفيذية من احتمال حدوث احتجاجات بحسب مواقع صحفية، وهو ما قد يتطلب تمهيدًا جيدًا للإجراءات لتفادى اجتذاب هذه الاحتجاجات لكثير من المؤيدين.
مراقبة السيسى للتفاوض
وأكد مصدر رئاسى لصحف مصرية، إن عبدالفتاح السيسى يتابع بصورة يومية تطورات التفاوض مع صندوق النقد الدولى، كما أنه طلب من رئيس الحكومة والوزراء المعنيين والقائمين على الإعلام ضرورة “أن يتم إيضاح الحقائق المجردة للرأى العام سواء ما يتعلق بضرورة اتخاذ إجراءات لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والحاجة للحصول على قرض صندوق النقد الدولى لتشجيع الاستثمارات الدولية المباشرة وللتعامل كذلك مع أزمة سيولة النقد الأجنبى بحيث لا تتحول إلى أزمة مزمنة تعرقل فرص الاقتصاد المصرى فى النهوض”.