من الأمازون إلى النيل إلى ميكونج تعد الأنهار شريان الحياة للكثير من البلدان؛ حيث تملأ الصنابير وقنوات الري وتستخدم لتوليد الطاقة الكهرومائية التي تعتبر محركا للتنمية الاقتصادية.
لكن دراسة حديثة تحذر من أن التغيرات التي تطرأ على تدفق الأنهار والتي تحدث بفعل تغير المناخ تهدد هذا كله، فآلاف السدود الكهرومائية تتعرض لمخاطر الجفاف بحلول نصف القرن الحالي مع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي نفس الوقت تعد الطاقة الكهرومائية حلا لمشكلة تغير المناخ؛ فالسدود الكهرومائية واحدة من أكبر مصادر الطاقة في العالم، بالإضافة إلى أنها خالية من انبعاثات الكربون، وقد تستخدم بدلا من الوقود الحفري في عشرات البلدان حول العالم؛ ما يعطي فرصة للتنمية الاقتصادية بدون انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتزايدة. وكان للبرازيل ومصر والصين السبق في هذا الأمر.
لكن هناك مشكلة، فمخاطر الجفاف المتوقعة مستقبلا سوف تفرغ الخزانات، وقد قامت ميشيل فان فليت من المعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية بالنمسا ببعض الحسابات لترى كيف تتنبأ مجموعة من النماذج المناخية القياسية بتغير تدفق الأنهار، وماذا يعني هذا بالنسبة لأكثر من ٢٤ ألف محطة طاقة كهرومائية حول العالم، وقد تم نشر النتائج التي حصلت عليها على موقع Nature Climate Change هذا الشهر.
وكانت النتائج صادمة، فقد خلصت إلى أن “التغير المناخي سوف يقلل من قدرة محطات الطاقة الكهرومائية في معظم المناطق حول العالم”، فحوالي ٧٤٪ من السدود الكهرومائية سوف تشهد نقصا في قدرتها على إنتاج الكهرباء بحلول منتصف القرن.
وهذا ربما يكون تهديدا كبيرا للاقتصادات سريعة النمو، مثل تلك الموجودة في أميركا الجنوبية والتي تعتمد على الطاقة الكهرومائية لأكثر من ٦٠٪ من استخدامها للكهرباء، كما حذرت من أن معظم السدود في إفريقيا وأستراليا وجنوب شرق آسيا والولايات المتحدة ووسط جنوب أوروبا ربما أيضًا تتوقع انحدارًا في قدرة الطاقة الكهرومائية.
لا يمكننا التأكد الآن بشأن المستقبل، فالنماذج المناخية لا تتفق بشأن المستقبل الهيدرولوجي للكثير من أنظمة الأنهار، واعتمادا على النموذج المناخي الذي تختار قد تزداد -أو تقل- كمية الماء، وهذه الحالة من عدم التأكد يجب أن تجعل الحكومات والمستثمرين على قدر من التوتر.
فالسدود الكهرومائية قد صممت لتعمل لثمانين عاما وأكثر، والرهان على بقاء تدفق الانهار كما هو خلال هذه الفترة الزمنية مخاطرة كبيرة، وحيثما بنيت السدود فإن مخاطر الكوارث الاقتصادية والمعاناة الإنسانية وحتى حروب المياه تمثل أهمية كبيرة.
لنأخذ النيل كمثال، تعتمد مصر على مياه النيل بشكل كبير جدا لتوليد الكهرباء من السد العالي، بالإضافة إلى ري المزاره الصحراوية، وتقوم إثيوبيا حاليا -وهي دولة المنبع- ببناء سد كهرومائي عملاق -سد النهضة العظيم- ويخشى المصريون من أن هذا سوف يؤثر في تدفق النيل ويهدد إمدادات الكهرباء لديهم.
وتحاول كلتا القوتين الإقليميتين مع الثمانية دول الأخرى الواقعة على مجرى النيل التوصل لاتفاق لاقتسام المياه. ولكن أي اتفاق سوف يجري على أساس تدفق المياه الموجود حاليا، وهذا احتمال ضئيل جدا؛ فلا أحد يعرف كيف سيكون تدفق المياه في النيل في المستقبل.
وقد أوردت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عدة نماذج مختلفة متوقعة لسريان النيل حتى نهاية هذا القرن، وهي تتراوح بين زيادة محتملة بنسبة ٣٠٪ إلى نقص محتمل بنسبة ٧٨٪.
وفي نفس الوقت هناك أيضا نهر النيجر الذي يتدفق عبر ٩ بلدان في غرب إفريقيا بمحاذاة منطقة الساحل القاحلة، والذي يواجه مخاطر ندرة الأمطار؛ حيث تخطط غينيا ودول أخرى لإقامة سدود ضخمة تهدد إمدادات المياه دول المصب مثل مالي، وكذلك الصين ولاوس ودول أخرى تبني السدود على نهر ميكونج الذي يمثل شريان الحياة لدول جنوب شرق آسيا، بالرغم من أن دراسة فان فيلت تقول إن النهر سوف يعاني من تدفقات أقل في المستقبل.
ترضخ بعض الدول للعلامات التحذيرية بشأن تغير المناخ، ففي أميركا الجنوبية تسبب الجفاف في فنزويلا والبرازيل في تجفيف الخزانات وانقطاع الكهرباء، ونتيجة لذلك تخطط البرازيل لتقليل اعتمادها على الطاقة الكهرومائية في المستقبل.
لكن بالنسبة لكثير من الدول يمثل استغلال الطاقة الكهرومائية كبديل للوقود الحفري إغراء كبيرا لها؛ فقد رفعت الصين من قدرتها على انتاج الطاقة الكهرومائية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومع تخطيطها لتقلق الاعتماد على الفحم يبدو أنها سوف تستثمر بشكل أكبر في الطاقة الكهرومائية.
ليست السدود الكهرومائية هي المصدر الوحيد للكهرباء الذي يتطلب الكثير من المياه، فمعظم محطات التوليد التي تعمل بالفحم المحترق والغاز الطبيعي أو النقط، بالإضافة إلى محطات الطاقة النووية تستخدم المياه للتبريد، وقد وجدت أن حوالي ٨٦٪ من تلك المحطات سوف تشهد انخفاضا في طاقة التوليد كنتيجة لذلك.
لقد كانت هناك إشارات على هذا بالفعل، لا سيما في العام ٢٠٠٣ خلال موجة الحر والجفاف التي اجتاحت أوروبا والتي قال علماء المناخ إن حدتها كانت بسبب الاحتباس الحراري.
وفي ذروة هذه الموجة قل تدفق نهر لوار بفرنسا الذي هو أطول أنهارها ويحتوي على الكثير من محطات الطاقة النووية إلى حد كبير، واضطرت فرنسا لإغلاق المولدات الكهربائية وتقليل عمل ١٧ مفاعلا لعدم وجود مياه التبريد.
مياه الأنهار من ضروريات إمداد الكهرباء التي لا تولي اهتماما كبير، ولكن بتغير المناخ يبدو أن هذا الأمر سيسبب مشكلة.