لا تكاد تنتهي أزمة تضرب القطاع الاقتصادي بأكمله إلا وتحدث أزمة جديدة أقوى تتحدى الحكومة الحالية بالدولة، لتعلن عن فشلها باتخاذ القرارات التي تستطيع من خلالها تحجيم تلك المشاكل، معتمدة على مبررات خائبة لا تنفع المواطنين بشيء سوى أنها تؤكد استمرار الضوائق المالية اليومية بل وتوقعات أكيدة بزيادتها.
وبالتزامن مع ذلك، جاءت آخر الأزمات الاقتصادية بمصر، من خلال ارتفاع تاريخي لسعر الدولار في مواجهة الجنيه ليصل لنحو 8.95 جنيهات، برفع مفاجئ من البنك المركزي بنحو 1.12 جنيه، الأمر الذي أحدث تصدعا متتاليا بكل القطاعات الاقتصادية بالدولة، وزيادة الأعباء المعيشية بشكل أكبر، لينمَّ عن غضب على وشك الانفجار من الجميع.
وبينما نرى اختلاف مؤسسات الدولة حول أزمة الدولار الأخيرة، نجد على الجانب الآخر من يبارك الأزمة ويمدحها بأنها حركة صحيحة على طريق الإصلاح الاقتصادي الجاد برعاية السيسي وحكومته.
وقال مصدر بالغرف التجارية لـ”رصد” إن الغرف التجارية أول من قامت بالاعتراض على ارتفاع الدولار الأخير، لمعرفتها العميقة بما يحدث بالدولة ويقع مباشرة على كاهل المواطن، مشيرا إلى ان الأسعار كان من المتوقع ارتفاعها دون ارتفاع الدولار الأخير، ومع الارتفاع الأخير واحتساب هامش ربح التجار مع قيود الاستيراد لسلع كثيرة مهمة، ينتج عن كل ذلك ارتفاعات ضخمة فجائية بالأسعار لن تقابلها قوة شرائية مناسبة من الفرد.
وأضاف أن استمرار الدولة بعدم حل مشكلة نقص الموارد الدولارية من الأساس ستستمر الأزمة، خاصة مع تردد الأخبار بقوة عن اقتراض مصر من البنك الدولي، واتباعها الشروط الخاصة بتخفيض الدعم وتخفيض الأجور ورفع الضرائب والأسعار على المواطنين، دون الالتفات إلى مقدرة الأفراد الحقيقية على مواجهة كل تلك الإجراءات الصعبة.
وأوضح أن الاقتصاد يعاني بشدة، ومع استمرار تراجع وجود العملات الأجنبية، سيؤدي ذلك إلى السحب من الاحتياطي الأجنبي النقدي، والذي بالكاد يكفي لضمان إيرادات 3 أشهر فقط من الخارج.
وأجمع رجال الأعمال على صعوبة التوسع بالاستثمارات بمصر بالوقت الراهن بسبب تعقيد القوانين والإجراءات، إضافة إلى أزمة الدولار الأخيرة، والتي عملت على وقوع العديد من الخلافات بين الحكومة والمستثمرين بالداخل أو الاستثمارات الأجنبية التي ترغب في تحويل أرباحها وعدم السماح لها من قبل المسؤولين بسبب قلة توافر العملات الأجنبية بخزانة الدولة.
وأدى ارتفاع الدولار إلى أزمات متعددة في قطاعات مختلفة، منها أزمة الأدوية التي باتت كابوسا جديدا في حياة المصريين، بعد ارتفاع الدولار واختفاء أصناف مهمة من الأدوية بالأسواق؛ بسبب توقف إنتاجها لارتفاع سعر استيراد المواد الداخلة بالإنتاج دون المقابلة بالتكلفة؛ حيث أصدرت نقابة الصيادلة في مصر قائمة بأسماء مئات الأصناف من الأدوية غير المتوفرة بالسوق، محذرة من أن اختفاء هذه الأدوية يهدد حياة ملايين المرضى في البلاد لعدم وجود بديل لها.
وشملت القائمة أكثر من 300 صنف دوائي ذات أسعار مخفضة، من بينها حقن “RH” التي تستخدمها السيدات الحوامل لمنع تشوه الأجنة، وأدوية سيولة الدم ومذيبات الجلطات، وأدوية علاج أمراض الأورام السرطانية والعلاج الكيمائي، كذلك اختفت من الأسواق عقاقير علاج أمراض الكبد، وأدوية قرحة المعدة وضغط الدم، وأدوية الجيوب الأنفية وأمراض القلب والغدة الدرقية، وعشرات الأنواع من المسكنات والمضادات الحيوية والفيتامينات.
وحذرت النقابة من كارثة تهدد استمرار توافر الأدوية بعد زيادة سعر الدولار، وطالبت الحكومة بسرعة إصدار قرار برفع أسعار الأدوية؛ حيث إنه القرار أصبح لا مفرَّ منه حتى تتمكن شركات الأدوية المصرية من الاستمرار في العمل، وإنقاذها من الإفلاس، في ظل تحقيقها خسائر كبيرة.
وكما قضت أزمة السياحة على أهم مورد للدولار بمصر؛ حيث توقفت حركة السياحة بشكل تام من الخارج، وبدلا من أن تعج المناطق السياحية الفريدة بمصر بالسائحين من كل حدب وصوب، أصبحت أماكن يزورها المصريون دون إدرار أي دخل أجنبي في مواسم معينة.
ودخلت أزمة السياحة في مصر عامها الخامس، بعدما تعرّضت لحالة تراجع غير مسبوقة في أعداد السياح الوافدين للبلاد، وخسائر متتالية لشركات السياحة والفندقة بمختلف المقاصد السياحية، التي تأثرت جميعها بالأزمة التي أصابت القطاع السياحي بالبلاد، منذ تفجر ثورة يناير، بالإضافة إلى استمرار الأحداث السياسية والأمنية السلبية، والتي ضاعفت آلام القطاع السياحي، وأدت لإغلاق مئات البازارات والمنشآت والمطاعم والفنادق لتبقى بدون صيانة، بعد تسريح آلاف العمال، وسط مساعٍ محليّة ودولية لانتشال القطاع من كبوته.