قالت صحيفة هافينجتون بوست إنه بعد ستة أعوام من التوقف، استعادت الولايات المتحدة ومصر حوارهما الاستراتيجي رسميًا، ولا تعتبر زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لمصر هي الطريق الوحيد للتفاوض بين مصر والولايات المتحدة، لأنه في السنوات الماضية جرت نقاشات كثيرة خلف الكواليس، لكن تلك الزيارة تمثل عودة التقارب بين أمريكا وأحد اللاعبين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن المحادثات دارت بين جون كيري ونظيره المصري سامح شكري حول ثلاثة محاور رئيسية هي؛ الاهتمامات الأمنية المشتركة، والاتفاق النووي مع إيران، وأيضا الإفراج عن المساعدات، وكيفية ربط ذلك بوضع حقوق الإنسان في مصر.
الحوار الاستراتيجي
وأفادت أن الحوار الاستراتيجي يعتبر آلية موحدة في الدبلوماسية الأمريكية، وتستخدم تلك الطريقة بناء على العلاقات الثنائية مع عدة دول مثل الصين والهند وغيرهما، لكن لم تعد تلك الطريقة مستخدمة في العلاقات بين مصر وأمريكا منذ 2009، وتعد هذه الجولة من المحادثات أحد التطورات البارزة في العلاقة الثنائية بين القاهرة وواشنطن منذ بدأ هنري كيسنجر مسار العلاقات الدبلوماسية عقب حرب 1973.
وأوضحت الصحيفة أن أهمية الحوار تنبع من التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط والرغبة الحالية من الإدارة الأمريكية بالتصديق على اتفاق مجموعة الخمس + واحد مع إيران في الكونجرس، وأيضا بسبب نمط العلاقة الجديد الذي تستخدمه القيادة المصرية مع القوة العظمى في العالم.
وأضافت هافينجتون بوست، أنه على الجانب الأمريكي، تظهر مجموعات الأمن والمخابرات الدعم للقيادة المصرية الحالية، وفي المقام الأول لدورها في مواجهة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، بينما يطلب “فريدوم هاوس” و”هيومان رايتس ووتش” وبعض أعضاء الكونجرس الديمقراطيين بممارسة ضغطا أكبر على الحكومة المصرية من أجل إصلاح سياسي في ضوء القيود الحالية على المجتمع المدني والنشاط السياسي، وأحكام الإعدام الغيابية الصادرة من قبل المحاكم المصرية.
التهديدات الأمنية المشتركة
وأردفت الصحيفة أن هذه العلاقة شديدة الأهمية في مجملها؛ لأن مصر كقوى إقليمية رائدة تحتاج إلى التعاون مع أقوى دولة في العالم وفي نفس الوقت لا تستطيع الولايات المتحدة أن تحافظ على مصالحها في الشرق الأوسط دون الدعم المصري، مصر كانت شريكاً استراتيجياً كبيراً للولايات المتحدة خلال الأربعين عاماً الماضية، وأثبتت اتفاقية السلام الباقية بين مصر وأمريكا وإسرائيل قيمة الإرادة الدبلوماسية في القرن الواحد والعشرين.
وأضافت بالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر ردع تنظيم الدولة الإسلامية هو الأمر الأكثر أهمية، مشيرة إلى أن مصر اتخذت موقفا صارما في التعامل مع أذرع التنظيم، كما أن مصر مستعدة لتلعب دورا في إنهاء الصراعات في قطاع غزة وليبيا واليمن، وتلك الحقيقة لا تغيب عن واشنطن، حتى لو كانت تلك الأحداث حاليا ذات أهمية ثانوية.
التقليل من المخاوف بعد اتفاق إيران
وأفادت الصحيفة أن الولايات المتحدة تحاول أن تقنع المجتمع الدولي بأن العالم سيكون أكثر أمنا في ضوء الاتفاق الإيراني، وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تقدم ضمانات لمصر وحلفائها الخليجيين حول كيف سيتحول هذا الاتفاق إلى واقع، مشيرة إلى أن السيسي ووزير الدفاع السعودي أصدرا في الأسبوع الماضي “إعلان القاهرة”، وفيه يؤكد الطرفان على الإجراءات الدفاعية المشتركة في ضوء مبادرة القوات العربية المشتركة المقترحة بداية هذا العام. ما سيعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل الدبلوماسية في المنطقة هو ما ستكشفه الأيام.
وأشارت هافينجتون بوست إلى أن الولايات المتحدة في كثير من الأحيان دعمت أنظمة استبدادية في الماضي، وبالتالي فإن قرار إدارة اوباما باستئناف المساعدات إلى الحكومة التي جاءت بعد مرسي يمكن أن يظهر وكأنه محاولة برجماتية لتكرار أخطاء الماضي، في حين رأى الكثير من المصريين أن حجب المعونة هو استناد لرغبة الإخوان المسلمين وفعل معادي لرغبات الشعب المصري، فإن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تصرفت منفردة بتغيير شروط المساعدات إلى مصر لتشمل أمورا تتعلق بتعزيز العملية الديمقراطية، وزاد ذلك فقط من سخط المصريين الذين رأوا أنفسهم في حاجة أكثر إلى ما يتعلق بوعود مكافحة الإرهاب خلال الفترة الانتقالية المضطربة.
وتابعت “لنكن واضحين، لا يوجد عذر لتضييق الحكومة المصرية على المتظاهرين السلميين مثلما لا نبرر للولايات المتحدة أي انتهاك لحقوق الإنسان أو أي دولة أخرى. حيث أظهر تقرير “هيومان رايتس ووتش” أن قوات الأمن المصرية قتلت على الأقل 817 خلال أغسطس 2013، كما أن احتجاز الصحفيين والطلاب يزيد الأمر قلقا، لكن لا يجعلنا ذلك نقول إن الحكومة المصرية لم تقم بأفعال جيدة، فهي دائما ما تعلن أنها تحارب الإرهاب الداخلي الذي يزعزع استقرار الدولة”.
وأشارت إلى أنه مع الاعتراف بأن علاقة أمريكا الغامضة بحقوق الإنسان قد تضفي بعض المصداقية على الانتقادات التي وجهت إلى جون كيري وساعدت على إحباط المزاعم بالنفاق الأمريكي والاستثنائية، مع فشل تعريف أمريكا لتوثيق القوة المفرطة المستخدمة بواسطة الشرطة ضد الأقليات من السكان والتعذيب والاحتجاز بدون اتهامات للأفراد تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وقتل المدنيين في الغارات بدون طيار، وصمت أمريكا أيضا على الزحف الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، كل ذلك يعطي مصداقية لتلك المزاعم التي تتهمها بالنفاق والانتقائية.