فرقتهم الأيديولوجيا وجمعتهم الثورة.. ثم بعثرهم الانقلاب، ولملمهم صقيع الزنازين مرة أخرى.
تلك هي حكاية الذين تنهشهم السلطة، ببردها وبارودها، في الزنازين والميادين، الآن.. حيث يتقاسم الجميع العذاب والألم والإهانة، فوق بلاط السجن، أو على شاشات التلفزة، يتلقى سعد الكتاتني وعلاء عبدالفتاح، ومحمد البلتاجي وأحمد ماهر، وعصام سلطان ومحمد عادل، ومحمود الخضيري وعمرو علي، يتلقون حصص التنكيل والانتقام، من دون تفرقة.
1- مبنى مجلس الشعب 6 فبراير 2012
أتذكّر نقاشًا حادًا بين الكتاتني وعلاء عبدالفتاح، داخل مكتب الأول حين كان رئيسًا لمجلس الشعب، حين توجهنا بمبادرة إلى البرلمان لكونه يستمد شرعيته من إرادة الشعب المصري، ومن ثم يجب أن يتحمل مسؤوليته أمام الجماهير المصرية، في لحظة بالغة الصعوبة والحساسية، تسيل فيها دماء المصريين، نتيجة المسير في طريق المرحلة الانتقالية، على نحو يتسم بالارتباك والعشوائية، وعدم وضوح الرؤية وعدم الجدية في القطيعة مع النظام السابق الذي قامت الثورة لإسقاطه.
طالبت المبادرة بخروج المجلس العسكري فورًا من المشهد السياسي، ونقل سلطات رئيس الجمهورية التي يباشرها المجلس العسكري حاليًا إلى رئيس مجلس الشعب المنتخب، بحيث يعود المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى دوره الأساسي والوحيد، وهو حماية حدود البلاد، على أن يكلف رئيس مجلس الشعب باعتباره رئيسًا انتقاليًا للبلاد رئيسًا لحكومة إنقاذ وطني، يشكلها البرلمان (سواءً ائتلافية أو حكومة أغلبية أو حكومة أقلية يدعمها البرلمان).
كان من بين أعضاء الوفد الذي توجه للبرلمان علاء الأسواني وكريمة الحفناوي وعلاء عبدالفتاح وعمرو علي ورامي شعث، وآخرون منهم كاتب هذه السطور، ودار حوار جدي مع أعضاء البرلمان، عمرو حمزاوي وعمرو الشوبكي والراحل، شهيد الزنزانة الدكتور فريد إسماعيل، قبل أن يستقبلنا الدكتور الكتاتني في مكتبه، ويتسلم المبادرة رسميًا، ويعد ببحثها بجدية.
حماسة علاء عبدالفتاح لتنفيذ المبادرة دفعته إلى أن يقول لرئيس البرلمان إن المجلس العسكري يتلاعب بالجميع، بما فيهم حزب الأغلبية ومجلس الشعب، فانفعل الكتاتني غاضبًا من هذا التوصيف.
2- حديقة سعد زغلول على كورنيش الإسكندرية في 5 يناير 2012
كنت أجلس على منصة في الهواء الطلق؛ حيث برد الشتاء القارس، رفقة علاء عبدالفتاح ومجموعة من شباب الثورة، في لقاء جماهيري مفتوح، ضمن حملة “عسكر كاذبون” التي جابت المحافظات، للتنديد بجرائم السلطة العسكرية ضد الثوار، والحشد من أجل عودة العسكر إلى الثكنات، حين أطلق مجموعة ممن كان يسميهم المجلس العسكري ووزارة الداخلية “المواطنين الشرفاء” شماريخ نارية مشتعلة وعبوات مولوتوف تحت أقدام الجالسين على المنصة، لفض الفعالية، غير أننا لم نغادر المكان، وأكملنا الندوة في حضور جماهيري كثيف، تولى حماية اللقاء بعد مطاردة البلطجية المهاجمين.
3- مطار القاهرة في 19 نوفمبر 2012
كنت قد تلقيت دعوة كريمة من الدكتور سعد الكتاتني، رئيس البرلمان المعطل، ورئيس حزب الحرية والعدالة، عبر المتحدث باسم الحزب، مراد محمد علي، فك الله أسرهما، للمشاركة في قافلة شعبية متوجهة لدعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة. وكما علمت، كان من المشاركين الدكتور محمد البرادعي وعمرو حمزاوي ويسري فودة وحمدين صباحي. ولسببٍ ما، لم أتمكن من اللحاق بالطائرة المتجهة إلى مطار العريش في الصباح الباكر، وكانت صدمتي أن المدعوين من النخب السياسية اعتذروا عن عدم الذهاب في اللحظة الأخيرة، لأن رياح الاستقطاب السامة، على وقع أحداث الاتحادية، جعلتهم لا يتحمسون لدعم غزة، لأن الدعوة من رئيس حزب الحرية والعدالة، المعبر سياسيًا عن “الإخوان المسلمين”.
4- مرور الكرام في 21 إبريل 2012 تحت عنوان “أحبوا بعضكم قبل أن تنقرضوا” قلت: ما المشكلة في أن تتعدد المنصات في ميدان التحرير، وما هي الأزمة، حين تتنوع المطالب والغايات والمقاصد من الصعود إلى الميدان مجددًا في لحظةٍ بدت فيها الثورة وكأنها تحارب معركتها الأخيرة ضد محاولات المحو والإبادة؟
5- إعلام عبدالفتاح السيسي الآن
يطلق رصاصاته الأخيرة على ثورة يناير، فيوصف أهلها عبر الميكرفونات بالكلاب، وينظر إلى يومها المشهود 28 يناير على أنه اليوم الأسود في تاريخ مصر. يحدث ذلك، بينما جميع الشركاء يواصلون الاشتباك والمناكفة والمقايضة، وكأنهم توافقوا على الانقراض، وضربوا موعدًا للفناء.