ثمّة شعور بالذعر والخوف يهيمن على سلوك السلطة المصرية، مع اقتراب ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير. وهو الشعور الذي دفع بها إلى شن حملة تخويف وترهيب، في الإعلام التابع لها، فضلاً عن اتخاذها إجراءات احترازية، منها، مثلاً، ما قامت به الشرطة المصرية في الأيام الماضية من حملة أمنية واسعة، فتشت، في أثنائها، ما يقرب من خمسة آلاف شقة من شقق وسط القاهرة، فضلاً عن اعتقال عدد كبير من الشباب الذين إما لا ينتمون لأية تيارات سياسية، أو أنهم منخرطون في أنشطة حقوقية بوجه عام. كما قامت السلطات أيضاً بحملات إغلاق لبعض المراكز الثقافية والفكرية، مثلما حدث مع قاعة تاون هاوس أو دار ميريت للنشر.
الملفت في الأمر أنه لا توجد دعوات حقيقية من أجل التظاهر في ذكرى الثورة، ولم يصدر عن أي من القوى السياسية، على الأقل حتى الآن، أية بيانات أو دعوات للذهاب إلى الميادين. وهو ما يعكس الخوف العميق الذي يسيطر على النظام من “ذكرى الثورة”، والتي تحولت إلى نوع من “الفوبيا” السياسية، أصابت أهل الحكم في مصر، فالنظام الذي نجح، ولو مؤقتاً، في تفكيك الكتلة الثورية، من خلال عملية قمع ممنهجة ومنظمة، أدت إلى اعتقال معظم القيادات الشبابية، كما قام بعملية “تبريد” للحراك الثوري الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين خلال الشهور الأخيرة.
وحقيقة الأمر، قد يبدو خوف النظام الحالي من ثورة يناير، كحدث تاريخي فارق، مبرراً، ليس فقط بسبب رمزية الثورة التي خلعت نظام حسني مبارك، وفتحت المجال العام على مصراعيه للمواطنين للتعبير عن أنفسهم، وأن يصبحوا فاعلاً مهماً، وليس فقط موضوعاً للسلطة. ولكن، أيضاً كونها تمثل الحدث الوحيد الذي يمكن لمصريين كثيرين، خصوصاً غير المؤطرين حزبياً أو إيديولوجياً، أن يتوافقوا عليه. ولعل أكثر ما يخشاه النظام الحالي أن تتحول ذكرى الثورة إلى شيء يمكن أن يجتمع عليه المختلفون، وهو ما بدا في انتشار هاشتاج “أنا_شاركت_في_ثورة_يناير” الذي تفاعلت معه فئات شبابية كثيرة. كما يخشي نظام عبد الفتاح السيسي، أيضاً، أن تتحول حالة الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي إلى حالة غضب سياسي، يؤدي إلى الانفجار، وهو يدرك جيداً أن أي تهاون مع حدث كهذا قد يكلفه مقعده، ما لم يقم بمحاصرته والإعداد لذكراه جيداً.
لا يتوقف الغباء السياسي للسلطة الحاكمة في مصر عند قمع الكثيرين، واعتقالهم وتخويفهم قبل ذكرى الثورة، وإنما تجاوز الغباء مداه في تصدير حالة الخوف والرعب من ذكرى الثورة، والتي من خلالها اكتشف كثيرون مدى هشاشة هذا النظام، على الرغم من قمعه وجبروته. هذه السلطة التي كلما زاد قمعها، بدا مدى ضعف الأساس الشرعي لها ولممارساتها. بل الأكثر من ذلك، حالة الخوف المسيطرة على النظام الآن قابلتها قطاعات شبابية كثيرة بالسخرية والإحساس بالثقة الذي كان مفتقداً قبل فترة. بكلمات أخرى، في الوقت الذي يهيمن التوتر على فكر السلطة الحالية وسلوكها، فإن شعوراً “ما” بالثقة بدأ يتسرب، وينتشر في أوساط كثيرين من شباب الثورة وغيرهم، بل وصل كثيرون منهم إلى قناعة مهمة، مفادها بأن هذه السلطة أضعف مما قد تبدو عليه.
تعكس حالة “الفوبيا” من ثورة يناير، خصوصاً لدى السلطة ومؤيديها من المثقفين والإعلاميين، حجم الخوف من التغيير في مصر، وعدم ثقة هؤلاء في قدرتهم على وأد الثورة، على الرغم من محاولاتهم المستمرة منذ أكثر من عامين، ويبدو أن ثورة يناير تحولت إلى شبحٍ يطارد هؤلاء أينما ذهبوا، على رغم ادعائهم غير ذلك.