“لن يذهب شقيقي إلى اليمن، ولن نقبل أن يكون أبناء الفقراء كبش فداء من أجل حصول الرئيس ومحيطه على المزيد من الأموال السعودية” على هذه الكلمات يقسم الشاب “محمد / عبد الله” وهو يجادل داخل سيارة أجرة بعد تداول الإعلام المحلي خبر إرسال 700 جندي إلي اليمن من أجل القتال دفاعا عن “نجران” و”ومأرب”.
لا أحد يحاول داخل السيارة إقناعه بخطأ الموقف الذي تبناه، لكن المدافعين عن سياسة الرئيس الخارجية -وهم قلة الآن- يحاولون التشويش على النقاش وقطعه الحديث حول اليمن والسعودية، باعتبار الأمر مجرد شائعة تطلقه المعارضة لتشويه صورته، غير مستعدين لتصديق الأمر مهما كانت وجاهة المؤشرات والأخبار المتداولة بشأنه.
في أحد المقاهي بالعاصمة نواكشوط يتبادل الشبان آخر أخبار “غزوة اليمن” وهم يندبون حظ “أبناء الفقراء” المغرر بهم الآن، يقطع أحدهم النقاش وهو يمزح ” الذهاب إلي اليمن خير من الواقع الذي نعيشه نحن الآن”!. ويضيف وهو يرسل قهقهة غير مكتملة ” كان من المفروض أن ندخل الجيش، لعلنا نحظى بفرصة شغل باليمن، الحياة يا أصدقائي صعبة، وظروف الحياة معقدة، لقد ألغت وزارة التعليم المسابقة التي اعلنت قبل أيام لاكتتاب متعاقدين للتدريس، إن حياة البؤس الحالية خير منها أن نموت في جبال صنعاء”.
كان “سيدي / سالم” وهو أحد المثقفين المساندين للرئيس مصدر إزعاج لكل ضيوف أخواله بكزرة “كرفور”، كان شنبه وحده مصدر إزعاج، وكان دائم الحديث قبل تناول العشاء عن أسفار الرئيس الخارجية، وعن الاستثمارات الأجنبية بموريتانيا، وكان مولعا بتقليد كبار المسؤولين في الهيئة والملبس والشنب، رغم الفاقة التي تعاني منها أسرته، وغياب أي دخل شهري لديه.
لم يعد “سيدي/سالم” يفتتح المجلس قبل تناول العشاء كما هي العادة، ولم تعد أسفار الرئيس الخارجية مصدر الهام له، فقد تعرض منذ يومين لضغوط كبيرة من أجل إرجاع “محمد” العريف العامل بإحدى الوحدات العسكرية بأطار، فوالدة “محمد” تدرك أن المنقذ الوحيد لنجلها من حرب اليمن بعد الله عز وجل هو “سيدي” الذي كان دوما يتبجح بعلاقاته المباشرة بعدد من كبار الضباط في الجيش وبعض أعضاء الحكومة البارزين.
تتصل والدة محمد من هاتف “نوكيا” قديم، وهي تدعو الله بإلحاح للفتي “سيدي” الذي وعدها خيرا، وتقطع الاتصال وقد غزت الدموع أجفانها ” الله لا ندمتن” .. تتراجع عن البوح بما في صدرها وهي تتذكر كيف عارض والده ” مولاي” قبل ثلاث سنوات فكرة ادخاله للجيش، وكيف نصحها بالبحث له عن شغل داخل العاصمة يغنيه، أو العمل مثل أقرانه في التجارة ، “لقد استغني زميله عبد الله من التجارة في الأسواق المحلية” كلمات لاتزال تتردد في أذنها، بعد أن كانت الأشهر الأولي من 2014 كافية للرد عليه الوالد المتحفظ، وهو يستقبل نجله في أول راحة له وقد دفعت له القوات المسلحة مبلغ 180 ألف أوقية دفعة واحدة بعد انتهاء التدريب.
كانت أحلام الزواج المبكر تداعب ذهن الفتي العسكري المغامر، وكانت “أسماء” تغدو إلي كرسيها في السنة الأولي اعدادية كل يوم، وهي تنتظر أغشت 2016، إنه الموعد الذي حدداه للزواج دون اعلانه، لقد كان محمد يدرك أن قيادته ستعارض فكرة الزواج قبل 5 سنوات من الخدمة، لكنه كان مستعدا للمجازفة بمصيره وتحمل السجن لمدة 15 يوم إذا تسرب الخبر إليها، لقد وعد “أسماء” بأن يكون خريف 2016 سيكون مختلفا عن كل خريف عاشته منذ مراهقتها المبكرة.
داخل قيادة أركان الجيوش تبدو الحركة حثيثة لفرز النخبة العسكرية المتوجه إلي المملكة العربية السعودية عبر طائرات شحن عسكرية عملاقة، وعلي خاط الهاتف الخاص يتحدث اللواء الركن محمد ولد الغزواني كل ثلاث ساعات مع الرئيس ليطلعه على آخر تفاصيل الملف، لقد تقرر اكمال اللائحة واختيار القيادات العسكرية وتحديد توقيت السفر، ومكانه قبل مغادرة الوفد العسكري السعودي الذي حل قبل أيام بموريتانيا من أجل نقاش التفاصيل الدقيقة للملف، قبل أن يعطي ولي ولي العهد السعودي أوامر المباشرة بصرف أربعة مليارات أوقية، قد تكون أول دفعة يتسلمها البنك المركزي الموريتاني من الحكومة السعودية قبل نهاية نوفمبر 2015.
ومع اكتمال المهمة ينتظر ديوان وزير الدفاع وصول الأوراق النهائية من أجل توقيعها، لقد تم فرز حاجيات الجنود من السلاح والذخيرة، إنهم يتقنون استعمال أغلب الأسلحة المصنوعة في فرنسا، كما تعلموا في السنوات الأخيرة استعمال بعض الأسلحة الروسية التي تم تزويد الجيش بها في صفقات لم يعلن منها الكثير.
يحاول القائد الفعلي للقوات البرية اللواء الركن محمد ولد الغزواني الاطمئنان علي وجود ضباط من سلاح الإشارة داخل الوحدة العسكرية قبل نقلها لليمن، وعدد من الجنود المؤهلين لقيادة العربات المصفحة، وبعض المتخصصين في الرماية بصواريخ “لقراد” لقد كانت صحراء “لمرية” فرصة اكتسب فيها الجيش الكثير من المهارات اللازمة لمثل هذه المهام.
في المنطقة العسكرية بأطار أعاد الجيش تأهيل اغلب جنوده المتمركزين في الشمال، وفي حصص التدريب الصباحية يبلغ الضباط والجنود بقرب اجراء مناورة عسكرية مشتركة مع القوات المسلحة السعودية دون تحديد المكان والتاريخ.
هل هي مناورة عسكرية مشتركة أو مناورة لكسب الوقت في انتظار الزج بهم في الجبهة الأمامية الآن بمأرب أو حراسة المقار الحكومية بعدن أو تأمين المناطق الحدودية المتاخمة لنجران من تسلل الحوثيين، لقد تباهي الرئيس محمد ولد عبد العزيز كثرا بقدرة الجيش الموريتاني علي ضبط الحدود الموريتانية الشاسعة، فهل حان الوقت لأن يضبط أبناء الفقراء الموريتانيين حدود المملكة العربية السعودية ليتمكن متخمو الخليج من العيش في أمان؟