قامت الدولة المصرية، في السنوات الأخيرة، بسلسلة من الإجراءات الأمنية في سيناء؛ والتي تهدف من ورائها إلى القضاء على ظاهرة حفر الأنفاق التي تستخدم -بحسب السلطات المصرية- في أنشطة غير مشروعة بالإضافة إلى خطر تسلل من يصفهم النظام بالإرهابيين.
في حين يؤكد القائمون على هذه الأنفاق، أنها فقط لتمرير البضائع ومستلزمات الحياة الضرورية إلى قطاع غزة المحاصر.
بدأت هذه الإجراءات إبان حكم المخلوع “حسني مبارك” عام 2008 بإقامة الجدار الفولاذي أو الجدار العازل على طول حدودها مع قطاع غزة يمتد على طول 9 كيلو مترات ويتراوح عمقه في الأرض ما بين 20-30 مترًا، وشيد الجدار من الحديد الصلب بحيث يصعب اختراقه أو صهره بوسائل مختلفة.
وبجانب هذه الخطوة، قامت دوريات أمنية في سيناء بجولات في المناطق الحدودية مع قطاع غزة، إضافة إلى تشديد الرقابة على منطقة الشريط الحدودي في رفح.
هدم رفح
قامت الدولة المصرية بمحاربة تجارة الأنفاق، والتي ساعدت على تخفيف الحصار بشكل كبير عن قطاع غزة؛ ففي عام 2006 بدأت الدولة فعليًا في تفجير الأنفاق الحدودية مع قطاع غزة، خاصة بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية يناير 2006، وانفرادها بحكم غزة، وبسبب ما وصفه البعض بعداء الرئيس المخلوع حسني مبارك للتيارات الإسلامية.
ومع ذلك، فقد تغاضت الدولة عن تهريب الأفارقة والسجائر والمخدرات من بعض المهربين في سيناء إلى إسرئيل، وكان هناك بعض اللواءات في وزارة الداخلية وبعض ضباط الاستخبارات العسكرية لهم حصص مالية من عمليات التهريب مع إسرائيل وأيضًا مع غزة؛ “حسب ما وثقته شبكة “رصد” في حوار لها مع أحد المهربين”.
وبدأ تفجير الأنفاق مع غزة أيضًا يدخل مرحلة جديدة بعد أن أتى عبدالفتاح السيسي ونظامه؛ فتم تدمير أكثر من 650 نفقًا في منتصف عام 2014، ثم حدث تفجير “كرم القواديس” فأعلن السيسي قرارات من ضمنها هدم مدينة رفح التاريخية وإقامة منطقة عازلة تزيد من معاناة المواطن بغزة، وهنا توقفت الأنفاق نهائيًا، في حين ما زال التهريب عبر الحدود مع إسرائيل يعمل وبشكل يومي.
واتخذ نظام السيسي عدة قرارت بغرض زيادة القبضة الأمنية على الأنفاق الحدودية في رفح، وكان أهمها:
1- المنطقة العازلة:
إقامة منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة يصل طولها إلى 13 كيلو مترًا، وتشمل عمليات تدمير للأنفاق على الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة، على أن تقام بعمق يتراوح بين 500 متر و1500 متر قابلة للزيادة.
وفي هذا السياق، بدأ نظام السيسي بإصدار مرسوم تحت عنوان خطة “إعادة توزيع ديموجرافي” للسكان المقيمين على طول خط الحدود في رفح مع قطاع غزة، والذين يعيشون في 680 منزلًا، وبالفعل بدأت السلطات المحلية بتلقي طلبات هؤلاء السكان الذين خُيِّروا بين تلقي أموال في مقابل ترك أراضيهم أو منازلهم، أو الحصول على أرض في منطقة بعيدة عن الشريط الحدودي.
ورغم إدانات عربية ودولية واسعة لعمليات التهجير القسري من الشريط الحدودي، واعتراض بعض العائلات على ذلك؛ إلا أن النظام المصري استمر في تفجير المنازل؛ إذ إن الخطة تقضي بإزالة كتل سكنية كبيرة بمناطق صلاح الدين والبراهمة وحي الجبور وغيرها من الأحياء الحدودية المطلة مباشرة مع قطاع غزة، وهذا يعني أن عشرات العائلات والقبائل مثل الجرادات، أبو عياد، الشاعر، القمبز، أبو حلاوة، البراهمة ستفقد أراضيها، وستهجّر إلى أماكن بعيدة عن مدينة رفح، وهو ما حدث بالفعل.
2- حفر ممر مائي:
والخطوة الثانية التي اتخذتها الدولة المصرية في سبيل حربها للأنفاق، كانت عبارة عن حفر ممر مائي بطول 10 كم على طول الحدود مع غزة؛ إذ إن الممر المائي من شأنه أن يجعل باطن الأرض رخوة، ومن ثم صعوبة بناء أنفاق، وهو ما تم بالفعل؛ حيث قام سلاح المهندسين، بالتعاون مع سلاح حرس الحدود المصري، بحفر ممر مائي على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وهو ما أدى إلى إغراق المنطقة الحدودية بالكامل، وهدم مئات الأنفاق.
بيزنس الضباط
يقول “عدنان” اسم مستعار، وهو من إحدى العائلات التي تم تهجيرها في رفح: “كان لدي نفق في منطقة البراهمة في رفح، وكان لي شريك في هذا النفق يعمل في تهريب المواد الغذائية والبترولية؛ وفي أحد الأيام تفاجأت بحملة أمنية من المخابرات تهاجم المنطقة الموجود بها النفق، حتى تمكنوا من إغلاقه بواسطة الجنود والضباط بالحجارة، ثم قاموا باعتقالي واقتيادي لمكتب المخابرات برفح”.
ويتابع “عدنان” -في تصريحات خاصة لـ”رصد”-: “حدث هذا في عام 2010، ثم عرض عليّ أحد الضباط أن يشاركني بحصة مالية في النفق، فوافقت مضطرًا حتى لا يتم اعتقالي ومحاكمتي، وأيضًا حتى لا يتم إغلاق مصدر رزقي الوحيد، فأنا لا أعمل في أي شيء”.
ويروي “مصطفى”، اسم مستعار، من أهالي رفح المهجّرين أيضًا -في تصريحات خاصة لـ”رصد”-: كان لدي نفق في منطقة الشلالفة قرب معبر رفح، وكنت أشارك أحد الضباط في هذا النفق؛ حيث تم الاتفاق بيني وبين الضابط أن يحصل على نسبة 25% له من صافي ربح النفق، وهذا الضابط معروف جدًا؛ إذ إنه يشارك أشخاصًا آخرين حتى من قبل ثورة يناير”.
مقاومة فلسطينية
قام الجيش المصري، منذ عدة أيام، بضبط نفق على الشريط الحدودي برفح قرب منطقة الدهنية؛ حيث نشر المتحدث العسكري صورًا لأحد الأنفاق الخرسانية، وقال -في بيان له عبر صفحته على “فيس بوك”-: إن قوات الجيش الثاني الميداني تمكنت من اكتشاف وتدمير نفق خرساني بعرض (١٢٠ سم) وعلى عمق (٩ أمتار) وبطول (٣٥ مترًا)، ومزود بعدد (٢ كابل كهرباء) وعدد (٩ كابل فردي) وعدد (٢ كابل إنارة) وعدد (٢ خط تليفون+ ٢ موتور سحب+ وايرات سحب) بمنطقة الدهنية بمدينة رفح الحدودية، يستخدم في أعمال التهريب للأفراد والأسلحة والذخائر على الحدود مع قطاع غزة.
ويقول “سالم”، اسم مستعار، وهو أحد أهالي قرية الماسورة القريبة من منطقة الدهنية جنوب مدينة رفح: “إن الفلسطينين بدءوا فعليًا في تحصين ما تبقى من الأنفاق الحدودية عبر تزويدها بخرسانات مسلحة؛ حتى يحافظ على استمرارية النفق ويحافظ عليه أيضًا من المياه التي يتم ضخها بشكل يومي في الشريط الحدودي”.
ويضيف “سالم” -في تصريحات خاصة لـ”رصد”- “لم يتبق من الأنفاق إلا عدد قليل جدًا ربما يتجاوز العشرين بقليل، وفي الأغلب يتم تهريب السجائر وبعض المواد الغذائية والحياتية عن طريقها، ولو تم إغلاقها أيضًا فإن قطاع غزة ستحدث به مجاعة محققة”، على حد قوله.