أعاد مركز “تشاتام هاوس” نشر مقالٍ كتبه مدير برنامجه للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمجلة “نيوزويك” الأميركية، تحت عنوان “5 أسباب توضح لماذا ستفشل محاولات دمج الأسد في العملية السياسية السورية”، واستهله بالتحذير من أن “الإذعان للخطة الروسية سيؤدي في نهاية المطاف إلى إطالة أمد الصراع في سوريا ويهدد بتوسيع نطاق جاذبية تنظيم الدولة”.
وأضاف المقال “دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما، أواخر سبتمبر، إلى انتقالٍ سياسيّ في سوريا من شأنه ترك بشار الأسد مؤقتًا في السلطة، وهو الاقتراح الذي يبدو أنه يحظى بتأييد زعماء غربيين آخرين، بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون”.
وتابع: “ورغم كونها سياسة سيئة، لا ينبغي لهذه الخطوة أن تفاجئ أي شخص مُطَلع على التاريخ السوريّ؛ ذلك أن عائلة الأسد -الأب والابن- تعلما أنهما إذا حفرا، ثم انتظرا تحوّل المدّ؛ فإنهما لن يبقيا فقط على قيد الحياة، ولكنهما سيزدهران أيضًا. إنهما سادة في لعبة الانتظار، على حد وصف بنتي شيلر، مديرة مؤسسة هنريك بول الألمانية”.
وقال المركز في مقاله: “وآيةُ ذلك؛ أنَّ ظَهْرَ الأسد كان ملتصقًا بالجدار عندما عبر خط أوباما الأحمر في صيف عام 2013، مستخدمًا الأسلحة الكيماوية، لكن روسيا تدخلت لإنقاذه وإحراج الولايات المتحدة، ثم جاء التقدُّم اللاحق الذي أحرزه تنظيم الدولة في يونيو 2014 ليقدم للأسد فرصة أخرى لتجنب ثوب العار الدولي، الذي اعتاد على ارتدائه بتكثيف أعماله الوحشية ضد المدنيين”.
وأضاف مركز تشاتام هاوس “ومنذ تشكيل قوات مكافحة تنظيم الدولة التي تقودها أميركا، وجعل أولويتها تعويق وتدمير هذه المنظمة، تم السماح في الواقع لنظام الأسد بالتخلص من ورطته، هذا على الرغم من أن النظام السوريّ مسؤول عن قتل وإصابة عدد أكبر من المدنيين (110 آلاف على الأقل وفقا لبعض المصادر) مقارنة بتنظيم الدولة”.
وتابع: “ورغم أن القادة الغربيين كانوا يشتاطون غضبًا، فإنهم الآن مستعدون للسماح للأسد بأن يكون جزءًا من “انتقال موجه”. هذا الانتقال الذي يتحدثون عنه ويتضمن قبولًا بالأسد هو نتيجة لمجموعة عوامل، خاصة: احتمالية طول أمد الحرب الأهلية، وأثر أزمة اللاجئين الناجمة على الاتحاد الأوروبي، والتزام الروس والإيرانيين -الذي لا تخطئه عين- بتأمين النظام، وقصور الدبلوماسية الغربية”.
وأشار المقال إلى أن “هذه القوى الغربية، التي يبدو أنها لا تمتلك إجابات، مسكونة بأشباح تدخلات الماضي. وعلى المدى القصير، فرغت جعبتهم من الأدوات السياسية، وقبلوا على مضض تحسين وضع روسيا وإيران لفرض تسوية تتضمن الأسد”.
واستطرد: “يالها من فكرة سيئة تلك التي تقبل بأن يكون الأسد جزءًا من “الانتقال المُوَجَّه”، بل من المرجح أن تؤدي إلى تقسيم سوريا بحكم القانون”.
وأورد المقال خمسة أسباب تشرح لماذا دمج الأسد سيَحُول دون التوصل إلى حل سياسي مُستدام، وسيعرقل إعادة بناء الدولة السورية:
أولًا: ليس من الواضح ما الذي يعنيه “الانتقال المُوَجَّه” في الواقع. فقد اقترح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند منح الأسد ستة أشهر. ونظرًا لميل الأسد للانتظار؛ فلن يُصَدِّق السوريون أبدًا أن الرئيس سيبقى فقط لهذه الفترة القصيرة، فقد سبق لأميركا وفرنسا وبريطانيا أن طالبته بالرحيل عام 2012، لكنه ظل في موقعه منذ ذلك الحين.
إنها مسألة مصداقية: من الذي سيُجبِر الأسد على ترك موقعه بعد ستة أشهر؟ لا توجد ثقة في أن الولايات المتحدة وحلفاءها سيحققون ذلك، كما أنه لا يخدم المصالح الروسية أو الإيرانية، ما لم تتغيَّر الأحداث على الأرض جذريًا.
ثانيًا: لا يُتَصَوَّر أن يستطيع رئيس الائتلاف الوطني السوري، خالد خوجة، الترويج لهذه الصفقة على الأرض. حتى إذا لعب خوجة مع الأسد دور مورجان تسفانجيراي مع موجابي، سيكون من الصعب إقناع الجماعات المسلحة بإلقاء السلاح والانضمام إلى عملية سياسية تضم الأسد، صحيح أن المعارضة قبلت ببقاء أجزاء من النظام، لكن هذا لا يشمل الأسد أو حاشيته.
ثالثًا: من الصعوبة استيعاب لماذا قد تقبل الجماعات المعارضة المسلحة، التي اقتطعت مناطق نفوذ في جنوب سوريا وشمالها، بأي شيء غير وقف إطلاق نار -مثل الذي توسطت فيه إيران في الزبداني- يمنحها فسحة لالتقاط الأنفاس ليس فقط لتعزيز تقدمها العسكري، ولكن أيضًا لبسط سيطرتها على المزيد من الأراضي السورية.
أما الانضمام إلى عملية سياسية تشمل الأسد، فإنه يخاطر بتقويض التقدم الذي أحرزته في سياق تعافي وحكم الأراضي السورية، وإدراج الأسد في عملية سياسية انتقالية سوف يعزز فقط العزم على تقسيم سوريا.
رابعًا: راهن قادة السعودية وتركيا بسمعتهم على رحيل الأسد. وبغض النظر عن الحل السياسي المفروض على البلاد، فسوف يستمرون في تمويل وتسليح جماعات المعارضة المتمردة من كافة المشارب، وترسيخ التحرك صوب التقسيم.
أخيرًا: تشعر جماعات المعارضة السورية، المسلحة وغير المسلحة، إلى جانب الشريحة الأكبر من السكان، بأنهم تعرضوا للخيانة من قبل المجتمع الدولي الذي لم يتدخل عقب استخدام الأسد أسلحة كيماوية، وفقدوا ثقتهم في ممارسة المجتمع الدولي سلطة أخلاقية أو قانونية لحماية المدنيين.
وبحسب المقال، فإن أي خطوة لدمج الأسد في المرحلة الانتقالية سوف تدفع أي سوري، تبقت لديه ذرة إيمان في العدالة الدولية، إلى أحضان تنظيم الدولة، وهو ما يصبّ أيضًا في صالح فريق الاتصالات الإستراتيجية التابع للتنظيم، ويمنحه دفعة قوية. وعلى هذا النحو، يصبح التنظيم هو المستفيد الرئيس من انضمام الأسد إلى حكومة انتقالية.
وبينما لم يعد القادة الغربيون يمتلكون سوى القليل من الأدوات، فإن الإذعان لإصرار روسيا على إشراك الأسد في العملية الانتقالية يعني أنهم سيكونون في نهاية المطاف متواطئون في إطالة أمد الصراع، وفي الوقت ذاته يمثل مخاطرة بتوسيع نطاق جاذبية تنظيم الدولة.