تحسن جماعة الإخوان المسلمين صنعًا أن أغلقت بابها على نفسها، وراحت ترتب بيتها من الداخل، من دون ضجيج، وبلا صخب إعلامي، وبعيدًا عن إشغال الناس بخلافات الأجيال، وما يسمى صراعات الشيوخ والشباب.
كاد الحديث عن تحقيق مصالحات أو إجراء إصلاحات أو تنازع صلاحيات داخل الجماعة، يطغى على أحاديث لمّ الشمل الثوري، وإحداث اختراقات حقيقية على طريق استعادة سبيكة 25 يناير المفقودة، والدخول في حوارات جادة وحقيقية، تستهدف تكوين جبهة وطنية عريضة تتصدى لهذا الهولوكست الدائر في مصر.
ولو حسبت عدد الأخبار والمقالات المنشورة عما يجري داخل الجماعة والتنظيم، خلال الفترة الماضية، ستلمس ما يمكن اعتباره استسلامًا لحالة من الحضور الإعلامي المكثف، بما بدا معه أن ثمة تصدعات في الداخل، ومن شأن ذلك، بالضرورة، أن يؤثر سلبًا على التحرك الأهم، وهو ترميم العلاقة بين الإخوان، كمكون مهم في ثورة يناير، وبقية مكونات هذه الثورة من قوى وحركات سياسية.
بمعنى آخر، يخشى أن يصل إلى الناس شعور بأن الجماعة مشغولة بنفسها، أكثر من انشغالها بالقضية الأهم والأكبر، وهي تحقيق تقدم على صعيد توسعة الأرضية التي يقف عليها معارضو الانقلاب، حتى وإن كانت الخلافات، أو الصراعات، داخل الجماعة تقوم على أساس التباينات الخاصة بمنطلقات وآليات مواجهة معسكر الانقلاب، أو ما عرف بإشكاليات ضبط مفاهيم، مثل “السلمية” و”الثورية”.
إن أي تجمع من البشر من الطبيعي أن يواجه مشكلات داخلية، وعمليات تجديد دماء، وتبديل في المواقع والمراكز، غير أن ذلك كله ينبغي أن يبقى في الداخل، ولا يتحول إلى مادة للتندر والاستهلاك الإعلامي؛ لأن من شأن ذلك أن يسبب إحباطًا لمن يمنون النفس بتحقيق اصطفاف ثوري حقيقي، يكون “الإخوان” في القلب منه، ويعطي الفرصة لأطراف عديدة، تفر من فكرة مواجهة الذات، وتحمل المسؤولية تجاه تغيير واقع سياسي مصري، بات والجحيم سواء، وتدفع في اتجاه الاستسلام والرضوخ لما هو قائم.
والثابت أن الحراك الثوري على الأرض داخل مصر الآن، ما كان له أن يستمر بهذا الإصرار والزخم، لولا تضحيات “الإخوان”، مع التسليم بأنه يضم أطيافًا متنوعة من الشعب المصري، كما لا ينكر أحد فداحة ما دفعه “الإخوان” من ثمن خلال عامين مضيا؛ ولذلك يصبح الاستسلام لحالة التجاذب والاشتباك (الإخواني- الإخواني) على الملأ نوعًا من الخذلان لهذه الحشود التي تواجه جنون السلطة بصدور عارية، ولهذه الآلاف المؤلفة من الذين يتم التنكيل بهم داخل السجون والمعتقلات.
أتاحت هذه الوضعية المجال لخدم الانقلاب ومطاياه، لكي يتندروا على المعسكر المناوئ لجريمة حرق ثورة مصر، فيظهر “النوريّون” في صورة الوعاظ الوطنيين، الناضجين سياسيًّا، ليتحدثوا عن انشقاقات وانهيارات داخل هذا المعسكر، قطعًا للطريق أمام كل من يفكر في الانضمام لحراك ثوري، بات الحفاظ عليه وتدعيمه واجبًا على كل صاحب ضمير.
ويدهشك، هنا، أنه في اللحظة التي تتابع فيها الجماهير وصول أطراف الدولة العميقة، ومؤسسات الانقلاب إلى مرحلة التصادم والتآكل، سواء كان ذلك تعبيرًا عن تحلل في بنية الانقلاب، أم مجرد أحداث طارئة ستنتهي سريعًا؛ يدهشك أن تخرج على السطح خلافات ونزاعات إخوانية – إخوانية، تخطف الأبصار، وتنزع الأمل من الصدور، في تحقيق مصالحة ثورية شاملة، من شأنها أن تغير في المعادلة القائمة.
فليستمع الإخوان إلى أصوات عاقلة من داخلهم، منها الدكتور محمود عاكف، تطلب منهم أن يغلقوا بابهم على أنفسهم، ويحلوا مشكلاتهم بهدوء، بعيدًا عن تربص الإعلام، وأضيف أن هناك قطاعات جماهيرية واسعة تستحلفهم باسم الشهداء وعذابات المعتقلين، ألا يبددوا طاقتهم فيما لا يفيد الثورة، ويقدم خدمات مجانية هائلة لسلطة الانقلاب.