لخّص “روعي كايس”، محرر الشؤون العربية بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، التقارب غير المسبوق بين نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي والنظام السوري بقيادة بشار الأسد، والذي تجلى مؤخرا في زيارة رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك للقاهرة ولقائه السيسي، بأن “النظام السوري يتوافق مع “المعيار” المصري في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب والكراهية المشتركة لقطر وتركيا، راعيات “الإخوان المسلمين”. لكن في نفس الوقت يدرك السيسي أنه لا يجب أن يتخلى عن دول الخليج، التي تساعد الاقتصاد المصري في الوقوف على قدميه، لهذا السسبب لا يسارع في تطبيع العلاقات بشكل علني مع دمشق”.
وبالعودة إلى منتصف شهر يونيو 2013 نجد الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر ضخم لأجل سوريا وهو يقول “قررنا اليوم القطع الكامل للعلاقات مع النظام السوري الحالي”. وقبل ذلك دعا مرسي الرئيس السوري بشار الأسد للابتعاد عن الحكم، ولم يتردد في قول ذلك أيضا في وجود الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مؤتمر دول عدم الانحياز عام 2012.
وبمرور الوقت اتضح أن هذه كانت إحدى آخر الخطوات المهمة لمرسي كرئيس لمصر. فبعد مرور أسبوعين على ذلك أطيح به على يد قائد الجيش وزير الدفاع المصري الذي قام بتعيينه عبد الفتاح السيسي، ومن المفارقات أن السيسي نفسه من حل محل مرسي في منصبه بعد انتخابه لرئاسة أكبر دولة عربية.
بعد أكثر من عامين على قطع العلاقات بدا من الواضح الآن أن نظام الأسد في سوريا ونظام السيسي في مصر لم يكونا أبدا أكثر تقاربا، على الأقل بالنسبة للمصالح والهدف المشترك في الحرب على الإرهاب.
الإرهاب الإسلامي كعنصر موحد
وتعاني مصر منذ الإطاحة بمرسي من الحكم من موجة إرهاب بشبه جزيرة سيناء ومناطق أخرى من البلاد من قبل تنظيمات إرهابية متطرفة مثل “أنصار بيت المقدس”. رفض الإخوان المسلمون التسليم بالإطاحة برجلهم من القصر الرئاسي، لكن عندما خرجوا للاحتجاج على ذلك جوبهوا بيد من حديد، بل وبوحشية من قبل السلطات. صنف النظام الجماعة كتنظيم إرهابي، زُج بقادة الجماعة والمئات من أنصارها في السجون، وحكم على الكثير منهم بأحكام مشددة بل وبأحكام إعدام.
في نفس الوقت تحولت الانتفاضة التي اندلعت في سوريا كاحتجاج شعبي حقيقي غير عنيف إلى حرب أهلية دامية يتقاتل فيها الجميع، نظام الأسد ضد المتمردين، المتمردون ضد الأسد وضد أنفسهم. أيضا في الحالة السورية، وكما حدث في مصر، استغلت عناصر جهادية متطرفة كـ”الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة النصرة” الفوضى وغياب النظام، وسيطروا على مناطق في البلاد وتم تصنيفهم كـ”إرهابيين” على يد الرئيس السوري الأسد.
صحيح أن مصر لم تعد لعلاقات علنية سليمة مع النظام السوري كما في الماضي، لكن يبدو أن “اللحن” قد تغير للغاية مؤخرا. فبدلا من مرسي الذي تحدث علانية عن إسقاط الأسد ووائم مع دول الخليج الفارسي، تجنب السيسي طوال فترة حكمه كرئيس (أكثر من عام) الحديث عن مصير الأسد. شدد الرئيس المصري على ضرورة التوصل لحل سياسي وليس عسكريا للأزمة في سوريا.
موضوع واحد صمت فيه الرئيس المصري.. إسقاط الأسد
النهج العام للسيسي حيال الأزمة السورية، وتجاهله الحديث عن مصير الأسد، لم يمر مرور الكرام على النظام في دمشق، الذي كثف الشهر الماضي مغازلته للقاهرة، وقال الأسد في حديث لقناة “المنار” التابعة لحزب الله “سوريا في نفس الخندق مع الجيش المصري والشعب المصري في النضال ضد الإرهابيين”. وتحدث الأسد باشتياق عن اللحظات الرائعة في العلاقات بين الدولتين.
مع ذلك، اشتكى أن العلاقة مع النظام المصري ليست علنية مثلما كان يريد. على الجانب المصري لا يسارع السيسي إلى استئناف العلاقات مع سوريا بشكل علني، على خلفية الضغوط الكبيرة التي تمارس عليه من عدة اتجاهات، أهمها من قبل القصر الملكي السعودي.
بالنسبة لمصر، فإن الحرب على الإرهاب في المنطقة تقع على رأس أولوياتها، لا سيما وأنها تشاهد العمليات الإرهابية داخلها والفوضى السائدة في ليبيا الجارة والتي مكنت داعش من التمدد أكثر. لذلك فإن مستقبل الأسد أقل أهمية بالنسبة للسيسي ورموز حكمه.
خطوة على طريق تطبيع العلاقات
حتى قبل أن يبدأ الأسد مغازلة النظام المصري، زار سوريا وفد إعلامي مصري ضم صحفيين من الصحف الحكومية “الجمهورية” و”الأهرام” و”الأخبار”. التقى الوفد في دمشق عدد من رموز نظام الأسد الذين رحبوا به جيدا، من بينهم وزير الخارجية وليد المعلم.
المعلم وللمرة الأولى منذ الأزمة السورية تحدث لقناة تليفزيونية مصرية، إضافة لأحاديث أدلى بها للصحف المصرية الحكومية. وقال إن هناك تعاونا أمنيا بين مصر وسوريا يحرز تقدما كبيرا، ويمكن أن يكون مقدمة لتطبيع العلاقات بين الدولتين وعودتها إلى سابق عهدها.
المعلم دبلوماسي محنك، يعرف جيدا على أي وتر يعزف عندما تحدث للتليفزيون المصري. فقد تطرق في الحديث للعلاقة بين تركيا، العدو اللدود للسيسي، وبين “الإخوان المسلمين”.
على الجانب الآخر رد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد على كلام نظيره السوري قائلا: “هناك إمكانية للتعاون بين دمشق والقاهرة انطلاقا من الأهداف المشتركة التي تجمع الدولتين”.
الاختلافات مع السعودية في عدد من المسائل الإقليمية، وفي مقدمتها سوريا، ومن جهة أخرى محاولة الحفاظ على العلاقات الجيدة مع المملكة الغنية، تشهد إلى حد بعيد على السياسة الخارجية متعددة الأوجه التي تنتهجها مصر برئاسة السيسي.
مصر لا تنتمي إلى محور معين بالعالم العربي، رغم الميل الإسرائيلي الفوري لتصنيفها مع محور “الدول السنية المعتدلة” وعلى رأسها السعودية والذي يقف في مواجهة المحور “الشيعي”، (إيران، وسوريا، وحزب الله).
وانتهى التقرير إلى أنه في الوقت الذي تدور القصة المصرية- السورية في بدايتها، فإن القصة المصرية- الروسية تزدهر منذ وقت وتثبت أن السياسات الخارجية للسيسي تعمل بشكل جيد وتحديدا منذ أن أدارت له إدارة أوباما في واشنطن ظهرها وتوقفت عن تقديم المساعدات الأمنية له بعد الإطاحة بـ”الإخوان المسلمين” من الحكم. نفس الإدارة تحاول اليوم إيجاد طريق عودة إلى قلب المصريين، وتثبت أن السيسي على ما يبدو هو أحد أكثر الشخصيات شعبية في منطقتنا.