أثارت زيارة النائب العام السويسري، ميشال لوبير، الأحد الماضي، لمصر جدلا جديدا حول إمكانية استرداد الأموال المنهوبة؛ حيث أعلن أن الأمور القانونية المتعلقة بإعادة 590 مليون فرانك سويسري إلى مصر معقدة للغاية.
واشترط إلى ضرورة وجود قرار واضح من المحكمة وجود نشاط غير قانوني يشير إلى وضع أموال غير قانونية في سويسرا، من أجل إعادة الأموال للحكومة المصرية، لافًتا إلى أنه ناقش مع النائب العام المصري ضرورة الإسراع في الإجراءات القضائية.
وجاءت هذه الزيارة في أعقاب حكم المحكمة النهائي الصادر ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال، في قضية الفساد المالي المتعلقة بالقصور الرئاسية، الذي يقضي بسجن كل منهم ثلاث سنوات.
وعلى ضوء الحكم، جاءت زيارة النائب العام السويسري إلى مصر، الذي أكد أن هناك عرضا مقدما له من قبل هيئة الدفاع عن رموز نظام مبارك في سويسرا للتصالح مع السلطات المصرية والتفاوض على قيمة الأموال التي سيتم إعادتها إلى مصر، مؤكدا أن القانون السويسري يستلزم إيجاد روابط بين الأموال المهربة والجرائم المرتكبة في مصر حتى يتم ردها.
الولي: مصر لم تتخذ أي إجراء لإعادة تلك الأموال
وفي تصريحات خاصة لـ”رصد” قال ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق، إن مصر لم تتخذ حتى الآن أية إجراءات إثباتًا للجدية في استرداد أموال المصريين المهربة للخارج، مؤكدًا أن كل عمليات تحويل الأموال في العالم كله متوافرة لدى منظمة (السويفت) التي تحصل عليها الولايات المتحدة الأميركية كاملة، وأنه إذا اتخذنا إجراءات جدية قد نسترد الأموال في غضون عام ونصف أو عامين على الأكثر.
وأكد الولي ضرورة إصدار وزارة الخارجية منشورا بالأسماء المطلوب تجميد أموالها (سائلة، أسهم، سندات)، وتتعاون في حصرها وتجميعها السفارات المصرية في كل دول العالم، مؤكدة ضرورة تعقب كل الممتلكات والحسابات الخاصة بالمسؤولين السابقين في النظام البائد.
واستبعد الولي استرداد الأموال الخاصة بالمصريين في ظل استمرار وزارة الخارجية الحالية، التي ما زالت حتى الآن تعطي تعليمات مضادة للثورة، في ظل عدم قدرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على متابعة الأمر بمفرده.
وأشار إلى أنه من التصريحات السابقة يتضح أن هناك صعوبة كبيرة في استعادة الأموال المنهوبة كاملة دون تقديم تنازلات تتضمن المصالحة مع نظام فاسد وفقًا لأحكام القضاء، أو الالتزام بقوانين سويسرية تعيد القضية إلى نقطة الصفر، ووسط كل الصعوبات ربما يتوجب علينا دراسة التجارب السابقة في نيجيريا وتونس والفلبين وبيرو، والتي نجحت في استرداد الأموال المنهوبة.
فيما وضع الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي العرب، قائمة بالإجراءات الواجب اتخاذها لاسترداد الأموال المهربة، تبدأ بنشر مصر التصديق على اتفاقية مكافحة الفساد، عن طريق الحكومة المصرية في كل الدول التي استقبلت أموالاً من رجال النظام السابق، ثم مطالبة تلك الدول بالتحفظ على أرصدتهم لحين إجراء التحقيقات اللازمة، والتحقق من عدم مشروعية الأموال.
وفي تصريح لـ”رصد” أكد الفقي أن التحفظ يشمل كل الأصول الثابتة والمنقولة، وفيما يخص الأموال فتعود للبنك المركزي ممثلاً للشعب المصري، والعقارات تثبت ملكيتها للشعب المصري، ويتم التصرف فيها بالبيع أو الاستثمار.
ويقول الفقي إن أية دولة مهما كانت يمكن أن نتخذ ضدها إجراءات قانونية للحصول على أموال الشعب المصري، في حال رفضت تسليم الأموال، أو لم تكن جزءًا من اتفاقية مكافحة الفساد، كاستخدام القانون الجنائي العام ضد الدولة التي ترفض تعقب مرتكبي الجرائم.
ونستعرض لكم أبرز التجارب الدولية الناجحة في استرداد الأموال
تجربة نيجيريا
تعد التجربة النيجيرية من أنجح التجارب في مجال استرداد الأموال المهربة خارج البلاد، فبعد مباحثات دامت أكثر من سبع سنوات، بدأت بتحقيق أمني واسع من قبل السلطات النيجيرية عام 1998 بمشاركة سويسرية، استطاعت نيجيريا أن تسترجع أموالها المهربة من قبل الرئيس النيجيري الأسبق، ساني أباتشا، فاستردت أكثر من نصف مليار دولار في الفترة من 2005 إلى 2006، وفي عام 2013 تم استرداد مبلغ 1.9 مليار دولار.
تفاصيل قضية هروب الأموال من نيجيريا ظهرت أكثر في أعقاب فوز أولوسيجون أوباسانجو بالانتخابات الرئاسية عام ١٩٩٩، عندما أكدت الحكومة النيجيرية أن عائلة الرئيس السابق أباتشا، سرقت ٤ مليارات دولار خلال فترة حكمه، واتهمته نيجيريا باستخدام حلقة من أفراد عائلته ومساعدين مقربين منه وشركاء في الأعمال للاستحواذ على تلك الأموال، من خلال منح عقود للشركات البارزة، وتلقي رشاوي كبرى، والاستيلاء مباشرة على أموال من الخزينة العامة النيجيرية، وبعد وفاته، عثرت سويسرا على حسابات مصرفية له في ١٩ بنكا.
تجربة البيرو
من ضمن النماذج الناجحة في عودة الأموال المهربة، كانت بيرو أيضا، التي ثار برلمانها على إدارة فوجيمورى، وأسقطها بسبب اتهامات بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وبحسب تقارير سابقة وأساتذة قانون سردوا التجربة، فإنه حكومة البيرو أقامت دعوة ضد رئيس جهاز المخابرات السابق، فيجموري ومونتسينوس، بتجميع ثروة بطرق غير مشروعة تصل إلى ثمانية مليارات دولار على مدى عشرة أعوام قضاها في السلطة.
تجربة الفلبين
واستطاعت الفلبين استرداد جزء كبير من أموالها المهربة، والتي كانت تقدر بـ10 مليارات دولار في تسعينيات القرن الماضي، فقضت المحكمة العليا السويسرية لأول مرة في تاريخها، بحسب الصحف السويسرية، بنقل الوثائق المصرفية من ودائع الرئيس السابق للفلبين، فردناند ماركوس، في جنيف، وزيورخ وفريبورج، إلى الحكومة الفلبينية، واستردت الفلبين بعد إجراءات تقاَضي استمرت ١٧ عاما ١.٧ مليار دولار تم نهبها من الفلبين على يد الديكتاتور ماركوس والذي حكم الفلبين لمدة ٢١ عاما بين أعوام ١٩٦٥ و١٩٨٦.
التجربة التونسية
تعتبر تونس الأوفر حظا من بين دول الربيع العربي في استرداد الأموال المنهوبة حتى وقتنا الراهن، على الرغم من ضعف الرقم الذي تم استرجاعه من حجم الأموال المهربة، فنجحت تونس في استرداد نحو 29 مليون دولار في لبنان كان على ذمة زوجة الرئيس التونسي الأسبق بن على، كما استعادت السلطات التونسية يختا كان محتجزا بأحد الموانئ الإيطالية، ونجحت مؤخرًا بعد مباحثات مع سويسرا إلى إعلان الأخيرة وتعهدها باسترجاع نحو 40 مليون دولار أخرى من الأموال المهربة من تونس لدى بنوك جنيف.