بين كثير من المهن التي تتوه بين طيات النسيان واندثرت مع تسارع الزمن ولم تستطع مواكبة العصر الحديث، أفسحت مهنة مكواة الرجل لنفسها حيزًا بين مثيلاتها من البخار وحاربت للبقاء حتى اليوم على الرغم من ثقل حركتها وقلة مُريديها.
مع الصباح الباكر ومع أولى رشفات الشاي الثقيل يفتتح الحج جمال محله، ويمر أمامه ذكريات أربعين عامًا مضت بحلوها ومرها.
يبدأ بتسخين المكواة ذات الثقل الكبير التي توزن 20 كيلوجرامًا على عكس مكواة اليد التي تزن اثنين كيلوجرام بالكثير.
ومع أول زبائنه تبدأ رحلته للعمل الشاق في درجة حرارة عالية جدا، والتي يقول عنها الحج جمال “درجة الحرارة العالية كانت تجبرني في بعض الأحيان على الإفطار في شهر رمضان ولم أستطع إكمال الصوم على الرغم من أني كنت أشرب مياها فقط”.
أما عن أبنائه فيقول “علمت أبنائي تعليما جيدا ولدي ثمانية أبناء ولم أقم أبدًا بأي محاولة لإدخالهم معي الحرفة فكنت أريد لهم مستقبل أفضل وذلك على الرغم من توارثي المهنة من أبي وجدي وتركي للتعليم منذ الصغر لألحق بأبي في تعلم الحرفة وأتعلمها على يديه”.
أما عن قلة الزبائن فيقول “لا يعرف كثيرون المهنة الآن ولكن الزبائن القدامى ما زالوا يأتون بملابسهم خاصة الجديدة منها خاصة أن كي الملابس الجديدة بمكواة الرجل تترك علامتها وتتطبع بها حتى بعد الغسيل أكثر من مرة على عكس المكواة البخارية وغيرها”.
وعند سؤاله عن سبب إغلاق المحل الفترة الماضية لأكثر من مرة قال: “السن ليه أحكامه وأحيانا أتعب كثيرا ولا أستطيع النزول للعمل خاصة لأن العمل شاق ويحتاج إلى تركيز وتحمل لدرجة الحرارة العالية”.