شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أسطورة أبو اسماعيل الذى لا يقهر

أسطورة أبو اسماعيل الذى لا يقهر
أول ظهور تنبهت به لوجود رجل يدعى حازم صلاح أبو اسماعيل كان عندما رشح الرجل نفسه لرئاسة الجمهورية .. شاهدت بعدها كثير من لقاءاته .. أعجبنى فيها أسلوبه الهادئ المتزن .. ردوده الحاضرة .. ابتسامته التى لا تفارقه ..

أول ظهور تنبهت به لوجود رجل يدعى حازم صلاح أبو اسماعيل كان عندما رشح الرجل نفسه لرئاسة الجمهورية .. شاهدت بعدها كثير من لقاءاته .. أعجبنى فيها أسلوبه الهادئ المتزن .. ردوده الحاضرة .. ابتسامته التى لا تفارقه .. الذكاء الذى يكاد يقفز من عينيه .. والأهم هو الصدق الذى تحدث به من قلبه .

بحثت بعدها وعلمت أن والده هو الشيخ الجرئ الشجاع صلاح أبو اسماعيل نائب البرلمان ابن جماعة الاخوان المسلمين لأربع دورات متتالية .. والذى كانت له صولاته مع الرئيس السادات .. جده لأبيه كان عضوا في مجلس الشيوخ وجده لوالدته كان أستاذاً للدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر.

شاهدت تأييد الشيخ أبى اسحق الحوينى له والذى ربما كان أكبر باب دخل منه لقلوب محبى الشيخ .. ثم توالت لقاءاته ومؤتمراته وخطبه وبرامجه التليفزيونية .. أغرم به فصيل وأصبح لهم زعيما وملهما حتى أنهم أصبحوا لا يروا فى مصر رجلا يصلح للرئاسة أكثر منه .. أيدوه ونصروه وتظاهروا من اجله حين استبعدته اللجنة العليا للانتخابات بحجة ان امه تحمل الجنسية الأمريكية .
ارتبط به مؤيدوه حتى انهم نشروا ومازالوا مقاطع مسجلة له وهو يتحدث عن أمور ستحدث فى مستقبل الثورة وقد تحققت بالفعل .. فرسخ ذلك فى ذهنهم الصورة التى طالما رسموها له .. كصاحب رؤية وفكر متقدم عن غيره .. إلى هنا تبدو الأمور طبيعية ..

ما أريد الحديث عنه هنا .. هو تصور أنصار الشيخ أنه هو الوحيد الذى كان يفهم ما كان يجرى فى مصر وأنه وحده من كان يدرك المخطط الذى دبره العسكر لدفن الثورة .. وأنه طالما حذر ولكن لم يكن هناك آذان واعية تسمع .. فالكل فى نظرهم إما غبى أو ضعيف أو حريص على السلطة .. وأنه لو استجابت جماعة الاخوان لنصائح الشيخ ولو أن الدكتور مرسي أخذ برأيه ما كان للثورة أن تضيع .
فى تصورى المتواضع أنه لا يمكن أن يقبل العقل أن رجلا واحدا فقط يملك القدرة على فهم الواقع السياسي بشكل سليم .. كما أنى لا أستوعب كيف أن جماعة كجماعة الاخوان لها مالها من تاريخ أسود مع العسكر يمكن أن تكون بهذه السذاجة فى التعامل معهم .. هذه الجماعة تعرضت لمقتلة فى عهد جمال عبد الناصر وللاعتقالات السياسية فى عهد السادات ومبارك .. يمكن أن أتفهم أن يصمتوا عن معلومات يخفونها يرون أنها لا تصلح للتداول .. لكن أن يكونوا غير مدركين للواقع .. أشك .
كان الشيخ حازم يتحدث دوما عن العسكر الذئاب الثعالب .. ترى لو كانت جماعة الاخوان أيدته .. كيف كان سيستقبل عامة الشعب هذا الكلام ؟!

مما لا شك فيه أن الشعب المصرى قام بثورة عظيمة عظيمة (كما سمحوا له) .. ولكنها كانت ثورة بلا رأس .. أتعلمون لماذا ؟! 
قامت الثورة بالاستعانة بفصائل مختلفة لا تقف على أرضية مشتركة .. لا ترتيب بينهم .. وكما نقول عادة فى مصر عند بداية أى مشروع (نبدأ بس وربنا يسهل) .. دون دراسة جدوى .. دون تخطيط لمراحل مستقبلية .. نجحت الثورة (ظاهريا).. وتنحى مبارك .. وفوجئ الثوار أنهم مطالبون ب (ماذا بعد؟) .. وقفوا لا يعلموا ماذا عليهم أن يفعلوا وكان هذا هو الخيط الذى تلقفته القوى المضادة لبداية مخطط الانقلاب على الثورة .. ثم فى لحظة ما من عمر الميدان سار شعار (الجيش والشعب إيد واحدة) فهلل الناس واحتفلوا وصفقوا وبكوا واحتضنوا بعضهم البعض من فرط السعادة ومن ثم … انصرفوا !

لام بعدها الشباب الليبرالى على الشباب الاسلامى الاستجابة لهذه الشائعة التى لا يعلم أى منهم من أين انطلقت .. وتجاهلوا أن من كان يقف معهم بالميدان من الناس الغير مسيسين لا يفقهون فكرة الثورة كما يظن الثوار .. هم تخيلوا أنها نجحت بسقوط مبارك لذا فعليهم أن يعودوا لمقاعدهم ,, ولذلك لم أتعجب كثيرا لانقلابهم فيما بعد عليها ,, فهم لا يفهمون كيف يكون شكل الثورات .
وحتى هذا الوقت وما بعده كان ارتباط الناس بالجيش لا يمكن التحرش به ولو بكلمة .. فالجيش هو من حمى الثورة .. هو من أنقذ الشعب من حرب أهلية وشيكة ..

كان حديث الشيخ حازم الجرئ عن الجيش يثير حفيظة قطاع كبير من الشعب الذى كان يرى جيشه حامى الحمى ومنهم كثير من الاسلاميين الذين كانوا يرون ان فساده متفق عليه ولكن هدمه سوف يعرض مصر للخطر .. وكان الاخوان فى ذلك الوقت وهم الأقرب للشعب بكل قطاعاته يعلمون ذلك ..

ولا أدل على معرفة الاخوان وادراكهم لحقيقة ما كان يحدث من محاولاتهم الدائمة تجنب الصدام مع الجيش .. فهم يعلمون أن القوى هو من يملك السلاح .. مادام الشعب غير مجمع على رأى واحد .. وأذكر أنهم أنتجوا بعد الثورة أحد المقاطع المشهورة التى تتحدث عما ينوى العسكر فعله بالثورة .. والذى يتطابق كليا مع كلام الشيخ حازم ولا ننسي هنا أبدا أن الشيخ كان أحد أبناء هذه الجماعة حتى وقت قريب .. تربى فيها ونهل من أفكارها .. اذا فهو ليس منبت الصلة عنها .. ولابد أنه تعلم منها الكثير . كانت نداءات الشيخ للجماعة كلها تحمل الطابع الثورى وهو بالتأكيد أمر محمود .. ولكنه فى بعض الأحيان كان غير مدروس .. فهو قد يفيد حراك الثورة ويضر جسم الجماعة .. فقد تخطو معه هذه الخطوة .. ثم تصاب بقذيفة لا تستطيع أن تواصل بعدها أبدا .. ودوما على الجسد الثقيل أن يمشي ببطء ويتحسس خطواته لأن سقطته تكون من أصعب ما يكون .. وأعتقد اننا نلاحظ مدى صعوبتها الآن .
كم أتمنى أن يدرك الجميع أن مكونات هذه الثورة تتخطى الاسلاميين وان كانوا هم المحرك الفاعل فيها ..
أكان الاسلاميون حين يوافقون ابو اسماعيل على آرائه وتصوراته سيمضون فى تنفيذ ما يصبون إليه دون باقى الفصائل وان بدت ضعيفة مشتتة ؟!

مصر كما قال الأقدمون عنها (يا داخل مصر منك ألوف) .. بها أشكال وألوان وصنوف متغايرة من مشارب الفكر .. مصر التى يريدونها اسلامية ما عاد فيها ما يميز هويتها سوى مساجد تستجدى المصلين .
حتى تقبل مصر رئيسا كحازم .. لابد أن يكون شعبها مؤهلا لذلك ..
رزقنا الله رئيسا اسلاميا .. ديمقراطيا .. وعدنا ألا يخون الله فينا .. ووفى .. فماذا فعلنا نحن ؟!
وإلى اليوم مازال مؤيدو الشيخ يمنون أنفسهم ويتخيلون أن بخروجه ستنقلب كل الموازين .. وأنه سوف يقوم بثورة اسلامية خالصة لا تبقى ولا تذر ..
لا أقلل من حجم الشيخ ولا قيمته ولا شعبيته فأنا أحترمه وأجله مثلكم تماما .. ولكن من قال أن شعبيته تكفى للقيام بثورة ؟؟
ولنفرض جدلا أنه تزعم ثورة .. ترى ماهو تخيلكم لأحداثها ؟ هل سيعتصم مثلا ؟؟ فعلها الاخوان وفضوا اعتصامهم بأبشع الوسائل ..
هل سيدعو لحمل السلاح ويعلن الجهاد ؟؟ هذا ليس أسلوب الشيخ ولا توجهه .. ولأنعش ذاكرتكم .. فهناك العديد من المواقف التى توضح وجهة نظرى ..
دعا الشيخ لوقفات احتجاجية كثيرة وكان دائما يحتاج الاخوان كظهير لها لأنه لا يملك الشعبية الكافية للقيام بمثل هذه الوقفات .. 

اعتصم الشيخ ومؤيدوه أمام مدينة الانتاج الاعلامى ولكن دون فائدة .. أعلن الشيخ يوما أنه سيزور أحد أقسام الشرطة وعندما اتخذت الشرطة احتياطاتها تراجع .. عندما قاموا بحرق مقر اجتماعاته بمؤيديه لم يفعل شيئا .. طالبه مؤيدوه كثيرا بعمل حزب يجمعهم تحت مظلته ولكنه لم يستجب .. عندما استبعد كمرشح رئاسي لم يكن بيده حيلة .. بل ان مؤيديه عندما احتشدوا لنصرته لم يخطب فيهم لا مؤيدا ولا زاجرا ..وصدرت عنه بعض التصريحات وقتها فى غير محلها ..عندما اتهم بأن والدته تحمل الجنسية الأمريكية لم يستطع ازاحة التهمة عنه إلى اليوم .. حتى أنه عندما تم القبض عليه لم يحرك ساكنا .. وعندما وصف السيسي بأنه ممثل عاطفى … عاد وفسره بشكل يوحى بالاعتذار عنه .. 

لا أذكر هذه المواقف من باب الإهانة أو التقليل من قيمة وقدر رجل مثل حازم .. فمثلى لا يمكن أن يقدح فى مثله .. ولكنى لا أحب التضخيم .. لا أحب صناعة الأصنام .. فمرسي ليس صنما ..وابو اسماعيل ليس صنما .. والاخوان ليسوا صنما .. والاسلاميون ليسوا صنما .. كل يؤخذ منه ويرد عليه .. كل له مزاياه وعيوبه .. كل أصاب وأخطأ ..

أتمنى أن نوسع آفاق رؤيتنا .. وأن ننظر للأشخاص بشكل موضوعى بعيد عن المبالغة والتهويل .. ليس من أجل نظرتنا للمستقبل فقط .. ولكن من أجل أجيال نربيها .. نحن جربنا من قبل .. فكم هللنا وكم هتفنا وكم رفعنا أشخاصا فوق أقدارهم إلى أن كشف الله لنا الوجوه .. كم درسنا فى كتب التاريخ أن فلان كان الأعظم .. وأن المعركة كانت الأقوى .. وأن الجنود كانوا الأبسل .. وأن البلاد كانت الأقدم .. وهكذا مبالغات إلى أن التصقت بعقولنا فكرة الأفضل دائما .. فهذا هو المفكر الأوحد ..الزعيم الأقوى .. الفهيم الأذكى .. لا مجال فى ثقافتنا لفكرة الجماعة والاعتراف بتميز الغير ..

علينا أن نعى الدرس جيدا .. فلا نحط من قيمة عظيم .. وكذلك ألا ننحت له تمثالا .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023