لا يتعلق الخلاف مع سلطة عبد الفتاح السيسي بأدائها البليد المهين لمصر، تاريخاً وشعباً، وإنما ينطلق من أن هذه سلطة ولدت سفاحاً، لا شرعية أخلاقية، أو سياسية لها، كونها جاءت سطواً مسلحاً على أول سلطة منتخبة ديمقراطياً في تاريخ المصريين.
بمعنى آخر، لو افترضنا أن كل أوهام عبد الفتاح السيسي وأكاذيبه تحولت إلى حقائق واقعة، كمصر التي هي قد الدنيا، أو حفر قناة سويس جديدة كل أسبوع، أو القضاء على الإيدز، عسكرياً، بجهاز الكفتة..
ولو تخيلنا أن الإسكندرية لم تغرق مرتين في أسبوع، ويموت مواطنون بأعداد كبيرة، ويقف والد أحد الضحايا يفضح نظاماً يطلب رشوة صريحة، لكي ينعم عليه بدفن جثة ولده، ولو لم تقع كارثة الطائرة الروسية مخلفة فضيحة كشفت عورات الدولة الأمنية العسكرية، وأظهرتها في صورة مشينة لدولة بحجم مصر.
وافترض كذلك أنه لم يقتل أكثر من ثلاثة آلاف مواطن حتى يستتب له الحكم، ولم يسجن ويعتقل ويخفي قسرياً ويعذب أكثر من ستين ألف مصري، حسب أحدث التقديرات.
افترض وتخيّل كل ما سبق، هل من الممكن أن يمنح ذلك سلطة عبد الفتاح السيسي شرعية؟ لو اعتمدت المبادئ المحترمة والقيم الأخلاقية والإنسانية والديمقراطية معياراً للحكم، فإن الإجابة هي” لا”، ومهما حصل من إنجاز وما تفوق من أداء، فإنها تبقى “سلطة سفاح تتوشح بشرعية حرام”، لأنها مبنية على باطل، لا ينكره إلا أعمى، أو صفيق.
قد تكون إسرائيل صاحبة تجربة ديمقراطية كبيرة، وبالتأكيد هي قوة عسكرية جبارة، ولديها مجتمع يعيش على نمط غربي أكثر حداثة، فهل ينفي ذلك عنها أنها كيان مغتصب، ولد سفاحاً، على فراش الإجرام الدولي، وقام على اقتلاع أصحاب الأرض الحقيقيين من جذورهم؟ لو كان بناء المساجد ودور العبادة، والإنفاق عليها بسخاء، يمنح القتلة وتجار المخدرات جدارة مجتمعية وأخلاقية، ومنح نشاطهم الإجرامي مشروعية قانونية، لكان ذلك ممكناً مع الكيان الصهيوني، ومع سلطة الانقلاب الدامي في مصر.
ولعلك تذكر أنه في أثناء فترة التربص والتحضير للانقضاض على حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي أن أصواتاً عديدة من ممثلي النخب السياسية والثقافية المصرية كانت تسفسط بكلام فخيم عن أن الشرعية ليس منبتها صناديق الانتخاب الديمقراطي فقط، ولا هي الشرعية الدستورية والقانونية، وإنما الأهم هو “شرعية الأداء”.
هكذا كان يهرف العسكريون ومدنيو جبهة الإنقاذ، داعين الجماهير للخروج محتشدة لقتل تجربة الرئيس المنتخب، صاحب الأداء الضعيف، من وجهة نظرهم.
كان أحد الأصدقاء الأعزاء من مشاهير الأدب في مصر يحلو له دائماً، أن يستخدم عضلاته الإنشائية، ويشبه قيادة الرئيس مرسي البلاد بحال سائق مركبة على متنها مسافرون، لكن السائق لا يجيد القيادة على النحو الذي يزعم صاحبنا أنه يعرّض حياة الركاب والمارّة ومرافق الطريق للخطر، على الرغم من أنه يحمل رخصة قيادة سليمة ورسمية، ثم ينتهي إلى أنه يتحتم هنا طرد السائق من وظيفته، ومصادرة سيارته، وإلغاء رخصة القيادة التي حصل عليها بالطرق القانونية السليمة.
كثيرون كانوا يستخدمون هذه الحجة في تبرير الانقلاب العسكري على المكتسب الأهم، وربما الوحيد، من ثورة 25 يناير، صندوق الانتخاب آلية للتغيير السياسي، وبودي أن أسأل الآن الأساتذة محمد البرادعي وعلاء الأسواني وآخرين، ما قولكم، الآن، أيها السادة، في شرعية أداء جنرال يقود حافلة، وقد أشعل النار فيها، ودمّر مكابحها، وانقلب بها في الطريق غير مرة، داهساً كل ما يدب على الأرض، وهوى بها في قاع المستنقع، كل ذلك وهو لا يحمل رخصة قانونية. أفتونا في شرعية أداء الجنرال الذي يمضي على خطى الطغاة الذين يحقنون أدمغة مواطنيهم المقهورين المقموعين بهلاوس من نوعية أن العالم كله يتآمر على بلادهم، وأن جميع المعارضين خونة ومأجورون، يريدون تقويض دعائم الدولة وهدمها؟
بل اسألهم: هل ما ترونه أمامكم دولة؟ هل تكون مصر مصراً، حين يكون على رأس السلطة فيها من تستنفر “إسرائيل” كل قواتها من أجل منع سقوطه، وابتعاده عن الحكم؟ السؤال بالأساس لجمهور عبد الفتاح السيسي الذي يصدّق هلاوس ما بعد فضيحة الطائرة، وأن الأميركان والأوروبيين ضالعون في مؤامرة لإضعاف الدولة وتدمير الوطن: هل تعلم أن دولة العدو الصهيوني تعتبر أن الحفاظ على “ذخرها الاستراتيجي” في السلطة معركة مصير بالنسبة لها؟