“انظروا إلى دول قريبة منا، لا أود أن أذكر اسمها فهي تعانى منذ 30 عامًا ولا تستطيع أن تعود، والدول التي تدمر لا تعود، وأنا لا أقبل أن تضيع مصر”، هكذا تحدث عبدالفتاح السيسي خلال احتفال مصر بالمولد النبوي الشريف الذي نظمته وزارة الأوقاف، في 22 ديسمبر 2015م، وتعمّد أن يتحدث مهددًا بمخاطر الوقوع في مصير دول أخرى.
وفي نفس الخطاب، أوضح أنه سيحاسب أمام الله على سلامة وأمن 90 مليون مصري، وسيحاسب معه المصريون، وتابع: “إن كنتم أعنتموني أم لا؟ وهل بذلتم الجهد لإعانتي في مسؤوليتي أم لا؟ مستشهدا بقوله تعالى: “قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير”.
أحاديث السيسي وخطاباته دائمًا ما كان يُقابلها سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ توليه الحكم في 18 يونيو 2014م، وإن كانت المظاهرات تراجعت في بداية حكمه، نظرًا لإقرار قانون التظاهر، في فترة حكم عدلي منصور، إلّا أن هذا لم يمنع بعض فئات الشعب من النزول بكثافة ضد بعض قرارات عبدالفتاح السيسي وممارسات الشرطة.
وإليكم أبرز الوقفات والاحتجاجات الشعبية التي هتفت بـ”سقوط حكم العسكر”، وطالبت السيسي بالرحيل:
(1) قانون الخدمة المدنية
أصدر عبد الفتاح السيسي قانون رقم 18 لسنة 2015م، والمعروف إعلاميًا بـ”قانون الخدمة المدنية”، وفى يوم الأربعاء، 20 يناير 2016م، رفض مجلس النواب قانون الخدمة المدنية رسميًا، بعد جلسة مسائية عاصفة، وصوت برفض القانون 332 عضوًا بالبرلمان، بينما وافق عليه 150 عضوًا، فيما امتنع عن التصويت سبعة أعضاء.
وفى يوم السبت، 13 فبراير 2016م، تجنب عبد الفتاح السيسي التطرق لأزمة رفض مجلس النواب قرار رئيس الجمهورية بإصدار قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015م، بينما أوصى بضرورة الاهتمام بملفات التعليم والصحة والإعلام.
وقد أثار قانون الخدمة المدنية عدة مشاكل فور إصداره، فبعد أن اختفت المظاهرات من الشارع المصري في الفترة الأخيرة، عاد هذا القانون ليوحد فئات كثيرة من الشعب المصري على رفضه، ففي 12 يوليو الماضي، تظاهر العاملون في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لإلغاء قانون الخدمة المدنية، مبررين ذلك بأنه يسبب ضررا لـ 6 مليون موظف بالدولة.
وفي 21 يوليو 2015م، دعت عدة نقابات أبرزها الضرائب العقارية النقابات الأخرى إلى الاحتجاج على قانون الخدمة المدنية في مظاهرة يوم 10 أغسطس، وسبق قرار تنظيم الاحتجاج إرسال مذكرة لرئيس الوزراء إبراهيم محلب، طالبت فيها بإرجاء تطبيق قانون الخدمة المدنية على المصالح الإدارية لمدة عام، إلا أن ذلك لم يحدث، فتم تنظيم مظاهرة كبيرة أمام نقابة الصحفيين.
ثم في 10 أغسطس 2015م، نظمت نقابات الضرائب العامة والضرائب على المبيعات والعاملين بالجمارك وقفة أمام نقابة الصحفيين، لإلغاء قانون الخدمة المدنية، مبررين وقفتهم الاحتجاجية بأن القانون صدر دون توافق بين الحكومة والنخبة المصرية، كما أنه يُهدر حق العاملين بالدولة، وفي 16 أغسطس هدد موظفو ضرائب بنها بالإضراب عن العمل احتجاجًا على قانون الخدمة المدنية، حيث وصفوه بأنه مجحف ويهدر حقوق الموظفين.
وفي 21 أغسطس قرر عدد من النقابات تنظيم مليونية بحديقة الفسطاط ضد قانون الخدمة المدنية لإسقاطه والعودة للعمل بالقانون القديم، وحددت النقابات يوم 21 سبتمبر لتنظيم المليونية.
(2) الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير
لم تمر الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين كسابقيها، فنظرًا للارتفاع في الأسعار وارتفاع أعداد المعتقلين في السجون المصرية، انتظرت العديد من القوى الشبابية والثورية هذه الذكرى للتعبير عن رفضهم في استمرار عبدالفتاح السيسي في الحكم، وتظاهر آلاف رغم الانتشار الأمني الواسع، وأسفر قمع الاحتجاجات عن قتلى وعشرات المعتقلين.
وقتل ثلاثة من المتظاهرين برصاص قوات الأمن، بينما قالت تقارير إن عدد القتلى أربعة، كما اعتقل 181 خلال المظاهرات التي خرجت في عدد من المحافظات، ومن بين القتلى شابان شقيقان قام الأمن المصري بتصفيتهما في شقة بمنطقة 6 أكتوبر غربي القاهرة، وقالت الشرطة المصرية إن القتيلين “إخوانيان” هاربان و”مشتبه في تورطهما في قتل شرطي”، وإنهما قتلا أثناء تبادل لإطلاق النار، وهي الرواية نفسها التي استخدمتها وزارة الداخلية سابقًا في حالات تصفية ناشطين معارضين.
كما قالت الشرطة إن هذا اليوم مر بسلام، وإنها نجحت في التصدي لما وصفته “بعنف الإخوان”، بينما وصفت غرفة عمليات مجلس الوزراء المظاهرات بالتجمعات المحدودة، وكانت السلطات المصرية قد نشرت قبل الذكرى بيوم واحد قوات كبيرة من الجيش والشرطة في القاهرة والمحافظات الأخرى، وأوضحت مصادر أمنية إن قرابة 400 ألف جندي وشرطي جرى نشرهم في مختلف أنحاء البلاد، وأغلق الجيش والشرطة ميدان التحرير وميادين أخرى في القاهرة والجيزة, وكذلك الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير، وتم وقف قطارات الأنفاق جزئيا في القاهرة.
(3) إضراب نقابة الأطباء
في الأول من فبراير 2016م، تصاعدت الأزمة بين نقابة الأطباء في مصر ووزارة الداخلية على خلفية اقتحام أفراد شرطة لمستشفى المطرية بالقاهرة، والاعتداء على طبيبين، وتقدم نقيب أطباء مصر الدكتور حسين خيري ببلاغ إلى النائب العام، متهمًا أفراد الشرطة بضرب الطبيبين وأمر المستشار شريف مختار رئيس نيابة المطرية، باستدعاء 4 من أمناء قسم شرطة المطرية، للاستماع إلى أقوالهم في واقعة اتهامهم بالتعدي على اثنين من الأطباء و8 ممرضين بعد رفضهم إصدار تقرير طبي لأمين شرطة.
وقال نقيب الأطباء في التحقيقات “إن عناصر الشرطة اقتحموا المستشفى وتعدوا على الأطباء والممرضين أثناء تأدية أعمالهم وطلبوا منهم تحرير تقرير طبي مخالف للحقيقة، وعندما رفض الأطباء تعدوا عليهم بالضرب وقيدوهم بسلاسل حديدية، واقتادوهم إلى القسم لتحرير محضر ضدهم، وقررت النيابة توجيه تهمة الاعتداء على موظف عام أثناء تأدية عمله، والاعتداء على منشأة عامة واقتحامها وإشهار الأسلحة واحتجاز مواطنين بدون وجه حق لأفراد الشرطة”.
وعلى إثر ذلك عقدت نقابة الأطباء جلسة عامة تخللتها دعوات إلى الإضراب احتجاجًا على ما اعتبره الأطباء تقصيرًا من أجهزة الدولة في محاسبة المعتدين على زميليهم بمستشفى المطرية التعليمي في القاهرة، وكانت نقابة الأطباء دعت إلى عقد جمعية عمومية طارئة تحت شعار “يوم الكرامة” لمناقشة الاعتداءات المتكررة على الأطقم الطبية وقرار إنشاء الهيئة الإلزامية لتدريب الأطباء، وذلك على خلفية اعتداء أمناء شرطة على طبيبين في مستشفى المطرية التعليمي.
وكانت 13 منظمة حقوقية ووفود من نقابات الصحفيين والمهندسين والمعلمين والنقل العام قد أعلنت تضامنها مع موقف نقابة الأطباء.
وجاءت الخطوة ضمن مجموعة من قرارات الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الأطباء، التي عقدت في 12 فبراير 2016م، احتجاجًا ضد الاعتداءات المتكررة من عناصر الشرطة، وعدم محاسبة أمناء الشرطة المعتدين على أطباء مستشفى المطرية العام، وعدم تأمين المستشفيات بصورة فعالة.
وتزامن ذلك مع دعوة عبدالفتاح السيسي، إلى سن قوانين جديدة وعرض تعديلات تشريعية على البرلمان خلال 15 يوما، لردع تجاوزات بعض عناصر الشرطة، بعد احتجاجات اندلعت في القاهرة إثر مقتل شاب، مساء الخميس، برصاصة أطلقها شرطي، واتهم المتظاهرون الشرطي بالقتل العمد.
(4) بيع جزيرتي “تيران وصنافير”
يوم السبت الماضي، 9 أبريل 2016م، أصدر مجلس الوزراء المصري بيانًا، أكد فيه أنّ رسم خط الحدود بناءً على المرسوم الملكي والقرار الجمهوري أسفر عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية، وأوضح البيان أن الاتفاق جاء بعد عمل شاق وطويل استغرق أكثر من 6 سنوات، عُقدت خلالها إحدى عشرة جولة لاجتماعات لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين، آخرها ثلاث جولات منذ شهر ديسمبر 2015 عقب التوقيع على إعلان القاهرة فى 30 يوليو 2015م.
وجزيرتا “تيران وصنافير” هما جزيرتان تقعان عند مدخل خليج العقبة بين الجهة المصرية والسعودية، وهي جزر في الأساس غير مأهولة، وتصنع الجزر ثلاث ممرات من وإلى خليج العقبة، الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وأقرب إلى ساحل سيناء، وهو الأصلح للملاحة “عمقه 290 مترًا” واسمه ممر “إنتربرايز”.
وعلى إثر ذلك، دعا عدد من القوى السياسية والحركات الثورية للتظاهر، مساء أول أمس الجمعة، تحت شعار “الأرض هي العرض”، وذلك لرفض اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية التي قضت بنقل تبعية جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة، وذلك خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، للقاهرة، ومن أبرز القوى التي أعلنت مشاركتها اليوم “حزب مصر القوية، حزب مصر الحرية، حركة الاشتراكيون الثوريون، حركة شباب 6 إبريل، جماعة الإخوان المسلمين، حركة شباب من أجل العدالة والحر”.
وشهدت القاهرة وعدة محافظات مصرية، مظاهرات حاشدة تخللتها دعوات وهتافات برحيل عبدالفتاح السيسي، واشتباكات أمنية مع المحتجين في بعض المناطق، بحسب شهود عيان، وتجمع عدد كبير من المتظاهرين أمام نقابة الصحفيين المصريين، وسط القاهرة، استكمالًا لفعاليات الاحتجاجات الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وردد المتظاهرون هتافات تطالب بإلغاء الاتفاقية، من بينها “الشعب يريد إسقاط النظام”، و”ارحل ..ارحل (في إشارة للسيسي)”، و”عيش حرية تيران وصنافير مصرية”.
وعلى الفور، حاصرت قوات الشرطة الوقفة الاحتجاجية ومنعت المزيد من المتظاهرين من الانضمام للوقفة، وأغلقت الشوارع المؤدية للنقابة بالحواجز الحديدية، فيما انتشرت المدرعات وسيارات الأمن المركزي أمام نادي القضاة، وقرب نقابة الصحفيين، كما خرجت مسيرات معارضة للاتفاقية، في الفيوم والمنيا والدقهلية، وبرزت مسيرات في عدة مناطق بمحافظتي الإسكندرية، والقليوبية، والدقهلية، والمنوفية، والجيزة.