جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي بدأت اليوم في بريطانيا في ظل ظروف صعبة بالنسبة إليه بشكل خاص، ومصر بشكل عام، فالى جانب الافتتاحيات التي اتهمت نظامه بالديكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان، جاءت عملية اسقاط الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء لتغطي على هذه الزيارة، وتسرق الاضواء منها.
التصريحات التي أدلى بها ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، ووزير خارجيته، فيليب هاموند، حول ترجيح اسقاط الطائرة الروسية بقنبلة زرعتها خلية تابعة لـ”الدولة الاسلامية”، وما تلاها من قرارات بوقف رحلات شركات طيران بريطانية الى شرم الشيخ، هذه التصريحات اثارت غضب الرئيس المصري، والوفد المرافق له، لانها جاءت متسرعة، ولم تنتظر انتهاء التحقيقات الرسمية في الجريمة.
لا نعرف كيف توصل رئيس الوزراء البريطاني الى هذه النتيجة الجازمة، التي تؤكد ان الطائرة الروسية التي كانت تقل 224 سائحًا وفي طريقها إلى بطرسبورغ جرى إسقاطها بتفجير قنبلة.
ولكن من غير المعتقد أنه سيذهب إلى هذا البعد، لولا أن لديه معلومات مؤكدة وضعتها تحت تصرفه وكالات الاستخبارات البريطانية والأميركية.
قسطنطين كوساتشيف العضو البارز في الاتحاد الروسي انتقد هذا الموقف البريطاني “المتسرع” بشدة، وفسر موقف بريطانيا بوقف رحلاتها إلى شرم الشيخ بأنه يرجع لمعارضتها للتدخل الروسي العسكري في الأزمة السورية، ولكن مسؤولًا في الطيران في موسكو قال أن المحققين الروس يدرسون احتمال زرع قنبلة في حقائب الركاب أدت إلى هذه الكارثة.
اللافت أن نظرية سقوط الطائرة نتيجة خلل فني تراجعت كليًا لحساب النظريات التي ترجح التفجير، وزاد من قوة هذا التحول إصدار “الدولة الاسلامية ـ ولاية سيناء” بيانًا ثانيًا أكدت فيه مسؤوليتها عن التفجير، وقالت إنها ستكشف عن آلية تنفيذ هذا التفجير في الوقت الذي تختاره، والتجارب السابقة أثبتت أن بيانات هذا التنظيم غالبًا ما تكون صادقة ودقيقة.
لا شك أن صناعة السياحة المصرية التي تجذب ما يقرب من 15 مليون سائح سنويًا، وتراجعت إلى الثلثين “10 ملايين سائح العام الماضي” منيت بضربة كبيرة، وفي أسوأ الاوقات بالنسبة إلى السلطات المصرية، حيث تبذل جهودًا ضخمة لجذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات والسياح، وإعادة العوائد السياحية إلى ما فوق حاجز العشرة مليارات دولار، وتبديد صورة عدم الاستقرار المزروعة في أذهان الكثير من الأوروبيين وحكوماتهم.
وربما يعود تكتم الحكومتان المصرية والروسية على نتائج التحقيقات إلى تحالفهما المتنامي أولًا، وإلى تخفيف حدة الصدمة، وتطويق الأضرار في حدودها الدنيا، وتأجيل إعلان هذه النتائج لأطول فترة ممكن أن يحقق بعض هذه الأهداف، إن لم يكن كلها.
وهناك نظرية تقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون من الرابحين من هذا التفجير، اذا ثبت أن “الدولة الاسلامية” تقف خلفه، لأنه سيعزز نظريته التي تدخل عسكريًا بمقتضاها في سورية، وتقول بضرورة محاربة هذه الدولة في الخارج لمنع وصول أخطارها إلى العمق الروسي.
الضرر الذي لحق بمصر وسمعتها الأمنية وصناعة السياحة فيها، وقع بغض النظر عما إذا جاءت نتائج التحقيقات تؤكد أن التفجير جاء نتيجة عمل إرهابي، وهو المرجح، أو عطل فني، فالحجوزات في المنتجعات السياحية المصرية انخفضت إلى النصف بعد أيام معدودة من الجريمة، وهي مرشحة للمزيد من الانخفاض، حسب أقوال الخبراء.
الاجراءات الامنية المتشددة التي سيتم تطبيقها بعد هذا الانفجار ستؤدي حتمًا إلى المزيد من المضايقات للمسافرين خاصة القادمين إلى أوروبا والغرب من منطقة الشرق الأوسط.
والأهم من كل هذا وذاك، أن خطر “الدولة الاسلامية” الأمني والإرهابي سيتضاعف، فإذا صحت النظرية التي تؤكد أن هذه الدولة خلف التفجير المذكور، فهذا يعني أن قدرتها على خرق الإجراءات الأمنية في مطارات عربية، وربما غربية كبيرة ومرعبة في الوقت نفسه.
نقلا عن موقع : رأي اليوم الإخباري