الكاتب: محمود عليّان مدرس بالجامعة النظيمية للدراسات الاسلامية بسريلانكا
يعتبر فرض الوصاية واحد من أخطر أمراض القيادة التى تصيب بعض القادة . والأمر ببساطة أن بعض القادة يفرض على من تحته نوع من الوصاية التى تجعله يرفض ترك منصبه بدافع الحرص على المؤسسة أو الحرص على الأفراد وأحيانا بدافع الحفاظ على مكتسباته من هذا المنصب القيادى .
ونمضى معا اليوم فى تشخيص هذا المرض فى الوضع المصرى الراهن من خلال المقارنة بين أكبر مؤسستين فى الوطن المصرى وهما المجلس العسكرى وجماعة الإخوان المسلمين , مع الانتباه لاختلاف الدوافع عند كليهما والانتباه أن هذا المرض متغلغل فى كل درجات القيادة من أعلاها الى أدناها دون تمييز .
ونبدأ بالمجلس العسكرى الذى يفرض وصايته على الشعب المصرى والدولة المصرية بكل مؤسساتها , بما يعنى أن الوطن بأكمله تحت وصاية المجلس العسكرى . فهم يرون أنه لابد أن يبقى الوطن كله تحت وصايتهم . وعلتهم فى ذلك أن الشعب المصرى لم ينضج بعد وليس قادرا على الدخول فى العملية الديمقراطية برمتها وأن جهل الشعب يقف حائلا بينه وبين أن يمتلك قراره أو أن يُترك له المجال ليخوض عملية ديمقراطية حقيقية , كما يدعون أن الفقر الذى يسيطر على أغلبية الشعب يجعله عرضة للمتاجرة به وبأصواته كما ظهر جليا فى الجولات الانتخابية السابقة .
وهذا كلام فى ظاهره الرحمة وفى باطنة عذاب أليم . فالمجلس العسكرى ينسى أو يتناسى أنه يحكم مصر منذ أكثر من ستين سنة عجاف , وأنه هو المسئول الأول عن تلك الحالة التى وصل إليها قطاع عريض من الشعب المصرى جهلا وفقرا وأمية ومرضا . بينما تمتلك مصر الوطن امكانيات فائقة لم يتوفر ربعها الى بعض الدولة التى أصبحت فى صدارة العالم اليوم بينما بدأت نهضتها بعد مصر بسنوات . فاليابان والنمور الآسيوية وتركيا وغيرها من الدولة سبقت مصر بسنوات ضوئية .
والحقيقة التى يخفيها العسكر من وراء فرض وصايتهم على الوطن بأكمله ليست هى الحرص على الوطن أو المواطن بل هى الحرص على مكتسباتهم من مناصبهم . فالمجلس العسكرى يتحكم فى ثلثى ثروة الدولة المصرية , وهذا يقدّر بترليونات وليس مليونات ولا حتى مليارات الجنيهات . وكل هذه الثروة ليست خاضعة لرقابة ولا مسائلة , فقط هى متروكة لضمير هولاء الأعضاء . بينما مصر دولة ليست فى حالة حرب منذ أكثر من ثلاثين سنة . ومن ثم ففرضهم الوصاية على الشعب يبقى هو الوسيلة الوحيدة للبقاء فى هذه الثروات وتلك المناصب . والأخطر من ذلك أن الوصاية تحولت بعد هذا الإنقلاب الملعون إلى نظام جديد وهو نظام الاسترقاق , فالشعب كله صار عبيدا للعسكر ومن يساندونه أو فى الحقيقة لمن لا يستطيع العسكر الاستغناء عنهم فالأصل أنهم ينظرون للمجتمع كله من أعلى . وصار الوطن كله ملكا لهم بأرضه وسمائه وناسه .
والى هنا وصل حال مصر فى ظل حكم العسكر وفى ظل وصاية العسكر التى تحولت مؤخرا الى عبودية عبّر عنها وزير عدلهم بأنهم السادة فى هذه البلده وأن غيرهم وهم جموع الشعب هم العبيد . والكلام ليس فلته ولا ذلة لسان بل هو كلام مقصود , هدفه الإعلان عن الحالة الجديدة للوضع فى مصر وهى حالة العبودية التى كانت موجودة فى مصر منذ بداية عهد محمد على وحتى نهاية عهد فاروق الأول . فثورة يوليو 52 قد قامت فقط بنقل ملكية الوطن من أسرة محمد على الى المجلس العسكرى المصرى .
وإذا انتقلنا الى حالة جماعة الإخوان المسلمين نجد أن بعض قادة الجماعة قد قاموا بفرض الوصاية على الجماعة فلا هم أّقيلوا ولا هم استقالوا . وليتهم تعلموا شيئا من المرشد السابق محمد مهدى عاكف أول مرشد سابق فى الجماعة . وهنا سنجد دوافع فرض الوصاية مختلفة عن المجلس العسكرى تماما كما أرى . فقادة الإخوان المسلمين لا يستفيدون من مواقعهم القيادة بقدر ما يخسرون وما يلتزمون به من تبعات فى الغالب , لذا فالدوافع هنا دوافع نبيلة مبعثها الحرص على الجماعة وقد يدعى البعض أن الأجيال الشابة لم تنضج بعد ولم تستوعب بعد فقه حسن البنّا رحمه الله فى الدعوة والحركة , أو أن الجماعة قد ينفرط عقدها بتخلى القادة الكبار عن مواقعهم .
لكن أقول أن الدوافع النبيلة لا تصلح الأمور , ولا تكفى لإنقاذ سفينة الدعوة والحركة . بل الذى ينفع وينجع هنا هو الأفعال النبيلة وليست النيات أو الدوافع النبيلة وحدها . وفرض الوصاية يضر الجماعة ولا ينفعها . وما قلناه عن المجلس العسكرى نقوله عن قادة الإخوان , فأنتم أيها القادة المسئولون عن عدم نضج الشباب أو عدم استيعابهم لفقه البنّا كما تّدعون ولا أظن أنه إدعاء فى موضعه . فمن غيركم كان مسئولا عن تربية هؤلاء الشباب الذىن أسلموا لكم أنفسهم وأرواحهم وأبدانهم وأموالهم طوعية ابتغاء مرضاة الله . ومن غيركم المسئول عمّا وصلت اليه الجماعة الآن , ألم يكن تحت قيادتكم ووصايتكم ؟
وأجيب : بلى . بلى هذه هى عاقبة فرض الوصاية أيا كان شكلها وأيا كانت دوافعها أو بواعثها . فالوطن ليس فى حاجة الى فرض وصاية , والشعب ليس فى حاجة لفرض وصاية والجماعة ليست فى حاجة الى فرض وصاية . وهذا درس قديم لكن لا أحد يستفيد منه ويتكرر الخطأ مرارا وتكرارا . فيا أيها القائد فى كل مكان ارحم مؤسستك وشعبك من فرض وصايتك فإنها وبال عليكوعليهم . فقد فتحت القدس لليهود بعد وفاة موسى عليه السلام , وفتحت الفرس والروم بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم . ومات كل القادة من قبلك فلم تتوقف الحياة , وإن الحياة لا تتوقف على موت أحد أو حياته . فهل من معتبر ؟