مازال الوضع في الشرق الأوسط لايدعو إلى التفاؤل في عام 2016. حيث تعد صعوبة إعادة بناء بنية ونظام المنطقة، وصعوبة التحول في الدول العربية، وتهديد تنظيم داعش وتأثيراته الخارجية، العوامل الرئسسية الثلاث التي ستؤثر على إتجاه الأوضاع في الشرق الأوسط. وإذا لم يتم معالجة هذه القضايا بشكل جيد، فقد تدفع الشرق الأوسط إلى دخول موجة الإضطرابات الثالثة.
صعوبات إعادة بناء بنية ونظام المنطقة
أولا، مع تعمق الصراع الجيوسياسي والطائفي السعودي الإيراني. أدى إنقطاع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية إيران في بداية العام الحالي، إلى خروج الصراع إلى العلنية وتحوله إلى جبهات متصارعة، حيث يتعدى الصراع بين الجانبين المنطق الطائفي البسيط، ليصل إلى الخلافات الجيوسياسية حول الزعامة على المنطقة، والصراع القومي بين العرب والفرس، والصراع الطائفي بين السنة والشيعة. ومن المتوقع أن يستمر الصراع بين الجانبين التصعيد دون التحول إلى حرب مباشرة، وتحويل دول الشرق الأوسط إلى جبهة سعودية أو أخرى إيرانية أو محايدة. في حين، تظهر ملامح النهوض الإيراني شيئا فشيئا بعد رفع العقوبات.
ثانيا، ستواصل القوى الإقليمية والدولية الصراع على الحل السياسي للأزمة السورية. ورغم بروز مخرج سياسي للأزمة السورية، إلا أن الصعوبات لا تزال موجودة. في حين لا يمكن تجاهل احتمال المساعي الغربية لبلقنة سوريا في إطار الأمم المتحدة.
أخيرا، ليس هناك أي دولة كبرى قادرة على التحكم في الشرق الأوسط، ما سيجعل إعادة بناء بنية ونظام الشرق الأوسط مهمة صعبة. حيث تتراجع قوة ورغبة أمريكا في الوقت الحالي على إدارة شؤون المنطقة، ورغم أن روسيا قد ضاعفت من تدخلها في سوريا، لكن تدخلها يبقى مبنيا على بعض المصالح والأهداف، أما أوروبا التي تعاني أزمة اللاجئين والإرهاب فأكثر عجزا على التدخل بكل قواها في شؤون الشرق الأوسط.
صعوبة عملية التحول في دول الشرق الأوسط
إجمالا، يمكن القول أن الدول العربية تشهد صعوبة كبيرة في تحقيق التحول السياسي، وتعاني من إستمرار الإضطرابات، ومازالت تواجه ضغوط التحول. ورغم أن دولا كمصر وتونس قد حققت تحولا جيدا من الفوضى إلى الإستقرار، إلا الأفق لا تدعو إلى التفاؤل. وعلى سبيل المثال، رغم نجاح نظام السيسي في مصر في تحقيق الإستقرار بشكل أولي، لكن إلى الآن لم ينجح في وضع مصر على طريق التنمية المناسب لها.
أما اليمن وليبيا، فمازالتا تعيشان الصراع الديني العلماني والصراع القبلي والطائفي والتدخل الأجنبي وعربدة المنظمات المتطرفة والإرهابية، وتواجهان عقبات كبيرة أمام إعادة الإعمار، وعدم مسايرة الإقتصاد والمجتمع للتاريخ.
أما الدول التي تفادت نسبيا عاصفة الربيع العربي، مثل السعودية والجزائر والسودان، فتعاني بدرجات متفاوتة أزمات ضعف النمو وإرتفاع معدلات البطالة هشاشة النظام السياسي، وخاصة أزمة خلافة الحكم المتفاقمة. وتجدر الإشارة خاصة إلى الأزمة التي تعيشها السعودية بسبب صدمة تراجع أسعار النفط، والصراع داخل القصر والخلافات الدبلوماسية، وفي صورة ماشهدت السعودية إضطرابات خطيرة، فإن الوضع في الشرق الأوسط سيدخل أزمة أكثر عمقا، ويهدد إستقرار المنطقة بشكل خطير.
تهديدات داعش للإدارة الدولية
تمكن تنظيم “داعش” من أن يعوض “القاعدة” كأكبر خطر إرهابي دولي، ليصبح المسؤول عن أخطر العمليات الإرهابية في العالم، وأكبر محرض على التطرف والإرهاب في العالم ومغناطيس المنظمات الإرهابية من مختلف أنحاء العالم. ونظرا لتداخل تنظيم داعش بقضية اللاجئين، أصبح هذا التنظيم لايمثل خطرا على الإدارة الدولية فحسب، بل بات يمثل خطرا على التعايش بين الحضارات والأعراق دول ومناطق معينة، وخاصة الدول الأوروبية.
الخطر الإيديولجي لتنظيم “داعش”
تسعى “داعش” إلى تحقيق حلم تأسيس “دولة الخلافة”، وقد تجاوزت في عنادها تصلبها تنظيم القاعدة في هذا المجال. كما تتمسك داعش بتكفير الشيعة، وتطبيق حد الردة على أتباع الطائفة الشيعية. وفي ظل هذا الصراع الطائفي المحموم، تجد مثل هذه الإيديولوجية بيئة خصبة للإنتشار.
أخيرا، تمارس داعش سياسة ضرب العدو البعيد (الغرب)، والعدو القريب (الأنظمة العربية العلمانية ومن يدعمها)، وشن الجهاد على المعارضين لها. ومع تحول الإيديولوجية الدينية المتطرفة إلى قوة تأثير بالنسبة لداعش، بات محاربة التطرف الدينية قضية عالمية عويصة.