لا عذر بعد اليوم، بل لم يكن من قبل لأحد عذر في التخاذل والخذلان، في التهاون والهوان، في التعايش والتجاوب مع البغي والعدوان.. هكذا قال شباب القدس والخليل والضفة وغزة بأعلى الصوت وبأجلى الصورة وبأحق الحقيقة.. إن السكين بعد الحجر تصرخ بالعرب: لا تعتذروا بعد اليوم، ولا تتظاهروا بالعجز يا قوم، ولا تقولوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم.. قولوا: شغلتنا أموالنا وأهلونا، هكذا قال من قبل أهل النفاق، قولوا: لا تنفروا في الحر، قولوا: لا طاقة لنا اليوم بنتنياهو وجنوده، قولوا: إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها أبدا حتى يخرجوا منها،.. إنها مفردات الخزي والهوان .
طعنة الغدر التي تلبست بأقنعة العذر هي التي أصابت الأمة وقضاياها في مقتل.. علينا أن نقف برهة ونلتقط أنفاسنا لنرى عمق الجرح في جسدنا العربي والإسلامي.. طعنة الولاء للأعداء باسم التحالف الاستراتيجي والشراكة والعلاقة الأبدية والخاصة والتاريخية، تلك المقولات والعناوين التي أخفت حقائق الخيبة الكبرى، والتي تعاملنا معها بخفة لم تعد مقبولة ولا معقولة.. هذه عمالة مقننة مكشوفة غير مقنعة.. أنظمة تتعامل مع العدوان والمعتدين بكل لطف ولين هي نفسها الأنظمة التي تحاصر المقاومة وتعمل على تجويع المستضعفين وتركيع الشعوب في فلسطين وسوريا والعراق ومصر وليبيا والسودان، وفي كل بلادنا. إنهم صهاينة العرب الذين يتحدثون بلسان الكيان الصهيوني لا بلسان عربي مبين يعرف معانى العزة والمقاومة.
طعنة الغدر تقودها اليوم ثورات مضادة آلت على نفسها أن تجهض أحلام الشباب بالتحرر، وأن تعيد الاستبداد والفساد والقمع والتخلف تارة أخرى، ولا يمكنها ذلك إلا بالعمالة للعدو، وبالتآمر على الصديق.. هل للانقلاب الإقليمي والقومي من معنى آخر.. تتدثر بالأمن القومي لتقتل المواطن في سيناء وتخنقه في غزة وتفجره في سوريا بل تبارك -ومن على منابر الأموي العتيق- الاحتلال الروسي بعد الإيراني.. لا منطق لهم إلا بقاؤهم في السلطة، ولا سبيل لهم إلا التفجير والتدمير، ثم تدعي أبواقهم أنهم حماة المصالح القومية، ومن يمنعون تقسيم الأوطان، والمنافحون ضد المؤامرات الغادرة التي يقودها الأمريكان والصهاينة والغرب بالتعاون مع داعش والإخوان والإسلاميين و6 أبريل والاشتراكيين الثوريين… سمك لبن تمر هندي.. أي كلام والسلام.
أيها الجبناء لا تلبسوا ألبسة المقاومة وتلوثوا شرفها وقدرها، إنهم يتدثرون بمحاربة الإرهاب وهم في الحقيقة أكبر إرهاب وقمع لشعوبهم والاستبداد بهم والقضاء على المستقبل والأمل في تغيير أوطانهم، لقد طعنتم قضايانا في مقتل واليوم تريدون الإجهاز عليها، واليوم تريدون تمثيل مشهد الختام، لكن هيهات إنه مشهد التجدد والبعث من جديد، مشهد الصبية والصبايا القادمون من خلف مشهدكم الانقلابي ومن كواليس أمة تستفيق لحالها، وتستدعي من رحمها خمائر العزة ووشائج التضامن وصحوة الوعي.
طعنة الغدر العربي والغربية والشرقية لا تكافئها ولا تواجهها إلا طعنة السكين في قلب الاستيطان وفي أحشاء العدوان، وقد قام لها شباب في الريعان، شباب صغار السن لكنهم كبار في المعنى والمغزى، في الإرادة والوعي، في القدرة التي تتخلق من جوف العجز، في الشجاعة التي غابت عن واقعنا ليحتله نموذج الرعديد الجبان.. إنها طعنة الشجعان في وجه العربدة الصهيونية في حرم المسجد الأقصى، وفي وجه الجمود العربي الكبير، والخزي الذي صار عنوانا لسياستهم ومواقفهم، وفي وجه الضمير الإسلامي الغارق في نومه العميق، وفي وجه التبجح الغربي والشرقي ضد قضايانا. طعنة في قلب حلف الاستبداد والكيان الصهيوني وأصحاب الثورات المضادة، حلف الغدر بالأمة.
طعنة الغدر طالت العقول والقلوب قبل الأجساد والأموال.. لأنها تصر على تصوير الأعداء في صورة أصدقاء وأولياء، وشيطنة الرجال والأبطال والجنود الحقيقيين لكي تنفر الشعوب عنهم، لكي يعيدوا إنتاج شعوب القطيع ليس فقط تحتهم بل تحت أقدام كل ذي قدم. ولكن طعنة الشجعان تقول لهم: لا تفرحوا، عما قريب سوف يعتدل ما انقلب، وينتصر من انغلب. إنها أمة محفوظة بمن انتدبوا أنفسهم لفعل العزة والمقاومة، لا أفعال بعض متصهيني العرب من المقاولة أو المساومة.