– ليس هناك مؤشر على أن إسرائيل سترفع الحصار عن غزة في وقت قريب
– المخابرات المصرية تتعاون مع الإسرائيلية أكثر من عهد مبارك
– النظام المصري الحالي يرى حماس فرعًا للإخوان ويعتبرها خطرًا على القاهرة
– فترة رئاسة مرسي كانت الأكثر تعاطفًا تجاه تخفيف معاناة الفلسطينيين
– القيادة المصرية الحالية ملطخة بعدم شرعية صعودها للسلطة وبانتهاك حقوق الإنسان
– ثورات الربيع العربي قضت فقط على “زعماء” دون البنية الاقتصادية والسياسية للاستبداد
أرجع ريتشارد فولك – أستاذ القانون الدولي المتقاعد بجامعة “بريستون” الأميركية – أسباب التعاون الوثيق لمصر مع الجانب الإسرائيلي إلى النهج المتشدد للسيسي ضد الإخوان، والمشكلات الأمنية المرتبطة بالاضطرابات في سيناء.
وتناول “فولك” – الذي عمل كمقرر خاص لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالأراضي المحتلة في الفترة ما بين 2008 إلى 2014، وكان أحدث كتابين ألفهما بعنوان “فلسطين.. مشروعية الأمل”، “الفوضى والثورة المضادة فيما بعد الربيع العربي” – في حوار خاص لشبكة “رصد”، العديد من القضايا التي تمس الشأن المصري، وخصوصًا قطاع غزة، والتعاون بين المخابرات المصرية والإسرائيلية. كما تحدث عن فترة رئاسة مرسي، وشرعية النظام في مصر، وأبدى رأيه في القضاء المصري، وثورات الربيع العربي، وختم الحوار بتوقعاته عن المستقبل الذي ينتظر المنطقة.
وإلى نص الحوار:
حصار جائر
نبدأ معك سيد ريتشارد من الوضع في الأراضي الفلسطينية كيف ترى وضع قطاع غزة الإنساني حاليًا وإلى متى يستمر الحصار الإسرائيلي له؟
– الوضع الإنساني في غزة صعب جدًا في الوقت الحالي، فهناك القليل من جهود إعادة الإعمار منذ الهجوم الإسرائيلي في صيف 2014 بسبب عدم السماح بدخول مواد البناء عبر المعابر بسبب الحصار ونتيجة لإغلاق الأنفاق من الجانب المصري، تلك الأنفاق التي جنبت القطاع أسوأ نتائج الحصار، إلا أنها دُمرت بعد تغيير الحكومة في صيف 2013.
هل هناك احتمالية أن ترفع إسرائيل الحصار المفروض على غزة وما أسباب ذلك؟
– ليس هناك أي مؤشر على أن إسرائيل سترفع الحصار المفروض في أي وقت قريب؛ فإسرائيل لا تقع تحت ضغط دولي لعمل ذلك وخصوصًا بعد أن تحول الانتباه – حاليًا – إلى المشاكل التي يطرحها تنظيم الدولة، والجهود التي تركز على الوصول إلى حل دبلوماسي مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
وما مدى شرعية الحصار المفروض على غزة حاليًا؟
– الحصار المفروض على القطاع غير شرعي، ونموذج حاد للعقاب الجماعي لشعب غزة، وفيه انتهاك للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحكم الاحتلال العسكري.
تعاون وثيق
من وجهة نظرك لماذا زاد الضغط على قطاع غزة من بعد الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو2013 على الرغم من استمرار حماس في التأكيد على عدم تدخلها في الشأن المصري؟
– بعض أسباب هذا الضغط مرتبطة بادعاء القيادة العسكرية الجديدة أن غزة هي المسئولة عن تصاعد العنف الموجه ضد النظام في سيناء وهناك سبب أيديولوجي آخر هو أن حماس يُنظر إليها وكأنها الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين ومن ثم فهي أسوأ عدو للقاهرة التي ترى في الإخوان العدو المحتمل.
هل يوجد دور عربي في حصار غزة؟
– بقدر ما أعرف فإن قوى المخابرات المصرية صارت تتعاون مع المخابرات الإسرائيلية مرة أخرى كما كان في عهد مبارك وربما أكثر من عهد مبارك.
وأرى – والكلام لـ “فولك” أن من أسباب عودة التعاون الوثيق مع الجانب الإسرائيلي هو النهج المتشدد للسيسي ضد الإخوان، وكذلك المشكلات الأمنية المرتبطة بالاضطرابات في سيناء، وأيضًا فإن السيطرة المتشددة على قطاع غزة تتوافق مع السياسات الإسرائيلية التي تحظر بشدة الدخول والخروج من وإلى القطاع.
وكما أشرت في السابق فإن إصرار مصر على منع الأنفاق أدى إلى جعل تأثير الحصار أكثر فاعلية وأشد عقابًا ضد شعب غزة.
مرسي أكثر تعاطفًا
هل يمكن القول إن فترة الرئيس مرسي هي الأكثر سعادة للفلسطينيين من حيث الإسهام في تخفيف حصار غزة والوصول لاتفاقية هدنة غير مجحفة للفلسطينيين بعد الحرب؟
– نعم فمن المنطقي الاستنتاج أن فترة رئاسة مرسي كانت الأكثر تعاطفًا تجاه تخفيف معاناة الفلسطينيين، لكنها استمرت فقط لعام واحد، ولعبت الرئاسة آنذاك دورًا حاسمًا في التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في نوفمبر 2012.
مع تراجع الحديث عن عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين، ألا تعتقدون أن عملية السلام أصبحت ميتة، ويجب دفنها لترقد في سلام؟
– أعتقد أن عملية السلام كانت معيبة من بدايتها؛ فليس من الممكن أن نتوقع أن يولد سلام دائم وعادل من إطار دبلوماسي تلعب الولايات المتحدة فيه دورًا مزدوجًا، يتمثل في الحليف المطلق لإسرائيل، ودور الوساطة بين مختلف الأطراف، وأيضًا التوسع الإسرائيلي في الاستيطان بالضفة الغربية وشرق القدس جنبًا إلى جنب مع الجدار العازل، وشبكة الطرق، والاستيلاء على المياه، كل ذلك يجعل من الواضح أن إسرئيل تعارض تنفيذ التوافق الدولي حول حل الدولتين الذي من المفترض أن تقوم عليه دبلوماسية أوسلو، ويجعل من الواضح أيضًا أن إسرائيل كانت تستخدم عملية السلام كطريقة لكسب الوقت للمضي قدمًا في رؤيتها القصوى للمشروع الصهيوني لتأسيس الدولة اليهودية، التي تتوافق حدودها مع المطالب التوراتية.
حل الدولتين
هل تعتقدون أن كل الحلول المطروحة مثل تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين صارت جزءًا من التاريخ ومن الصعب تحقيقها في ظل تزايد الاستيطان والتهامه المزيد من الأراضي؟
– نعم أعتقد أن مفاهيم مثل تبادل الأراضي هي الآن سراب مصمم من أجل الإبقاء على وهم الاعتراف بالحل التفاوضي، فإسرائيل ليس لديها النية للتحرك في هذا الاتجاه، ولم يكن لديها منذ عقد مضى في حال إذا كان موجودًا من الأساس.
من وجهة نظركم هل حل دولة واحدة لشعبين قابل للتنفيذ كحل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
– إسرائيل تتجه في كل الأوقات إلى جعل الدولة الواحدة أمرًا واقعًا، معتمدة على نموذج الفصل العنصري والهيمنة التمييزية، لكن نموذج دولة واحدة يعتمد على المساواة بين الشعبين غير مقبول أبدًا من الرأي العام الإسرائيلي؛ لأنه يستلزم التخلي عن الهدف الصهيوني الأساسي من التخلي عن إقامة دولة يهودية، ولهذه الأسباب فإن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع، وتم اختياره من قبل البريطانيين والأمم المتحدة في عام 1947 حيث تم تقسيم فلسطين التاريخية بين شعبين.
قيادة ملطخة بعدم الشرعية
بالانتقال إلى جانب خبراتكم في القانون الدولي.. بروفيسور هل تخلص النظام المصري من مشكلة الطعن في شرعيته بعد انقلاب 3 يوليو بإجرائه الانتخابات الرئاسية في مصر؟
– لا أعتقد ذلك, فما حدث من إقالة رئيس منتخب، في دولة أطاحت برئيس ديكتاتوري حكم لمدة 30 عامًا؛ من شأنه أن يقوّض شرعية الحكم في البلاد، وأيضًا فقد خلق الانقلاب العسكري مناخًا سياسيًا جرّم فيه الإخوان المسلمين وهي القيادة السياسية السابقة له، ولم يستطع أعضاؤها المشاركة في الانتخابات التي تلت انتخابات 2013.
ولهذه الأسباب فإن القيادة الحالية ملطخة بعدم شرعية صعودها للسلطة، وهي انتهاكات حقوق الإنسان في ممارستهم للسلطة لسحق معارضة الإخوان المسلمين، والطريقة التي تم بها إجراء الانتخابات.
تكلمت سابقًا عن دور العنف في صراعات الانعتاق نحو الحرية، في مصر حاليًا أحداث عنف ضد منشآت حكومية يصفها من يقومون بها بالنوعية، وتصفها الدولة بالإرهابية، مبررة من يقومون بها أنهم يريدون التخلص من الحكم العسكري، هل يوجد وضع مماثل تاريخيًا وما وجهة نظرك في مثل هذه الطريقة لمواجهة الحكم العسكري؟
– التاريخ به العديد من نماذج المقاومة الشعبية التي تحولت إلى العنف وبشكل خاص عندما تكون الحكومة قمعية تجاه مجموعات المعارضة، ومن أمثال ذلك الثورة الكوبية التي أتت بكاسترو إلى الحكم عام 1957، والثورة الساندينية في نيكاراجوا.
فغالبًا ما تتجه الحكومات إلى تصوير أي تحدٍ عنيف لها في صورة عمل إرهابي، وهذه الطريقة لإزدراء المعارضة – بهدف الخفض من رصيدها لدى الشعب – معروفة ومنتشرة، إلا أنه في الشرق الأوسط جذب وصف الحكومات للأعمال العنيفة ضدها بسبب القمع التي ترتكبه اهتمامًا واسعًا، بسبب وصف إسرائيل النضال الفلسطيني المسلح ضدها بـ “الإرهاب” وبشكل خاص فيما يتعلق بحماس، كما أصبحت تلك الادعاءات ذريعة للقمع في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد الولايات المتحدة عام 2001.
خطوات تقويض النظام
الدولة في مصر حاليًا تقمع بشكل عنيف المعارضة المتمثلة في جماعة الإخوان وتقتل العديد منهم خارج نطاق القانون كما تزعم مؤسسات حقوقية دولية والقضاء المصري كذلك وفقًا لهذه المؤسسات “هيومان رايتس ووتش، والعفو الدولية” صار مسيسًا؛ ما الذي يمكن أن يقوم به أهالي الضحايا قانونيًا للحصول على حقوق أبنائهم؟ وهل يمكن الاعتماد على تلك المؤسسات للحصول على الحقوق المسلوبة؟
– هذا صعب؛ لكن يبقى مهمًا أنه يحق لأي حكومة وقع أحد مواطنيها ضحية أن تطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الشكاوى المقدمة ضد الحكومة المصرية، وبالرغم من أن مصر ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، فإنه من الممكن أن يتم التحقيق في سلوك الحكومة المصرية ويتم إصدار مذكرة توقيف، وبالطبع فإن مصر لن تتعاون مع المحكمة عن طريق تقديم الشهود والأدلة، لكن من الممكن تقديم أدلة قوية وخاصة في ضوء النهج المعترف به علنًا ضد الإخوان المسلمين.
المؤسسات القانونية الدولية والأنظمة القانونية الغربية هل تصلح للاعتماد عليها في مواجهة تقويض شرعية نظام السيسي ونزع الشرعية القانونية عنه؟
– نعم؛ من الممكن أن يتم استخدام نظام الأمم المتحدة للطعن في شرعية نظام السيسي، وإذا تم ذلك بالتعاون مع حكومة دولة عضو بالأمم المتحدة سيكون الأفضل والأكثر كفاءة، وهناك العديد من الخيارت التي يمكن وضعها في الاعتبار ومنها:
– أن تقدم الجمعية العامة للأمم المتحدة طلبًا إلى محكمة العدل الدولية لتقييم سلوك الحكومة المصرية بالتوافق مع القانون الدولي.
– أو الضغط من أجل تحريك القضية في مجلس الأمن؛ لفرض عقوبات دولية، أو توجيه اللوم إلى النظام في ضوء الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ ولكنها تبقى مسألة إرادة سياسية وتطرح المزيد من التساؤلات عمّا إذا كان ينبغي للأمم المتحدة أن تتدخل بين الدولة ومواطنيها في حال تهديد السلم والأمن الدوليين.
– المبادرة الأخرى الفعالة في رفع الوعي هي تنظيم “المحاكمات الشعبية التي تسمع الأدلة عن السلوك غير العادل للحكومة المصرية.
تلك المحاكمات استخدمت لرفع الوعي تجاه السلوك غير القانوني والإجرامي لإسرائيل فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، حيث كانت هناك محاكمة شعبية في اسطنبول عام 2005 قامت بفحص اتهامات العدوان وجرائم الحرب ضد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وكيف يمكن إنجاح تلك المحاكمات الشعبية؟
– من المهم أن يكون لديك التمويل الكافي، والقدرة التنظيمية؛ لإحضار شخصيات دولية بارزة للعمل كأعضاء في هيئة محلفي الضمير، وأن يكون لديك المقدرة لتقديم الشهود الذين ارتكبت في حقهم تلك الانتهاكات إلى هيئة المحلفين تلك.
القضاء المصري والربيع العربي
القضاء المصري المسيس هل يشكل خطرًا وجوديًا على نظام السيسي، وهل يمكن تشبيهه بقضاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؟
– انطباعي هو أن القضاء المصري كان تهديدًا لحكومة مرسي، لكنه يتوافق – حاليًا – مع نظام السيسي؛ بسبب صلاته بالحقبة المباركية، وتم تسييسه لكي يخدم الدولة بشكلها الحالي.
كيف ترى الربيع العربي بعد قرابة 4 أعوام، هل انتهى تمامًا وتم القضاء عليه في مصر وسوريا واليمن وليبيا؟
– لقد أعطى الربيع العربي تأكيدًا قويًا على تمسك دول الربيع الواسع والعميق لحكم أكثر عدلًا وديمقراطية، لكن بخلاف الثورة الإيرانية” 1978-1979″ لم تقض تلك الانتفاضات على البنية الاقتصادية والسياسية للاستبداد، وإنما قضت فقط على الزعيم وحاشيته المباشرة، وعلى هذا النحو استمر النظام القديم، واستعد للدخول في أشكال مختلفة من الثورة المضادة، وتعد مصر أهم وأوضح الأمثلة لهذا النمط من الثورة المضادة، وهذا النمط صحيح أيضًا في سوريا وليبيا واليمن مع بعض الاختلافات.
التنبؤ بالمستقبل صعب
ماذا عن توقعاتك للمستقبل؟
– في رأيي أن رد فعل الثورة المضادة ضد ثورات 2011 ليس نهاية العملية السياسية، وذلك بالرغم من أنه من المستحيل أن أتنبأ بما سيحدث بعد ذلك، فهناك مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة السياسية إقليميًا ودوليًا والتي تسعى إلى تحقيق أهداف استراتيجية تشمل السعي إلى قاعدة استقرار سياسي استنادًا إلى قمع جميع الاتجاهات الديمقراطية، وإذا كانت السياسة التحررية من الممكن أن تظهر من مرجل الصراع والاضطراب الحالي؛ فإنه من المستحيل أن نتنبأ بما سيحدث في المستقبل.