شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

عن حقن الثورة بجرعات الوهم

عن حقن الثورة بجرعات الوهم
قد ينجح الأرز في تعويم نظام فاسد مؤقتًا، لكنه لا يمنح وطنًا، ولا يصنع استقرارًا، وكما أنه ليس بالأرز وحده تُبنى الأوطان، فإنه لا توجد ثورة في العالم، تنتظر حلًا أو دعمًا من أهل المنح والعطايا والمساعدات، وبكلمة واحدة:

قد ينجح الأرز في تعويم نظام فاسد مؤقتًا، لكنه لا يمنح وطنًا، ولا يصنع استقرارًا، وكما أنه ليس بالأرز وحده تُبنى الأوطان، فإنه لا توجد ثورة في العالم، تنتظر حلًا أو دعمًا من أهل المنح والعطايا والمساعدات، وبكلمة واحدة: هناك فرق هائل بين تسوية الأرز وحرق الثورات.

جاء ولي ولي العهد السعودي، وجاء وزير الخارجية الأميركي، لمنح عبدالفتاح السيسي مزيدًا من الصور واللقطات، التي يجيد استخدامها في إعطاء المخدوعين في معجزاته جرعات إضافية من المخدرات، فيتمايلون ويتراقصون ويغيبون أكثر عن الوعي، أمام هذه “الفيوضات” المنهمرة من الخارج.

كأنك أمام مشهد من أرشيف أنور السادات، حين أدار رؤوس المصريين بوعد الرخاء والرفاهية، كي يشتري صمتهم على خطيئة التصالح مع العدو الصهيوني، المحتل للأراضي العربية.

وقد عبّر عبدالرحمن الأبنودي (عندما كان لا يزال أبنوديًا)، عن تلك الحالة من الهلوسة القومية شعرًا، حين كتب:

احقنها بحلم..

لو اتحقق.. إحنا اللي نموت

الحلم الأفيون الوهم

اللي بلا شحم ولحم

كلمها عن أموال جايّه..

وبنوك وبيوت

وصحارى خضرااااا

وازرع شجرة تطلع في الكاميرا

وقبل ما تمشي.. تموت.

واتصوّر ماسك بيضة

أو بتبوس بقرة أو تصطاد حوت.

لا تختلف تفاصيل هذه الصورة التي رسمها الأبنودي شعرًا، قبل عقود، عمّا تفعله ماكينة عبدالفتاح السيسي الإعلامية الآن؛ إذ تنشر لقطات مصورة بمعرفة القمر الاصطناعي لحركة سحب المليارات التي ستنهمر على مصر، ابتداءً من 6 أغسطس، وترصد موسم تكاثر القنوات وتوالد التفريعات، وتراقص السفن في مياه السويس.

ولكي تكتمل الصورة، يأتي جون كيري، ليشيد بعبقرية عبدالفتاح السيسي (الكهربائية) ونجاحه في التغلّب على أزمة انقطاع التيار، تلك الأزمة التي لم تصبح حديث الناس في مصر، إلا بعد ثورة يناير، وتسلّط الحكم العسكري، ثم يقف الوزير الأميركي صامتًا، مستمتعًا بابتلاع أكاذيب الجانب المصري عن نهر الديمقراطية الذي يتهادى على أرض مصر، فلا صحفيين معتقلين، ولا سجون، ولا قتل خارج القانون، ولا تصفيات ولا اختفاء قسريًا.. لا شيء هناك سوى الحرب على الإرهاب.

لم تكن الأطراف الراعية للانقلاب، منذ البداية، أكثر انكشافًا، ممّا هي عليه الآن، ولم يعد مفيدًا أو مجديًا أن نضيع الوقت والجهد في تبيان ما هو بيّن، غير أنها مناسبة لكي يتفحّص الذين روّجوا حلولًا قادمة، داخل أكياس الأرز، ملامحهم، ويتبيّنوا مواقع أقدامهم، وأقدام الحراك الثوري الآن.

في هذه اللحظة، لا بد من فرز حقيقي، في الجبهة المناوئة للانقلاب، وليس أقل من أن يعتذر الذين خدّروا الناس وثبّطوا هممهم، بكميات هائلة من المهدئات والمسكّنات العميقة، بادّعاء الاتصالات مع كل الأطراف، وانتحال صفة البديل الذي يعرف، لكنه لا يريد أن يفصح، أو هؤلاء الذين ضُبطوا يمارسون عمليات الإحماء على جنبات الملعب، بين العرض كله ليس أكثر من “فوتوشوب” أو لعبة “بلاي ستيشن”. ولم يكن لذلك كله من نتيجة سوى أنهم منحوا عبدالفتاح السيسي ونظامه هدوءًا في شوارع الغضب، وألزموا قطاعًا من الثائرين بيوتهم، انتظارًا لقدوم “بابا نويل” وفي يده الحرية والديمقراطية والخلاص من الذين انتزعوا الهتاف من الحناجر، والحلم من القلوب والأمل من العيون.

أفضل ما يصنعه مقاومو الانقلاب في الداخل الآن هو ألا يلتفتوا لكثير ممّا يدور في الكواليس والدهاليز من عمليات “سمسرة على الغضب”، تساعد سلطة الانقلاب، بتبريد الغضب وتخدير الثورة بأقراص من الكلام المنمّق، والوعود التي لا تختلف كثيراً عمّا تحدث عنه عبد الرحمن الأبنودي في الأبيات المنشورة أعلاه. 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023