طالب عبدالمنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق في مصر، بانتخابات مبكرة في مصر، فتحول إلى متهم بالخيانة العظمى.
تخيّل لو أن الرجل قال إن السيسي لا شرعية له، ودعا الشعب للثورة عليه، وتغييره بقوة الحشد الجماهيري، هل كانت المسألة ستتوقف عند افتراسه قضائيًا، ونهشه إنسانيًا وسياسيًا؟
ليست المسألة في حاجة لشرح، أو تقديم حيثيات للتضامن مع الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح ضد توجيه اتهام له بالخيانة العظمى، لأنه طالب، في مقابلة تليفزيونية، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في مصر.
كما أنه من باب التكرار القول إن المطالبة بانتخابات مبكرة تقدم خدمة هائلة للجنرال عبدالفتاح السيسي؛ لأنها تعطي شرعية لرئاسته البلاد، في حين يعلم الكافة أنه مختطف للسلطة، مغتصب للشرعية، حتى وإن كان قد وصل إلى سدة الحكم عبر شكل انتخابي زائف، عفّ عنه عبدالمنعم أبو الفتوح نفسه، وقت إجراء الانتخابات.
أعلن الحزب الذي يرأسه أبو الفتوح مقاطعته الاستفتاء على دستور السيسي، ثم أعلن رفضه ترشح الجنرال رئيسًا، وقاطع الانتخابات، ومن ثم فهو يرى المشهد السياسي قائمًا على أسس فاسدة، تنزع عنه المصداقية والاحترام.
ومن هنا، تصبح الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة بمثابة إسباغ شرعية على رئاسة عبدالفتاح السيسي، في وقت تتصاعد فيه دلائل تآكل شرعيته، إنْ على مستوى شرعية الإجراء السياسي الذي وصل به إلى السلطة، أو شرعية أدائه، حيث يحاصره الفشل من كل الاتجاهات، ناهيك عن الغياب الكامل لأي شرعية أخلاقية، مع نظامٍ أراق الدماء، وملأ السجون والمعتقلات بعشرات الآلاف من البشر.
حدوتة الانتخابات الرئاسية المبكرة سبق أن طرحها أيمن نور، قبل نحو ستة أشهر، وفي ظرف مشابه، إذ كانت صورة السيسي وأداؤه في الحضيض، وكان الرد وقتها، كما هو الآن، كالتالي:
هل وصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، عبر انتخابات رئاسية مبكرة، كي تكون مغادرته له عبر الطريق نفسه؟ هل تتصور أن في مصر بنية قضائية وتشريعية وإعلامية، يصح معها أن تذكر كلمة “انتخابات”، عملة قابلة للتداول في مجتمع تحول إلى ساحة مفتوحة للقتل والاغتيال والتعذيب؟ هل تعلم أنك، بهذه الطروحات التي تلح عليها في الفترة الأخيرة، تلقي بطوق نجاة لنظام، يقف عارياً من أية قيمة سياسية، أو جدارة محلية، أو إقليمية، بالبقاء؟ كان من الممكن أن أتعامل مع ما تقول بجدية، لو أنك قدمت علامة واحدة على أن النظام القائم في مصر يمكن أن يسمح بالمشاركة أو المنافسة أو التعايش. يا عزيزي، هذا نظام يقوم على مبدأ وجودي، لا يختلف عن عقيدة وجود إسرائيل في المنطقة، لا يقبل المنافسين أو المعارضين (الأغيار)، والأهم من ذلك أنك، منطقيًا، لا تستطيع أن تتحدث عن علاقة جوار أو عيش مشترك بين قيم الديمقراطية والليبرالية التي تتحدث عنها وبها، وبين قيم الإبادة والإزاحة والإقصاء التي يعلنها هذا النظام في كل مناسبة.
وليس أوضح دليلًا على أن هذا نظام لا يسمح بوجود من يعارضه أو يقترب من أسوار حكمه، من إقدام “قوات التدخل القضائي السريع” في سلطة عبد الفتاح السيسي إلى وضع اسم أبو الفتوح في قائمة الاتهام بالخيانة العظمى، لأنه ارتكب جريمة الدعوة إلى انتخابات مبكرة، عبر وسيلة إعلامية، من المفترض أنها مساحة مسموح بها للأشخاص أن يعبروا عن قناعاتهم وأفكارهم ورؤاهم السياسية والاجتماعية.
بحت أصواتنا تقول، من أكثر من عامين، إن العلاقة الصحيحة بنظام قمعي قاتل لا ينبغي أن تتأسس على مبدأ المعارضة، بل يجب أن يكون عمادها مقاومته ومناهضته والسعي إلى إزاحته، قبل أن يحرق البلاد عن آخرها.
وأزعم أن معارضة النظام، أي نظام، تعني إضفاء شرعية عليه، أو يمكنك القول إن المعارضة كمنطق، وكمبدأ، تصح مع النظم ذات الشرعية الثابتة والأداء المحترم، أما التي يمثل وجودها جريمة ضد الديمقراطية، والإنسانية، معا، فهذه لا يصلح معها معارضة، بل نضال سياسي ومقاومة حضارية، لا يتوقفان إلا برحيلها، وتحرير المجتمع من بطشها ورداءتها.
صنف هذا النظام، كما قلت سابقا، الناس في مصر، إلى فريقين: خونة وشرفاء، ولا وسط بينهما.
ومن انتقد فشل الجنرال فهو خائن، ومن سب معارضيه، وحرّض على قتلهم هو الشريف؛ إذ لا توجد حاليًا منطقة في العالم، تتردد فيها عبارة “الخيانة العظمى” بالغزارة الحاصلة في القاهرة.
وبعبارة أخرى، إنهم يتعاملون مع اسم السيسي “المقدس”، باعتباره إله الخيانة العظمى عند قدماء المصريين، من مسّه بكلمة خائن وزنديق، استحق النفي والرجم.