يحكم الموقف الغربي والأوروبي في التعامل مع المسلمين في المنطقة العربية والإسلامية عدة ضوابط..
أولها.. البعد العقدي والعبء التاريخي والصراع الحضاري مع المسلمين وما يحملونـه من أحقاد تاريخية تجاه الأمة المسلمة.
وثانيها.. هو الجشع الرأسمالي الغربي والنهم لسرقة ونهب ثروات شعوب هذه الأمة، وضمان وصول الثروات الى الرجل الغربي لا لأهل هذه الثروات.
وثالثها.. القرار الغربي بتأخير المسلمين حضاريـا وتكنولوجياً وعلميا، وحجب العلوم، ومنع القدرة على الابتكار والتطوير وامتلاك التكنولوجيا المدنية، فضلا عن العسكرية، عن المسلمين.
ورابعها.. رؤيتهم للمسلمين أنهم البديل الحضاري لهم، وتصورهم للعلاقة مع المسلمين أن تقدمهم وتخلف المسلمين وجهان لعملة واحدة.. ولفرط شعورهم بالفراغ العقدي والقيمي يمنعون وصول صوت الإسلام ويشـرفون على تشويهه، ويمنعون تمكّنه ومزاولته لدوره في إنشاء الأنظمة المتبنية له، والممثلة لنظامه، في صورة واقعية يراها الناس وينفي بها المسلمون عن أنفسهم ما شُوهوا به.
خامسا.. قرارهم بضـرورة كبت إرادة الشعوب وتجنب (الخطر الديمقراطي) الذي عبر عنه تشومسكي؛ بأن يفرض على هذه الأمة وشعوبها أنظمة مستبدة تفرض على الشعوب إرادة الغرب، لا أن ينتظر الغرب إرادة هذه الشعوب أن تعبر عن نفسها وتتخذ المواقف المناسبة لمصالح وعقائد وهوية الشعوب المسلمة؛ إذ يرى الغرب في هذا انتقاصا لهيمنته وخصما من سيادته!
ومَن بتايع الانتاج الفني الغربي، والأمريكي خصوصا، يدرك أنهم يضعون نداء الأمم المستضعفة للغرب بأن يمتنع عن التدخل في شؤونها هو نوع من الإرهاب غير المقبول!! نعم لا تتعجب فللكِبر أحكامه!
ولهذه القرارات تبعات لا بـد من حدوثها، وهي تبعات طبيعية ومتوقعة؛ إذ أن الشعوب سترى أن من يفرض عليها التخلف والجهل والتأخر هو الغرب، ومن يفرض عليها الاستبداد ويصادر إرادتها هو الغرب، والذي يصدّر أدوات التعذيب والأسلحة الموجهة لقمع الشعوب هو الغرب، والذي يروج للدكتاتوريات والمستبدين، كذبا أنهم ديمقراطيون يواجهون خطر (الشعوب)؛ هو الغرب، وأنه هو الذي يتواصى بدعم هؤلاء المجرمين.
لقد بكت مفوضة الشؤون الخارجية على ضحايا بروكسل، لكنها هي وسلفها أشرفوا على مذابح الأطفال والنساء والرجال العزل وحرقهم وجرفهم بجرافات مهينة وإخفاء الجثث في مقابر جماعية، ورفض دفن بقية الجثث إلا أن يعترف أهلها أن أبناءهم انتحروا، واغتصاب البنات وهتك الأعراض.. لعودة هيمنة العسكر العلماني الموالي للأجندة الغربية الصهيونية.
وهذه الباكية وسلفها يشـرفون على منع الشعب السوري أن يدافع عن نفسه وأن يمتك سلاحا يكف به يد الطاغية، بل ويشـرفون على دعم الطاغية وتمدده حتى قتل نصف مليون طفل وامرأة ورجال في بيوتهم، بالصـورايخ والبراميل المتفرجة، وهجّر ملايين الناس، بل ويشْرف الغـرب على توازن القوة بين الأطراف المتحاربة حتى تتمزق سوريا ويهجّر شعبها لتحقيق غرضين أساسيين للأوروبيين بامتدادهم الأمريكي..
أولهما.. ضمان أمن الكيان الصهيوني، الذي يدنس مقدساتنا ويقتل شبابنا ويهدد المنطقة ويجاهر بأن مصلحته مع حكم العسكر ووأد حرية الشعوب المجاورة وأنه يشرف على هذا من أجل وجوده ومن أجل مصلحة الغرب، ويقوم بتسويق الدكتاتوريات للغرب بحجة أنها تعمل في صالحه!
وثانيهما.. إعطاء درس سلبي لكل شعب يريد التحرر من الطغيان وتحرير إرادته أنه ليس أمامك إلا الإذعان لما تفرضه هذه (الباكية) ومَن معها ومَن وراءها على الشعوب من أنظمة تضمن التخلف والاستبداد وقهر إرادة الأمة ومصادرة هويتها وضمان التفوق الغربي المسيحي.. حتى تصل الى الناس رسالة مفادها أنهم يجب عليهم أن يقولوا الحمد لله أننا بلا كرامة لكننا آمنون، بلا حرية لكننا نعيش، بلا هويـة لكن منا بقايا أفراد ما زالت على قيد الحياة، ثرواتنا منهوبة لكن نستطيع أن نصرف الفتات على أولادنا والبذخ على حكامنا، مختصـر الرسالة (الخنوع أو مستقبل مظلم وممزق ولاجئ مهجر كأهل سوريا)..
إن ردود الأفعال المنفتلة هي أمر متوقع ـ لا ندافع عنه ولا نتبناه ـ ولكن لن يبقى الطرح المعتاد إلا في حالة الغباء، ذلك الطرح الذي يقدمه الطغاة للأوروبيين أننا ندافع عنكم ضد الإرهاب، وأحيانا يقولونها بصـراحة فجة ـ كما حدث في التسعينيات حيث قالها مبارك في جولة أوروبية ـ أننا نحميكم من الإسلام.. هذا ليس طرحا مفيدا ولا جديدا بل هو أمر مكرر لا فائدة منه إذ هو واقع الاستعمار الجديد منذ ستين سنة من خلال الأنظمة الوظيفية المجرمة في منطقتنا.
لكن السؤال الجاد اليوم ـ بغض النظر عن انفلات ردود الأفعال العنيفة وغير المنضبطة ـ يبقى السؤال الجاد في الداخل الأوروبي مختلفا عما يطرحه إعلام أوروبا نفسها أو إعلامنا المقزز كالعادة..
السؤال الجاد هنا هو الموازنة بين تكلفة ما تتكبده أوروبا من عبء سياسي وأمني واقتصادي، وما تتكبده من عبء اجتماعي وديمغرافي بالهجرة غير الشـرعية الى بلادها بما تراه خطرا أعظم من الحروب.. الموازنة بين هذا وبين عائد النهب والاستكبار والحقد ضد المسلمين وفرض الطغيان عليهم ومنعهم من تحرير إرادتهم..
دعك من الإعلام وما يطرحه لكن السؤال الجاد عند الأوروبيين هل ما حدث مكلِّف؟ أم أنها أعمال تافهة يستفيدون من حدوثها لترسيخ مزيد من الهيمنة؟ هذا هو السؤال.
السؤال الأوروبي الأكثر جدية من طرح إعلامنا الغبي هو السؤال التالي: هل تركنا للأمم والشعوب وسيلة للتخلص من هيمنتنا غير (الإرهاب)!! هل تركنا لهم متنفسا للحريـة؟ هل نستطيع منع النمو الطبيعي للكائن البشـري والمجتمعات البشريـة؟ هل نستطيع إلغاء وجود هذه الأمم وكبت النوازع الطبيعة للوجود والحرية والتعبير عن الهوية والقيم والعقائد؟ أم أننا أغلقنا كل الطرق إلا الطرق العنيفة والمكلفة لمجتمعاتنا؟
عند الجديـة يكون هذا هو السؤال، وإلا فطبيعة الأمور تقول أن إغلاق الطرق يؤذن بالانفجار.. إنها طبيعة الفيزياء الطبيعية على وجه الأرض وقوانين الحياة، لكنهم يخالفون حق الحياة.