شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

كيف شوّه الإعلام العربى مجتمع النبوة؟

كيف شوّه الإعلام العربى مجتمع النبوة؟
ثمة تصور خاطئ صاغه إعلامنا العربي عن واقع المدينة المنورة عموماً والسيرة النبوية خصوصاً، هذا التصور حصر الواقع الذي كان يعيشه النبي (صلى الله عليه وسلم) ويربي أصحابه عليه حصره في صورة غير معبرة عن حقيقته

ثمة تصور خاطئ صاغه إعلامنا العربي عن واقع المدينة المنورة عموماً والسيرة النبوية خصوصاً، هذا التصور حصر الواقع الذي كان يعيشه النبي (صلى الله عليه وسلم) ويربي أصحابه عليه حصره في صورة ضيقة جداً تركت في أذهان المشاهدين آثاراً سلبية عن هذا المجتمع الفريد، فصورته في صورة غير مكتملة وحصرت العهد النبوي في بضع مواقف شهيرة لكنها غير شاملة لجوانب هذا المجتمع كله، فأصبح لدينا تصور عام بأن الصحابة هم عبارة عن مجموعة من الناس غاية في الفقر رثة ملابسهم بالية ثيابهم في حالة من الجوع والعطش الدائمين – وكأن هذه الحال تعبيراً عن مدى جهادهم وتضحياتهم – لا يمرحون ولا يتسامرون ولا يتزاورون، إما في حالة حرب أو ابتلاء أو مرض.

على هذا الحال استمرت طريقة العرض هذه لأي عمل فني يتعرض لهذا المجتمع، في حين أنه لم يكن بهذه الصورة الشاذة الغريبة، فالمجتمع النبوي لم يكن بهذه الصورة السطحية.. مجموعة من المشركين يؤذون النبي والصحابة في مكة فيضطرونهم للهجرة إلي المدينة ثم تحدث غزوة بدر وأُحد إلى آخر هذا السرد التقليدي.

إن إغفال الجانب الاجتماعي والتربوي في تناول السيرة النبوية ساعد في ترسيخ صورة سيئة عن مصطلحات “كتطبيق الشريعة” و”الحكم بما أنزل الله” و”فرضية الدعوة والجهاد” إلى غير ذلك من أساسيات الدين وثوابته. فحملات التغريب وغياب مظاهر التدين في نفوس الناس هي التي أدت إلى إفراز أعمال بهذه الصورة! أعمال لم تتعرض لأهم جوانب مجتمع المدينة، فلم نر النبي المُربِّي كما كان يفعل مع عبدالله بن عباس حين كان يأخذه على دابته يعلمه دينه وعقيدته.

لم نر فيها الخليفة أبا بكر الزاهد الورع الذي كان يخرج بعد كل صلاة للفجر ليعجن وينظف للمرأة العجوز بيتها. لم نر فيها خالد بن الوليد السياسي البارع المحنك وإنما رأينا مجموعة خيول تتحرك من المدينة لتغزوا ثم تعود وقد انتصرت دون أن نُحصّل فائدة واحدة من مواقف الغزوة. لم نر فيها كيف كانت الشفاء بنت عبدالله وزيرة للتجارة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب دون أن يعترضها أو يؤذيها أحد. لم نر فيها كيف تعامل سيدنا سلمان الفارسي مع زوجة أخيه سيدنا أبوالدرداء، في موقف لو حدث اليوم لهُدمت فيه بيوت، حينما قال لها: “ما لي أراك مبتذلة؟!”. فأجابته: “أخوك أبوالدرداء لم يعد له حاجة في النساء”. لم نر فيها روعة سعد بن معاذ ولا عطاء عثمان بن عفان ولا شجاعة على بن أبي طالب.

لكم تمنينا أن نرى عظمة الدين الحقيقية متجسدة في إعلامنا المعاصر، إعلامًا يُظهر الحقيقة كما يجب أن تكون. من المؤسف أن نعيش في مجتمع مسلِم تُرهبه كلمات “الشريعة” و”الجهاد” و”الأمر بالمعروف” و”النهي عن المنكر” التي هي أصلاً من صميم دينه وعقيدته – أعلم أن هناك عوامل أخرى أدت إلى إرهاب المجتمع لكن الفكرة محل المقال جزء من هذا الخوف لأن الصورة المرئية الوحيدة عن هذا المجتمع لم تكن إيجابية بالمرة!

ما نريده الآن هو إعلام يعيد صياغة السيرة في ضوء عصر جديد تقل فيه مقومات الزيف والخداع، إعلام يبرز لنا الحقيقة ويُظهر لنا عَظَمة وروعة هذا المجتمع الفريد، إعلام ينقل لنا التجربة كما عايشها أصحابها لنحيا بها فتكون روحاً تسري في الأمة من جديد. هذا المطلب ليس صعب التحقيق لكنه فقط يحتاج لمن يؤمن بدور الإعلام في صناعة النهضة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023