بأكثر من معيار موضوعي، يمكن اعتبار عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمن يسمون أنفسهم “جماعة آسفين يا مبارك”، ذلك أن كل ما يحدث في مصر، منذ صيف العام 2013، هو سلسلة من الاعتذارات الفاضحة لزمن حسني مبارك ودولته ونظامه، إنْ على مستوى السياسات، أو الأشخاص.
كل عناصر دولة مبارك تمت عملية إعادة تجميعها، وتركيبها، على النسق نفسه الذي كان قائمًا، باستثناء الابنين، علاء وجمال، والسيدة الأولى، حيث جرى إحلال أفراد عائلة السيسي مكانهم، ولم يبق إلا البحث عن إعطاء إشارة البدء لمشروع توريث داخل الأسرة السيسية، إيذانًا باستهلال المرحلة المباركية الثانية.
بلا مبالغة، فإن أجواء مصر، هذه الأيام، تكاد تكون تكرارًا لما كانت عليه الأوضاع في العام 2010، حيث يبدو أهل السلطة، وقد اطمأنوا تمامًا إلى أن كل ما حولهم من معارضات تصيح كثيرًا، غير قادرة على إنتاج البيض، وأن إجراء الانتخابات البرلمانية سيلقن الجميع دروسا قاسية، ليتبينوا أماكنهم ويعرفوا حجمهم، فيما كان لافتًا أن من أسميتهم في ذلك الوقت “صقور الحزب الحاكم” استولوا على مفاتيح الحافلة، واستولوا على كابينة القيادة، يتقدمهم جمال مبارك، وأعلنوها حربًا شعواء تُقصي الجميع، ليخلو لهم وجه البلاد وحدهم.
ما فعله جمال مبارك ورجاله، لتخطيط الملعب الانتخابي والسياسي، وهندسة القوائم والتحالفات، وانتقاء ما يشاء من دمى المعارضة، للعب الأدوار التي رسمها لها، لا يختلف كثيرًا عما يدور الآن، في ظل هيمنة ابن عبد الفتاح السيسي على مخططات تقسيم الحصص في الانتخابات النيابية المقبلة.
بدأت سنة 2010 بنكتة سياسية زاعقة، تسخر من إلحاح الحكومة على ترديد لحن الاستقرار، حيث تحدثت النكتة عن أن صفوت الشريف، أمين عام الحزب الحاكم في ذلك الوقت، صرح أنه عكس ما تردده بعض الشائعات، لا توجد أي نيات في الوقت الحاضر لتغيير سنة 2009، وسيستمر العمل بهذه السنة لعام آخر على الأقل، دعما لسياسة الاستقرار الذي تعيشه مصر، ولا يوجد ما يمنع الحزب الوطني من الإعلان بمنتهى الشفافية عن موعد بدء 2010″.
في تلك الأثناء، كان ظهور محمد البرادعي، ودخوله على الخط، مطلقًا تصريحات عن التغيير الحتمي، وداعيًا إلى مقاطعة مسرحية الانتخابات العبثية، وانطلاق مجموعات العضاضين والنهاشين، من رجال النظام، حكومة ومعارضة، يلعنون الرجل، ومن معه في “الجمعية الوطنية للتغيير”، ويعتبرونهم الطابور الخامس، العملاء، الخونة، إلى آخر هذه القائمة.
وفي لقاء تلفزيوني جمعني مع الصديق المناضل والمحارب المحترم، عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، المحبوس الآن في سجون أوغاد الانقلاب، كنت أرى أن أهم ما تحقق نتيجة ظهور البرادعي، على الرغم من انتقاداتي العديدة له، أن عملية التغيير لم تعد فكرة مجردة تسبح فى فضاء الكلام، بل أصبحت فعلًا يوميًا تمارسه القوى الفاعلة في المجتمع كل يوم.
فيما رأى عصام سلطان الذي كان أقرب إلى البرادعي، كونه أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية الوطنية للتغيير أن دخول البرادعي عنصرًا مؤثرًا فى كيمياء السياسة المصرية أنزل فكرة التوريث تحت الأرض، ليس بمعنى إخفائها مؤقتًا، وإنما بمعنى مواراتها الثرى.
أنظر حولك الآن، تجد محمد البرادعي يقترب، شيئًا فشيئًا، من المشهد السياسي المصري، مشتبكًا مع تعقيداته ومهازله، فيما تكاد تكون ردود الأفعال على اقترابه، صورة كربونية مما كان يلاقيه قبل نحو ست سنوات، وإنْ كانت الحملة، هذه المرة، تبدو أكثر شراسة، بحكم تحررها من كل قيد قانوني، أو قيمة أخلاقية.
أدرك أنه بقدر ما أفاد البرادعي ثورة يناير، بقدر ما طعنها وأسهم في ذبحها، حين وضع يده في يد مجموعة من القتلة والسفاحين، وأعرف أنه مطالب باعتذار واضح وصريح للدماء التي سالت، والأرواح التي أزهقت، وللثورة التي سيقت إلى مخادع الأوغاد، غير أني أدرك، أيضًا، أن عودة الرجل، أو استعادته المعسكر المناهض لحالة التردي والسقوط التي تغرق فيها البلاد، شيء مؤثر ومفيد في معركة استرداد ثورة مخطوفة، ودعم حراك أسطوري يتعرض للذبح في الداخل، فيما يكاد الخارج يكون قد وصل إلى مرحلة من التيبس.