تفاقمت أزمة القمح في مصر، خاصة بعدما تم الكشف عن سرقة أكثر من 5 مليارات جنيه في موسم توريد القمح قبل عدة أسابيع، لتكون تلك الواقعة أكبر قضية فساد تم كشفها على مدى السنوات الماضية، بحسب تصريحات اللجنة البرلمانية التي شكلها مجلس النواب للتحقيق في التلاعب الذي جرى في شون القمح، خاصة بعدما نفت وزارة الصحة ما أشيع عن أن القمح المستورد غير مطابق للمواصفات فيما يخص فطر الأرجوت، بعد انتشار تحذيرات من خطورة القمح المستورد.
توريد وهمي
وظهرت مؤخرًا أزمة جديدة عنوانها “الفساد في شون القمح”، بعدما تمكنت إدارة مباحث التموين بالقليوبية من ضبط المسئولين عن شركة للصوامع بمنطقة قليوب، لقيامهم باستغلال قرار الدولة بدعم أسعار القمح المحلي، من خلال الاتفاق مع أعضاء اللجنة المشرفة عن استلام وتخزين القمح بالصوامع، بإثبات أن كمية القمح التي تم توريدها وتخزينها (59,999,840 طن)، وبفحص الصومعة محل الواقعة، تبين أن الأقماح المخزنة فعليًا داخل الصومعة مقدارها (47,200 طن)، وأن نسبة العجز لما هو مثبت بمحضر الغلق مقداره (12,799,84 طن) بقيمة (35,839,552 جنيه).
وفي أول زيارة لإحدى الصوامع، تبين أن تلك الصومعة التي تعاقدت معها إحدى شركات وزارة التموين لتخزين القمح ليس لها سجل تجاري أو بطاقة ضريبية، تعاقد مع مجهول وكيان وهمي.
وكشفت لجنة البرلمان تلاعبًا في الكميات الموردة من القمح، لافتة إلى وجود زيادة وهمية في القمح المورد تقدر بـ”20 ألف طن”، تقدر قيمتهم بـ55 مليون جنيه.
وفي صوامع بالفيوم تبين أن هناك تلاعبًا في كميات القمح المورد للصوامع، حيث تم الاستيلاء على 64 مليون جنيه، بعد تدوين كميات من القمح بأسماء وهمية في كشوف القمح الواردة لمخازن الشون.
وبلغت جرائم استيلاء على المال العام في أول زيارتين فقط تقدر بـ 119 مليون جنيه، ما يتيح لنا أن نقول إن حجم الفساد في شون القمح مستشرٍ لدرجة كبيرة.
مافيا القمح
صرح فجر جاد الذي كان يعمل بشركة التيسير، وهي إحدى شركات استيراد القمح كارثة الفساد التي تسود مجال استيراد القمح في مصر والتجارة به، حيث يتم بيع القمح المستورد على أنه قمح محلي وتستفيد الشركات بفارق السعر الذي يصل إلى 1000ج للطن الواحد، وبذلك يصل الإجمالي المالي لما تنهبه هذه الشركات إلى مليار و700مليون جنيه.
وتقدم جاد، بشكوى للنيابة العامة مدعومة بالمستندات ضد شركة التيسير التي كان يعمل بها، توضح مدى الغش الذي وصلت إليه الشركة.
وطالب جاد، الرقابة الإدارية عمل فحص للقمح خارج وزارة التموين للتأكد من غشه، لكن الرقابة تتحرك بغموض غير مفسر، كما أن النيابة العامة لم تتحرك إزاء الشكوى التي قدمها ضد شركة “التيسير” ولم تتعامل معها حتى الآن.
وخرجت وثيقة تُثبت أن الشركة أوردت قمح إلى شونة أبو زعبل بسعة 17 ألف طن من القمح، على الرغم من أن سعة الشونة الحقيقي هو 10 آلاف طن فقط، مما يؤكد أنه هناك فساد في توريد القمح إلى وزارة التموين.
وأشار إلى أن التحريات، أكدت قيام أمناء الشون والصوامع بالتعاون مع بعض أصحاب مطاحن القطاع الخاص بخلط الأقماح المستوردة بالمحلية خلال موسم التوريد الحالي للاستفادة من فروق الأسعار التي تميل لصالح المحلى بفارق يبلغ 1000 جنيه للطن، والذي يدخل جيوب المحاسب دون وجه حق.
اتهامات للوزارة
و نشب الخلاف بين نقيب الفلاحين ومركز البحوث الزراعية، ووزارة الزراعة، حول استيراد فطر “الإرجوت” والنسبة المسموح بها في شحنات القمح الواردة من الخارج.
و رفض نقيب الفلاحين ومركز البحوث، وجود نسب منه في القمح المستورد، وذلك وفقًا للقوانين المصرية وحرصًا على الثروة الزراعية وصحة الإنسان.
وسمحت وزارة الزراعة بدخول شحنات يصل مستوى الإصابة بها إلى 0.05 % كحد أقصى، وهو ما يعد كارثة، بحسب وصف الكثيرين.
وأشار علي محمد إبراهيم أستاذ بمركز البحوث الزراعية، إلى أن نسبة 0.05%، من استيراد فطر “الإرجوت” بمصر والتي أقرتها وزارة الزراعة، وفقًا لدراسات فرنسيا وليست مصرية، موضحًا أن استهلاك القمح للفرد بفرنسا يستهلك من (50-60) في السنة فيكون تأثير الفطر النصف 02%، أما في مصر فيترواح استهلاك الفرد من (180-200)، و05% فتصبح 10% ،مؤكدًا أن هذه هي الكارثة التي لا تدركها وزارتي الصحة والزراعة.
و اتهم الدكتور نادر نور الدين الخبير الزراعي، وزير التموين خالد حنفي، بالتسبب في الكارثة، قائلاً إن الوزير يستغل منصبه للتغطية على فضيحة القمح المستورد.
وأكد نور الدين، على أن “مافيا القمح المستورد تتحكم في السوق السوداء بعلم الوزير، وأنه يسمح بالتلاعب لتحقيق مكاسب لرجال الأعمال والتجار”.
القمح المسرطن
و كشفت وزارة الصحة بداية العام الجاري أن شحنات القمح المستوردة الأخيرة بها نسبة الأرجوت، وهي تسبب أمراضًا كثيرة منها السرطان، بجانب أن يحتوي على مواد تدمر خلية الجسم، ومع ذلك الدولة مستمرة في استراده ولا توجد استجابة للخبراء والباحثين الذين يطالبون ويناشد كل مسؤول يأتي دون جدوى.
و أكد تقرير حقوقي صادر عن مركز الكلمة لحقوق الإنسان أن ما أعلنت عنه لجنة كشف الفساد في صوامع القمح المشكلة بقرار من الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، من ضبط عدد كبير من وقائع فساد داخل الصوامع الخاصة بتخزين الغلال، تعد جزءًا صغيرًا جدًا من الفساد الضخم الموجود في تخزين وتشوين القمح.
وقال الناشط الحقوقي روماني جاد الرب منصور، نائب رئيس مركز الكلمة لحقوق الإنسان، إن ما أعلنت عنه اللجنة حتي الوقت الحالي أثبت أن 50% من الأرقام المعلن عنها بتخزين القمح وهمية، مطالبًا الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتولي الإشراف على جرد الكميات المثبتة بسجلات الوارد والصادر في كل الصوامع الخاصة؛ حتي لا يتم التلاعب بالدعم الحكومي الموجه للقمح المحلي.
وأضاف منصور أن ما تم اكتشافه من فساد في الصوامع بلغ 27 مليون جنيه فقط، وهو رقم ضئيل جدًا، فحجم الفساد لن يقل عن 2 مليار جنيه، مؤكدًا أن الكثير من صوامع تخزين القمح لم يتم جردها حتي الآن، منها شون “أبناء الصعيد، والعدالة، والعالمية، وسليم العالمية، وكوم أبو راضي، وشون أكتوبر، وشون الحرمين، وكوم أوشيم”.