أثار موقف المعتقل محمد حسنين، المسجون في قضية “مؤسسة بلادي” لإعادة تأهيل أطفال الشوارع، والتي يواجه فيها اتهامات باستغلال الأطفال، عندما أهدى زوجته آية حجازي، شريكته في نفس القضية، باقة من الورد بمناسبة عيد الحب أثناء نظر القضية في محكمة عابدين، إعجاب المتابعين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي والذين وصفوا الموقف بالرقيق من حسنين تجاه زوجته.
ونرصد لكم في هذا التقرير أبرز قصص الحب من وراء الزنزانة:
محمد بديع يخطب من السجن
استطاع محمد علي الشناوي رفيق محمد بديع مرشد جماعة الإخوان، أثناء وجودهما في السجن في عهد عبدالناصر، أن يجمع به مع ابتنه سمية التي رآها أثناء زيارتها والدها الشناوي في السجن.
وعلى الرغم أنه ما زال أمامه 6 سنوات سينتظرها في سجنه لكن الفتى لم يكن يملك ما يخسره، وطلب بديع من الشناوي خطبة سمية.
“لكن إنت شفتها، بس هي ماشافتكش علشان تقول رأيها”، هكذا رد رفيق الزنزانة على الطلب الغريب، لكن الرغبة في الحب عند السجين الذي ينتظر ستة أعوام جديدة في الأغلال كانت جارفة ولا تقاوم، وقال لرفيقه إن لديه صورة ليقدمها لابنته؛ حتى تقول رأيها، وبالفعل قدم صورة “الفيش والتشبيه” خاصته.
ضحك الشناوي من الصورة المنفرة، مؤكدًا أنها لا تليق، ولن تساعده في تحسين موقفه السيئ الطالب للحب وهو في حالته المزرية هذه، لكن الفتى أصر على أن تُقدم هذه الصورة، حتى تكون كريمة الشناوي على بينة من أمرها وتعلم أنها لو قبلت الحب فإنها ستقبله من هذا الشخص الضعيف المهزوم، الذي لا يملك على هذه الأرض شيئًا سوى قلبه.
حسب الخطة الموضوعة من قبل المسجونَين، فسيتم الأمر على أربع زيارات، في الزيارة القادمة لسمية سيعطيها والدها الصورة المزرية، وفي الزيارة التي تليها سيعرف رأيها، وبعد ذك سيبلغ بديع أهله بالأمر، وهكذا.
لكن جاءت الأقدار بشكل استثنائي لتنتصر للرغبة في الحب، فقد تحصل الشناوي على إفراج مفاجئ وأبلغ صديقه بأنه سيذهب إلى كريمته؛ ليعرض عليها الصورة بنفسه ثم يخبره بالرد.
انتظر بديع الرد في شوق، وجاءت البشرى بعد 15 يومًا، بأن العروس قد وافقت وقبلت بصاحب الصورة المضحكة، وبأنها في انتظاره أن يخرج من السجن بعد 6 سنوات، وباتت مهمته هي أن يبلغ أهله بالأمر الغريب.
في الزيارة أبلغ بديع والده ووالدته بالأمر، غضب الأب؛ فليس من السلوك القويم أن تربط مستقبل فتاة في مقتبل العمر بمستقبل شخص في مثل ظروفك، وليس من التقوى أن تترك فتاة تنتظرك 6 سنوات، ستخرج بعدها وأنت لا تملك وظيفة ولا مسكن، لكن الفتى ظل متمسكًا برغبته في الحياة التي تُضحك من حوله، وأخذ يتوسل لوالده كي يرضى، ويعبر له عن أن ذلك الحلم لن يستطيع أن يتركه أو ينساه، ورق له قلب أمه فأقنعت والده، ووعدت بديع بأنهم سيخرجون من زيارته ويذهبون للقاء الحاج شناوي في نفس الليلة، وبالفعل تمت الزيارة وعادوا إلى دارهم بالمحلة.
وذهبت الأسرة إلى منزل الحاج الشناوي لأول مرة بعد الإفراج، وباغتهم الشناوي بطلب غريب حيث قال لبديع: “انزل هات المأذون حالا، إحنا ربنا خرجنا من السجن علشان إنت تتجوز”.
عبدالعظيم أنيس ورسائل الحب
في 5 نوفمبر 1958، تزوج المفكر الشيوعي الحاصل على دكتوراه الفلسفة في الإحصاء الرياضي من لندن عام 1952، من حبيبته الإعلامية “عايدة ثابت”، وعاشا معًا نحو شهرين من أسعد أيام حياتهما، حتى جاءت عاصفة الاعتقالات للشيوعيين المصريين، في يناير 1959، لتفصل بين الحبيبين بقسوة، وترسل بالزوج إلى المعتقل، وإلى زنزانة التعذيب والذل، ليقضي أول 6 سنوات من زواجه في السجن.
كان أنيس قد عاد إلى مصر عام 1956 بعد أن استقال من وظيفته كمدرس بجامعة لندن؛ احتجاجًا على العدوان الثلاثي الذي شاركت فيه بريطانيا على مصر، وذلك على الرغم من موقفه المنتقد لعبد الناصر؛ بسبب معاداته للديمقراطية، عاد ليجد نفسه بعد 3 سنوات معلقًا في أداة تعذيب تُدعى “العروسة”، يُجلد عليها، وزوجته، ذات الأربعة وعشرين عامًا، تُفصل من عملها؛ لأفكارها وأفكار زوجها الشيوعية، وترفض أن تتلقى أية مكافأة نهاية خدمة من مؤسستها “جريدة المساء”؛ احتجاجًا على الظلم، ويجلس الفيلسوف المعذب في سجنه مشتت الألم، بين ما يتعرض إليه من تعذيب جسدي ونفسي، وبين زوجته التي لا تملك عملا؛ وتكافح الزمن لتحصل على وظيفة جديدة؛ من أجل الإنفاق على البيت، وإرسال احتياجاته إليه في السجن، دون أن تشكو له لحظة في خطاباتها من ضيق الحال الذي يعرفه جيدًا.
ظن معذبو أنيس أن تجريد عالم الرياضيات الفيلسوف الشاب من ملابسه عاريًا كما ولدته أمه، وضربه وتعذيبه، سيحوله إلى مسخ ضعيف، مكسور الإحساس بذكورته، لم يعرفوا أن خطابًا واحدًا من حبيبته أو إليها كان يهون كل العذاب، ويدفعه إلى احتمال أضعاف أضعافه؛ وهو ما عبر عنه بعد ذلك عقب انتهاء التجربة.
كان يسكب في رسائله إليها كل المشاعر، يحكي لها عن يأسه وأمله، وعن أصدقائه في السجن وطبائعهم، وعما يقرأ وعما يفكر فيه. ينظُم فيها الشعر حينًا، ويشرح لها أطروحات فلسفية معقدة حينًا آخر، يحكي لها: عن مسرح السجن، وعن مسابقات كرة السلة بين المعتقلين، وعن المعادلات الرياضية المعقدة التي يشرحها لزملائه المعذبين؛ يؤنس وحدتهم بها، كما يصف لها بالتفصيل طرق الإهانة والتعذيب التي يتعرض لها.
في إحدى رسائله إليها، شرح الفيلسوف لزوجته كيف أنه قد تعلم غسل ملابسه بنفسه في المعتقل، وأن تلك خبرة مفيدة للغاية له؛ كي يساعدها في أعمال المنزل حين يجمعهما القدر مرة أخرى، ورغم أنه لم يستطع منع نفسه في ذات الخطاب من أن يشكو إليها آلام البواسير التي يعانيها، وقذارة وبشاعة السجن والمعاملة، لكنه لم ينس في نهاية الخطاب أن يذكرها بكون الحياة ليست بهذا التشاؤم، فرغم كل شيء هو يضحك ويلعب وينكت مع أصدقائه في الزنزانة، ويثق في أنه سينتصر بالنهاية.
فوزي وثريا
فوزي حبشي ذو الحظ الوافر من التعذيب والحب إنه عاشق العمارة والهندسة والماركسية الذي بدأت علاقته بالشيوعية من شبرا حيث كان يوزع المنشورات ضد الإنجليز في شبابه.
لحقت به ثريا شاكر الشيوعية، بحبيبها فوزي حبشي بالسجن في عهد عبد الناصر هي الأخرى؛ بعد أن تتأثر بأفكاره وثوريته، ولم تكن تعلم أنهما سيسطران معًا قصة حب خالدة ستبقى أكثر من ستين عامًا حتى الموت.
بوكيه ورد
وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورة لمحمد حسنين، المسجون في قضية “مؤسسة بلادي” لإعادة تأهيل أطفال الشوارع، والتي يواجه فيها اتهامات باستغلال الأطفال، أثناء إهدائه زوجته آية حجازي، شريكته في نفس القضية، باقة من الورد بمناسبة عيد الحب أثناء نظر القضية في محكمة عابدين. وأبدى مدونو موقع فيس بوك إعجابهم الشديد باللفتة، التي وصفوها بالرقيقة من حسنين تجاه زوجته، وتظهر الصورة حسنين وزوجته يتواجدان داخل القفص أثناء نظر قضيتهما بمحكمة عابدين.
“تورتة الحب”
رغم الحالة التي يعيشها معتقلو سجن دمنهور العمومي “الأبعادية” من مأساة وظروف صعبة من اضطهاد وتكدير ومعاملة سيئة وحياة غير آدمية، فإنهم يخلقون الأمل في حياتهم، ويبعثون التفاؤل في قلوبهم، ويرسلون السعادة لأهلهم وذويهم.
فقدم المعتقل “خالد زكي” من قرية “طيبة” التابعة لمركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، والمعتقل منذ سنة، تورتة لزوجته بمناسبة عيد زواجهما.
وبهذه المواقف يقدم معتقلو سجن “الأبعادية” رسالة قوية للنظام الحالي بأنهم لن ينكسروا، مهما فعلوا من التجاوزات، ومهما طبقوا قرارات. ومهما نفذوا أوامر تقيد حريتهم وتزيد الانتهاكات بحقهم.
“بحبك يا منال”
ظلت منال حسن زوجة الناشط الاشتراكي، علاء عبدالفتاح المحبوس بعد إدانته بخرق قانون التظاهر، تبعث في قلب زوجها كلمات العزيمة والصبر في كل زيارة، ليتحدثا معا عن أسرتيهما ومستقبلهما القادم بعد الخروج من السجن.
وتداول رواد الفيس بوك فيديو لعلاء عبد الفتاح أثناء وجوده في إحدى سيارات الترحيلات بتهمة المشاركة في أحداث ماسبيرو 2011، وهو يصرخ من داخل السيارة “بحبك يا منال”.
وقالت الدكتورة هويدا عدلي، خبير في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن المشاعر لدى المعتقل تكون أشد وأعظم لأنها نابعة من الحرمان العاطفي، والحرمان من الأسرة والألفة والمودة بين الزوج والزوجة لأن الله خلقهما ليكملا بعضهما.
وأضافت هويدا في تصريح لـ”رصد”: “مشهد بوكيه الورد داخل القصف يترك مشاعر جياشة وقوية لدى الزوجة أقوى مما يكون الحال وهما خارج السجن، لأنه في الغالب أن السجن عبارة عن وسيلة تفرقة بين المرء ومعارفة كعقاب نفسي، والاشتياق بين الأحبة هنا يكون شديدا”.