لم يكن لهذا الانقلاب مستقبل منذ يومه الأول..
في اللحظة التي قال فيها مدير المخابرات العسكرية إنه يفضل خمس قنوات فضائية على إدارة جهاز مخابرات، أدركت أنه ليس تمنيا وإنما حقيقة نراها بأعيننا.
لم تتوقف استدعاءات المخابرات لأصحاب القنوات أو مديريها لتحديد مساحة التعبير وتوجيهه للهدف.. ولم يتوقف ضخ المال.. وربما ما قاله الرجل عن خمسة مليارات لخمس قنوات لا يكون بعيدا عن الحقيقة..
فمنذ الطلقات الإعلامية الأولى على الجمعية التأسيسية رغم أنها تشكلت في مقر حزب الوفد واستجابة لشروط أحزاب اليمين واليسار، بما فيها الشروط التعجيزية، إلا أن الأمر كان يُشير إلى وجود قائد لأوكسترا تعزف نشيد تقسيم الثورة..
سقطت من تحت لسان رئيس الوفد أن جنرالا هاتفه يوم 14 يونيو – يوم حل البرلمان – ليطلب منه الانسحاب من التأسيسية لأنها أصبحت من الماضي وأن أخرى سيشكلها المجلس بقرار..
ولم يلبث أن أصدر المجلس العسكري – بعيد إغلاق صناديق الانتخابات الرئاسية – إعلانه الدستوري المكمل أو المكبّل في 17 يونيو 2012 – الذي لا يود كثيرون ذكره ويفضلون بدلا منه ذكر إعلان الدكتور مرسي الذي لم يكد يُولد في 22 نوفمبر إلا ليُلغيه نفس الرئيس نزولا على نتائج حوار وطني في 8 ديسمبر.
إعلان المجلس الأعلى كبّل سلطة الرئيس ومنح المجلس سلطة التشريع والوصاية على لجنة الدستور وجعل القرار الفصل في كل مواده بيد محكمة دستورية المفروض أنها تنصاع لعمل الجمعية التأسيسية لا أن تُراقبها..
لا يذكر أحد.. أو ربما لا يود أن يذكر..
توقعنا تلاعب المجلس الأعلى منذ حلّ البرلمان فاجتمع، فجر الجمعة 15 يونيو 2012، أربعة أشخاص لاستعادة الجمعية التأسيسية وتجاوز خطة المجلس الأعلى في الانقلاب على الثورة.. أبو العلا ماضي وأيمن نور وعصام سلطان ومحمد محسوب.. في مكان ما على شاطئ نيلنا المهدد – اليوم – بوثيقة سد النهضة.. ووضعوا خُطة استرجاع التأسيسية.
صُدم المجلس العسكري بأن التأسيسية لم تمت في هجمته على البرلمان.. فأعاد ترتيب إعلانه الدستور ليقول إن له الحق في أن يُشكل أخرى فيما لو “واجهت التأسيسية مصاعب” وبدأ هو في ترتيب المصاعب..
في النهاية انتصر أداؤها على أدائه.. وصدر الدستور.. ربما تأخذ عليه عدة مواد مشوهة مررتها مزايدات كمزايدات اليوم وضغوط كضغوط كل يوم.. لكنه خرج على غير هوى الثورة المضادة وإلا لاحتضنته ولما اعتبرته خصما يجب قتله.. ومن يومها لم تغفر للأربعة مهمة استعادة التأسيسية التي عطّلت الانقلاب وأخرته..
لم تتوقف محاولات الانقلاب يوما.. بالإعلان المكمل أو تحت غطاء أحداث الاتحادية.. أو بافتعال أحداث بور سعيد أو غير ذلك.. وتمنينا لو شكلنا حائط صدّ أمام انقلاب قادم كنّا نراه ونشعر به..
وقلنا إن صيف 2013 سيكون ساخنا.. لأن من حاول الانقلاب على الثورة لن يكف.. لأنه لم يُعاقب بل استمر تدليله.. وسيتعلم من سوابقه.. وسيؤمم الإعلام بعد أن لم تكفِ شراكته..
وكان على صفّ الثورة أن يتعلم من الأحداث.. لكنه فضل – في كل جانب وكل طرف – أن يستمر في تصارع فوق حلبة نصبتها له الثورة المضادة.. وعندما جاء أوانها في 3 يوليو جمعت كل الأطراف وراء الشمس.. وسكّت باب المسرح وجمعت حلبة التصارع وأغلقت بالضبة والمفتاح كل قنوات الوعي.. وأطلقت قنوات القتل وتبرير القتل وتسفيه العقول..
لكنها في النهاية وصلت لنهاية الشوط.. لا تملك إلا ما امتلكته أولا.. خمس مليارات وخمس قنوات فضائية وسلاح بيد قناص وبعض الإشاعات يُطلقها مخبر.. وإغراق خصومها في المزايدات على قميص عثمان.. ولكل عصر قميصه..
لا تملك شرعية تعيش عليها.. لا تملك اقتصادا تعتاش منه.. لا تملك رؤية تمنحها حياة.. لا تملك قوة تجابه ثورة.. لا تملك شئ .. سوى خصوم.. نصبت لهم من جديد وللمرة الألف حلبة صراع ودعتهم للتصارع.. فخلع الجميع ثيابه ووضع نصب عينيه أن يقتل -ولو معنويا- من يختلف معه..
لأن حلبة الصراع مغرية.. بينما جمع أطراف الثورة مُرهق.. لأن في الصراع إشباع للكبر.. بينما في الالتقاء نزول وتواضع.. لأن في الصراع زعامات فارغة تُولد.. بينما في بناء بديل ثوري جهود تُبذل وواجبات تؤدى.. لأن المزايدة ترفع سعر المتزايد.. بينما تُهين القضية وتحولها لبضاعة وسلعة..
لقد انتهى عصر الانقلاب بإخفاقات غير مسبوقة.. ويقف الآن كالمخمور ينتظر قراركم.. فهل تعطونه قبلة الحياة بالسقوط في حبائله؟! أم تعطون أنفسكم شهادة استحقاق بأنكم الأحق بتمثيل شعب ينتظر من يعبر عنه لا من يعبر عن ذاته؟!!
التاريخ خلفكم للعظة.. ويناير أمامكم للعمل..