من الأخبار المعتادة صباح مساء، أن هناك ارتفاعًا في مؤشر البورصة أو تدهورًا في مؤشرها، خسارة البورصة لا تعتبر كارثة كبيرة، فبطبيعة الحال ستؤثر حتمًا على الاستثمارات، لكن السوق ستظل في طريقها حتى تتعافى وتعود لمستواها قبل عام، لكن إذا حلت فاجعة في أكبر ثاني اقتصاد في العالم، فطبيعة الحال ستكون لها آثار ارتدادية على الاقتصاديات المرتبطة بها؛ سواءً كبر أم صغر حجم الاقتصاد، ولك أن تتخيل أن خسائر البورصة الصينية في يومين بلغت 3.2 تريليون دولار، وهو 10 أضعاف حجم ديون دولة اليونان التي بلغت 325 مليار دولار وخسارة البورصة الصينية في الـ27 يومًا الأخيرة تمثل حجم الناتج القومي الإجمالي لبريطانيا عام 2014.
فما أشبه الليلة بالبارحة، أو لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، مثال يعبر عن الانهيار في البورصة الصينية يذكرنا بما حدث في البارحة من الإنهيار المالي داخل الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2008 فقد كان الاستثمار في البورصة بالرهونات العقارية Mortgage backed securities التي أدت إلى خسائر ضخمة للبنوك وللاقتصاد الأمريكي ككل، فقد تكرر نفس الأمر في البورصة الصينية حيث أصبح بمقدور الناس الشراء بالقروض دون أن تكون معهم الأصول أو المدخرات الكافية لشراء الأسهم والسندات، حيث بدأت الصين في الانفتاح على العالم وتطبيق النهج الرأسمالى منذ قرابة 25 سنة وطيلة هذه الفترة كانت الصين تتبع اجراءات اشتراكية للحفاظ على العملات الأجنبية التي تأتيها من قبل الصادرات وتمنع عملتها من الارتفاع، ومع بدايات الصعود الصيني لم يتخلف النمو الاقتصادي الصيني عن 11% في أغلب الأحوال وهو رقم كبير إذا قورن بالنمو في الدول المتقدمة التى لم يتجاوز فيها 3% كحد أقصى فى نفس الفترة الزمنية.فقد بلغ معدل النمو 13% فى عام 2007 قبل أزمة الكساد العظيم التى هبت على العالم في 2008 والذى هبط فيه معدل النمو إلى 6.4 % ثم عاد للارتفاع ليصل إلى 11% عام 2010.
أسباب الأزمة الصينية
1 تحقق معدلات ادخار عالية
في ظل الارتفاع فى معدلات التنمية وارتفاع حجم الصادرات الصينية حتى تربعت على عرش الاقتصاد العالمى، فقد تحقق للصينين فوائض مالية ضخمة مما رفعت نسبة المدخرات الصينية في البنوك لتبلغ نسبة المدخرات في الصين 50% من الناتج القومى الاجمالى على حين كانت 16 % فى الولايات المتحدة الأمريكية وفق تقرير البنك الدولى. وهذا اعلى معدل ادخارى فى العالم كله.
2 رفع القيود عن الاستثمار فى البورصة
ونتيجة لهذه الفوائض المالية حاول الرئيس الصيني أن ينبة إلى أن مشروعه هو تحقيق الحلم وهو تحقيق الثروة وزيادة الدخول لكافة الصينين من أجل ذلك قامت الحكومة الصينية برفع القيود عن الاستثمار في البورصة في العامين الاخيرين، فقد دخل البورصة 90 مليون مستثمر أو مدخر فى البورصة أي تقريبا نفس حجم سكان أكبر دولة عربية مثل مصر. ونتيجة لرفع هذه القيود كثير من هؤلاء المضاربين الجدد ليس عندهم دراية بكيفية الانتقاء أو شراء الأسهم القوية أو معرفة الفروق بين الشركات، فوفق تقرير هيئة سوق المال الصينية فان 67 % من المستثمرين الجدد اعلى شهادة حصلوا عليها هى الاعدادية
3 إغراء البنوك والشركات للصينين في الاستثمار في البورصة
فما حدث في سوق البورصة في الصين أدى إلى ظهور فقاعة مالية كبيرة جدا ،فقد قامت البنوك وصناديق الاستثمار الصينية بوعد الناس بتحقيق أرباح مرتفعة للغاية في حالة شراء الأسهم والتي أغرت الناس للدخول في البورصة، فقد أصبحت البورصة الصينية كصالة قمار وليس أكثر، فيندفع الناس لأجل تحقيق مكسب سريع بغض النظر عما إذا كان هذا الأصل الاستثماري مربح لفترة طويلة أم لا.أم الاستثمار فيه آمن أم لا كما حدث مع الرهون العقارية في أمريكا
4 تسويق الاعلام الحكومى للبورصة
لعب الإعلام الحكومى والرسمى دورا فى تسويق الاصول المالية خاصة الحكومية والتى كانت مقدرة باعلى من قيمتها للغاية over estimated ولم تكن بالجودة المالية مما اوقع الصينيون فى شراء هذه الاصول رغم عدم جدواها ماليا
5 السياسة النقدية التوسعية
قام البنك المركزى الصينى بخفض أسعار الفائدة أربع مرات متتالية فى نوفمبر عام 2014 حتى بلغت 4.75 % مقارنة ب 11% فى عام 2000 مما سهل للصينين الاقتراض والشراء من البورصة بالديون حتى يحققوا أرباحا سريعة فقد انتشر نظام الشراء بالهامش في الصين. فقد قصرت الحكومة التعامل به قبل سنوات على الأثرياء، فسهولة الاقتراض بالدين ترفع المكاسب حين يرتفع السوق. لكن بمجرد أن يبدأ سوق الأسهم في الانخفاض تتضاعف الخسائر فى نفس الوقت . وفي كثير من الحالات يدخل الصينيون في استثمارات محفوفة بالمخاطر باستخدام مدخراتهم لكونهم جدد فى السوق وليسوا على دراية كافية باحوال الشركات المستثمر فيها، ويلجؤون في بعض الأحيان لرهن منازلهم. هؤلاء المخرون الجدد قد يصابون بالذعر فى حالة انهيار الأسهم وضياع كافة مدخراتهم بل من الممكن أن يثور الناس لضياع مدخراتهم وهذا مايخشاه الحزب الشيوعى الحاكم
6 التوسع فى الإنفاق الاستثمارى
قامت الحكومة الصينية بزيادة الإنفاق الاستثمارى لتعبيد الطرق فما تم انفاقة على الطرق فى العشر سنوات الماضية يضاهى ماقامت أمريكا من انفاقة فى 100 عام، لم يتوقف الأمر على الاستثمار الحكومى فقط بل ما أنفقه الصينين من شراء منازل، على سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة قرابة 30 مليار دولار فى العام الماضى وهو مايقابل ربع انفاق كل الامريكين على شراء البيوت. والاعجب من ذلك ان 70% من هذا الانفاق تم نقدا cash وهذا امر عجيب ونادر داخل الاقتصاد الامريكى .وقد تم ذلك رغم ان الحكومة الصينية تضع سقفا على التحويلات المالية الا تتجاوز 50 الف دولار سنويا الى خارج الصين.
فانهيار السوق قد يخلق رد فعل شعبي واسع ضد الحزب الحاكم في البلاد، كما أن الحكومة ما زالت تخشى الرأي العام؛ فتلك الاضطرابات الاجتماعية قد تؤدي الى اثار اقتصادية مدمرة.
تدخل الدولة لحل الأزمة
من هنا كان كان لابد من حتمية تدخل الدولة ، فقد اصدرت هيئة سوق المال الصينية قراراً يمنع كل من يملك أكثر من 5% من أسهم أي شركة سواء اكانوا من اعضاء مجلس ادارة الشركات او كبار المساهمين من بيع حصصهم من الأسهم في الشركات المدرجة في البورصة لمدة 6 أشهر. هذه الاسهم تقدر بـ3.2 تريلون دولار بما يمثل 45% من قيمة سوق التداول فى البورصة الصينية، كما أصدرت الهيئة قراراً بإيقاف جميع عمليات الطرح الأول والاكتتاب مؤقتاً إلى أن تهدأ الأوضاع. كما قامت الهيئة بتعليق التداول على اسهم 1300 شركة مدرجة في البورصات الصينية وقامت هيئة سوق المال بتقديم 41.8 مليار دولار إلى 21 شركة سمسرة لمساعدتها على تجاوز الأزمة الراهنة.
ويبدو أن هذا التدخل كان له آثارا إيجابية وسلبية فمن ناحية منع السوق من الانهيار الكامل، ومن ناحية أخرى فقد فاقم الأزمة فاعطى مؤشرا لصغار المدخرين بالبورصة أن الأوضاع غير امنة مما أصاب المستثمرين فى البورصة بالذعر والذى انتقل بالتبعية إلى بورصات العالم.
أي ماكان الأمر فيبدوا أننا مرحلة جديدة فقد انتقلت الأزمات من مصدرها بالغرب إلى الشرق ويبدو أن الشرق سيجر من ورائه الغرب حتما مع تداعى هذه الانهيارات، فمن كان يدرى أن التدهور فى الصين سيكون له آثار على بورصات العالم مرورا ببورصات الشرق الاوسط كبورصة الإمارات أو السعودية ومصر مرورا بأوربا ونهاية عند أقصى المحيط الاطلنطى في أمريكا فلننظر من قريب.