شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

اسمها تفريعة واسمهم عسكر

اسمها تفريعة واسمهم عسكر
اسمها تفريعة، الأرقام تقول ذلك، المساحات، النسب، تفريعة، ليست قناة، لكنهم مصرون أنها قناة، يخبرك أحدهم إذا بادرته بأنها تفريعة بأنها قناة يا خاين يا عميل، ما الذي يجعل من الخلاف حول اسم مسطح مائي معيارًا للوطنية من عدمها؟

اسمها تفريعة، الأرقام تقول ذلك، المساحات، النسب، تفريعة، ليست قناة، لكنهم مصرون أنها قناة، يخبرك أحدهم إذا بادرته بأنها تفريعة بأنها قناة يا خاين يا عميل، ما الذي يجعل من الخلاف حول اسم مسطح مائي معيارًا للوطنية من عدمها؟، ذلك لأن كل نصيب المنجز من الوجود الفيزيائي هو اسمه فحسب، لا يتجاوز حلوق المتحدثين عنه وبه، دوال دون مدلولاتها، هذه هي تجربة منجزات الجنرال المدني، من أول خلعه للباس العسكري وارتدائه للبدلة والكرافت كدليل كاف ووحيد على تحوله من عسكري إلى مدني، وحتى وضع لافتة قناة السويس الجديدة على مجرى مائي يشبه حقيقة لا مجازًا بعض الترع التي تروي قرى بسيطة في دلتا مصر.

لماذا يكذبون؟ سؤال الكذب يحتمل أكثر من “تفريعة”، أخبرونا أيام مبارك أن “توشكى” هو مشروع القرن، عبور جديد، هرم رابع، شريان للحياة، يومها قال مبارك إنه يتطلع أن يقول عنه التاريخ إنه قدم شيئًا حقيقيًا لمصر، ثم أطلق إشارة البدء لما أسماه الإعلام المصري وقتها الانفجار الذي أبهر العالم، ثم آل كل ذلك إلى لا شيء، “حتة مقطوعة”!

يجادل البعض بأن أمر اليوم مختلف، السيسي مختلف، الأدلة كثيرة، مثلًا: العاصمة الإدارية الجديدة، المليون وحدة سكنية، شبكة المواصلات التي ستغطي مصر كلها في عام واحد، جهاز علاج الإيدز، وفيروس سي، كل هذه أدلة دامغة على أن السيسي مختلف فعلًا، السؤال: مختلف عن من؟

أخبرونا أن المصريين أبهروا العالم، دائمًا يخبروننا أننا أبهرنا العالم، فيما لم نسمع العالم يخبرنا أننا أبهرناه، سوى مرة واحدة، بعد ثورة يناير ورحيل مبارك، رأيناهم بأعيننا، وسمعناهم بآذاننا، وهم يتحدثون عن المصري المعجزة، ودون ذلك لم نر شيئًا، لكنهم تولوا عنا الرؤية وأخبرونا، إي نعم، أبهرنا العالم، لماذا؟ لأننا حفرنا القناة في عام واحد، المصريون فعلوها، وحدهم، إنجاز مصري خالص، مئة في المئة، إنجاز، إعجاز!

أمس الأربعاء، (5 أغسطس 2015) نشرت السفارة الهولندية على موقعها هذا الخبر:

“تترأس وزيرة البنية التحتية والبيئة، ميلاني شولتز فان هاخن، وفدًا هولنديًا رفيع المستوى، للمشاركة في حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، يضم الوفد مسؤولين رفيعي المستوى من وزارتي الخارجية والبنية التحتية والبيئة، بالإضافة إلى سفير هولندا في مصر، خيرارد ستيخس.

وتفخر هولندا بإسهامها في هذا المشروع، من خلال الشركتين الهولنديتين بوسكالس وفان أورد، واللتين عملتا في إطار تحالف ضم شركة الجرافات البحرية الوطنية الإماراتية، وشركة جان دونيل البلجيكية، وقامت الشركات المشاركة في التحالف بأعمال التكريك في القناة الجديدة بطول 35 كيلو مترًا لتكون موازية للقناة القائمة محققين رقمًا قياسيًا برفع 200 مليون متر مكعب من الرمال والطمي والصخور في أقل من تسعة أشهر، كما شملت الأعمال التي يتم تنفيذها تكريك قناتي خدمات وقناتي عبور، بحيث تربط قناة السويس الجديدة والقائمة“.

إذن؛ المصريون فعلوها، في عام واحد، وحدهم لا شريك لهم، فقط ساعدهم الهولنديون، والبلجيكيون، والإماراتيون، … معجزة بالفعل، قدرتنا على الادعاء معجزة.. معجزة!

أخبرونا أن خلط الدين بالسياسة هو من فعل الخوارج والملاعين، وزير الأوقاف أخبرنا بذلك، موقع جريدة “المصري اليوم” نشر الاثنين الماضي 3 أغسطس الجاري، خبرًا بعنوان:

” خطبة الجمعة: قناة السويس الجديدة كحفر خندق غزوة الأحزاب بقيادة الرسول”

وجاء في الخبر:

“وزعت وزارة الأوقاف خطبة جمعة موحدة عن قناة السويس الجديدة، وافتتاحها، على جميع الأئمة، مطالبة بالالتزام بها، ومهددة بمحاسبة غير الملتزمين“!

وشبهت الخطبة الموحدة مشروع قناة السويس الجديد بحفر الخندق في غزوة الأحزاب بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، معتبرة أن القناة الجديدة فتح من الله تعالى لمصر، وإيذان بانتصارها على أعدائها، وأنها لا تقل عن عبور خط بارليف في حرب أكتوبر 1973 المجيدة (هكذا جاء في الخبر بالنص: عبور خط بارليف!).

أخبرونا أن القناة سوف تحول مصر إلى ارتكاز ملاحي وتجاري ولوجستي عالمي، وأنها سوف تدر عليها مليارات الدولارات، وأن أبواق بواخر العالم، و”زماميرها” سوف تدق فرحًا، فيما يخبرنا خبراء الملاحة في كل مكان في العالم بأن التفريعة الجديدة مجرد مشروع دعائي، استعراضي، لا طائل من ورائه، ولا يهدف إلى شيء سوى تلميع صورة الجنرال، بالإضافة إلى أن الناقلات بين الأمريكتين وآسيا، تنتظر بشغف توسعات “قناة بنما”؛ لأنها ستكون أكثر فائدة!

العالم يسخر منا، فيما تخبرنا قنواتنا “كلها”، وإذاعاتنا، والإذاعات الداخلية لمحطات السكك الحديدية، ومترو الأنفاق، والهايبر ماركت، حصار إعلامي، يوشك أن ينزل مع الماء من الصنابير، الجميع يخبرنا، ويلح في ذلك، أن “مصر بتفرح” كأن الفرحة، إن وجدت حقًا، تحتاج إلى كل هذا التنبيه للالتفات إليها، إذاعة القرآن الكريم جاءت بمنشدين، ومبتهلين، ليتغنوا بالفتح الجديد، والعبور الجديد، والدين الجديد، والرسول الجديد، وربما الزمن الجديد، والكون الجديد، لم لا؟

يخبرني أحد المعلقين على حسابي الشخصي على فيس بوك أن “مصر بتفرح”، الهاشتاج الذي أطلقته الصفحة الرسمية للجنرال عبد الفتاح السيسي، والتقفته من بعد قنواته ونوافذه الإعلامية، هو أكثر التعليقات كوميدية، مجرد أن يتصور أحدهم أن باستطاعته أن يصنع فرحة المصريين بمجرد ادعائها، كما صور له خياله بأنه شق قناة سويس جديدة بمجرد ادعائه، فهذا هو الأكثر مسخرة على الإطلاق.

لماذا يغضبون من الحقيقة؟، لماذا يكذبون على الحقيقة؟، لماذا يصرون على الغضب، والكذب، ومن ورائهما عبث لا ينتهي؟ ذلك لأنهم ببساطة “عسكر”.

اسمهم عسكر.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023