في النقاط العشرين التالية، نستعرض خلاصة دراسة مقارنة، بين فرص نجاح النهج السلمي، والعمل المسلح، في الحالة المصرية:
• الخبرة المصرية: إذا كان الاختيار بين طريقتين: إحداهما قد جُربت بالفعل، ونجحت -ولو نسبيًا- (السلمية: في 25 يناير)، والأخرى لم تجرب، أو جُربت على نطاق ضيق، وأثبتت فشلها تمامًا (العمل المسلح: تجربة الجماعة الإسلامية والجهاد في التسعينيات)، فكيف نختار المجرب على المجهول؟!
• هل فشلت السلمية؟ كيف يمكن الحكم بفشل السلمية، وهي لم تستنفد كل وسائلها بعد؟ وإذا كانت وسائل مثل الإضراب العام والعصيان المدني، لم تستعمل حتى الآن؛ لأن الاستجابة الشعبية لها ضعيفة حاليًا؛ فكيف نتوقع دعمًا شعبيًا للعمل المسلح، وهو أكثر كُرهًا لدى الجماهير؟!
• عامل الوقت: من ينادون بالعمل المسلح يظنون أن فيه اختصارًا للوقت، وليس على هذا أي دليل عملي أو تاريخي.
• حسابات الفشل و النجاح:
• الثورة (السلمية) يمكن التنبؤ بنتائجها، حتى في حال الفشل: (قمع أمني رهيب؛ يشمل اعتقالات، إعدامات، واغتيالات لقيادات العمل الثوري- كما يحدث في مصر حاليًا). ويمكن التغلب على فشل هذه المرحلة، من خلال تصعيد قيادات بديلة، لمواصلة الكفاح. أما (العمل المسلح) فلا يمكن التنبؤ بمخرجاته -على وجه اليقين- حال الفشل؛ (حرب أهلية- تقسيم البلاد- أو إبادة كاملة للطبقة التي تحمل فكرة الثورة “المسلحين”).
• أما في حال النجاح؛ فإن الإحصائيات تشير إلى أن الثورات السلمية، غالبًا ما تُنتج مؤسسات ديموقراطية، أو شبه ديموقراطية (ثورات أوروبا الشرقية مثالًا). أما الثوارت المسحلة، فتنتج في أغلب الأحوال، ديكتاتوريات، ربما أشد من تلك التي قامت عليها الثورة (ثورة كوبا مثالًا).
• الطبيعة الجغرافية والسكانية في مصر: التضاريس في معظم المحافظات الرئيسية والمهمة في مصر لا تقدم الحماية لمجموعات قتالية ناشئة، مما سيدفع بالصراع إلى مناطق حدودية معزولة. أضف إلى ذلك أن الكثافة السكانية الكبيره في العاصمة، والمناطق الرئيسية في البلاد، قد تؤدي إلى زيادة رهيبة في أعدد الضحايا؛ بما لا يمكن تبريره أو قبوله شعبيًا.
• بين العزل والاندماج: العمل المسلح يتطلب عزل/ انعزال الثوار عن باقي مكونات الشعب (طبيعة المعارك). ويترتب على هذا الانعزال خسائر كثيرة؛ منها انحسار الإيمان بفكرة الثورة بين الأغلبية.
• تفويت الفرصة: إدراك كيف يفكر الخصم جزء أساسي في إدارة الصراع. وقد علق نظام السيسي من أول يوم في انقلابه لافتة (مصر تحارب الإرهاب)؛ وقدم هذا الخطاب، كمسوغ لقبوله داخليًا وخارجيًا. وفي هذا أكبر دليل على رغبته الجامحة لجر الإسلاميين للعنف (وربما لأنه أقدر على مواجهة العمل المسلح من العمل السلمي).
• مكونات الثورة: العمل المسلح يباعد بين فصائل ومكونات الثورة؛ حيث التنازع على مناطق النفوذ، ومصادر المال والسلاح. أضف إلى ذلك اللجوء لحسم الخلافات السياسية، والأيديولوجية بالسلاح بدل الحوار (الحرب بين مكونات الثورة السورية كمثال).
• خلط الأوراق: يمكنك أن تعلن العمل المسلح، ولكن يستطيع النظام أن يُدخل معك ألف فصيل مسلح آخر، ويصنع ميلشيات كثيرة؛ تتقاتل فيما بينها، وتهدر كل إنجاز للثورة (مثال داعش التي تحرر المحرر في سوريا). يستطيع النظام أن يستثمر هذه الفوضى ويدير المشهد لصالحه.
• ضحايا السلمية: كما أن للسلمية ضحايا، فإن للحرب ضحايا أكثر بكثير، ولكن الفرق هو؛ أنه كلما زاد ضحايا السلمية زادت شريحة المتعاطفين معها في الرأي العام المصري، والعالمي. بينما يغيب التعاطف الشعبي تمامًا في حالة النزاع المسلح. ويجب العمل على هذا من خلال مسارين:
• تنمية الحاضنة الشعبية للثورة.
• شيطنة النظام: سقوط النظام أخلاقيًا أمام شعبه، له أبلغ الأثر على نجاح الثورة (داخليًا وخارجيًا).
• دفع الثمن مرتين: كيف تبدأ حربًا لديك فيها أربعين ألف أسير مقدمًا؟
لا شك أن الثوار السلميين في مصر (وفي القلب منهم الإخوان) قد دفعوا كثيرًا من ثمن النهج السلمي، حتى اللحظة. وقد لا يكون من الحكمة أن تدفع ثمن السلمية كاملًا، ولا تصبر عليها، ثم تذهب لتدفع ثمن العمل المسلح من جديد. فتكون قد دفعت الثمن مرتين؛ دون أن تحصل على أية نتيجة.
• استثمار الحرب:
السلمية تمنع النظام من استثمار الحرب؛ فالعمل المسلح وأخبار المعارك، تمنحه عدة مزايا؛ منها:
• شرعية البقاء لحماية أنصاره.
• إسكات صوت المطالب الفئوية، والطبقات المطحونة، بحجة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
• استغلال أي حادث/ كارثة طبيعية، كمبرر لبقاء النظام (هذه الحوادث تصب في صالح الثورة، حال السلمية).
• انتعاش تجارة السلاح، والدواء، والغذاء، وانحسارها بين رجال النظام والموالين له.
• الدعم الدولي غير المشروط، سياسيًا، ودبلوماسيًا وماديًا (بالمال والسلاح).
• جبهات المواجهة: جبهات العمل السلمي أكثر بكثير من جبهة العمل المسلح الواحدة؛ فالعمل السلمي يفتح الباب للحراك الطلابي، والعمالي، والنقابي، والنسائي، بل حتى العمل الفني والكوميدي؛ بحيث تشارك كل فئات المجتمع في الثورة. أما في حالة العمل المسلح، فلا ينخرط فيه إلا فئة محدودة من المدربين والقادرين عليه. وهذا يفرغ جبهات عديدة للنظام، ويوفر عليه طاقات كثيرة.
• الدولة العميقة: الزعم بأن (السلمية) لا تستطيع القضاء على الدولة العميقة صحيح؛ ولكن الحقيقة تقول إنه، حتى الثورة المسلحة قد لا تنجح في ذلك. ولنا في ليبيا (أنجح الثورات العربية) خير مثال، فقد استطاع أنصار القذافي إعادة تنظيم أنفسهم والسيطرة على البرلمان -عبر انتخابات- ثم تكوين جيش موالٍ لهم (جيش حفتر والقبائل). والحق أن القضاء على الدولة العميقة عملية “طويلة”، تتطلب معادلات سياسية واجتماعية معقدة.
• كيان الدولة: الحرب الأهلية تمزق الجيش وأجهزة الدولة، وتهدم معظم المرافق، وتدمر مكونات البنية التحتية (وربما تهدم كيان الدولة من الأساس)، بينما السلمية -وإن أضعفت هذه المؤسات وأنهكتها- إلا أنها تُبقي عليها، حتى يستفيد بها النظام الجديد بعد نجاح الثورة.
• الحفاظ على سياق الثورة: النهج السلمي يعني بالضرورة الحفاظ على مسار ثورة 25 يناير. ولهذا مميزات:
• رسوخ مبررات قيام ثورة 25 يناير في العقلية الجمعية للشعب المصري. وهذا يوفر على الثوار مهمة إقناع الشعب، بمبررات قيام ثورة أخرى جديدة.
• شعور كل مكونات الشعب المصري بأنها شريك في ثورة 25 يناير؛ مما يجعلها أكثر قبولًا لفكرة “استكمال” أهداف الثورة، فضلًا عن فكرة القيام بثورة جديدة (خصوصًا إذا كانت ستسيل فيها دماء كثيرة).
• على المستوى الدولي؛ فإن العالم يتفهم أسباب قيام ثورة 25 يناير. ويمكن الاستفادة من ذلك في إدارة العلاقات الدولية للثورة.
• إضافة إلى القبول الشعبي، فإن الحفاظ على السلمية، يزيد من فرص انضمام قوى مؤثرة (أفراد وتيارات) إلى معسكر الثورة (قد تشمل بعض أجنحة النظام أحيانًا).
• وجود أهداف محددة لثورة يناير؛ يسهل مهمة الوصول، إلى توافق/ تحالف سياسي، بين أطياف مختلفة و متناقضه أيديولوجيا (شبيه بما حدث أول الثورة). وهذا ضد طبيعة العمل المسلح.
لهذه الأسباب، فإن قيادات الإخوان قد أحسنت صنعًا في عدم الانجرار إلى دعاوى ما يسمى بـ”الثورة الإسلامية”، رغم إغرائها لقطاع واسع من الإسلاميين.
• لعبة التمدد في الفراغ: السلمية تضع النظام بين خيارين أحلاهما مر؛ فإما فتح المجال السياسي حتى يستقر له الأمر، و إما غلقه مع بقاء حالة عدم الاستقرار (يخشى النظام من إجراء انتخابات برلمانية حتى الآن). السلمية تمكن القوى الثورية من التمدد في أي هامش طارئ للحريات، واستغلاله لصالح الثورة. وإلا فيبقى الحال على ما هي عليه. بينما العمل المسلح يرفع عن كاهل النظام عبء إيجاد حياة سياسية، وحريات.
• من يملك قرار الهدنة: قد يلجأ الثوار إلى تهدئة لفترة قصيرة (لالتقاط الأنفاس)، دون أن يحرز النظام تقدمًا يذكر. ولكن، لا يستطيع الطرف الأضعف في الحرب، أن يعلن تهدئة من جانب واحد (ستسمح للنظام بسحقه).
• متى تبدأ المفاوضات: أي صراع، لا بد أن ينتهي بنوع ما، من التفاوض بين الأطراف المتنازعة (وهي مرحلة متأخره في الثورات عمومًا). والعمل المسلح، يدفع بالتفاوض إلى مراحل متأخرة جدًا في الصراع، (ربما بعد انهيار كل شيء).
• القوة المطلوبة؛ متى وكيف؟ مقولة: “لا توجد ثورة في التاريخ إلا وحسمتها القوة؛ صحيحة”. ولكن القوة المقصودة هنا لا تكون إلا في مرحلة “الحسم” الأخيرة. والهدف من استعمال القوة في هذه المرحلة، هو فقط لنزع أدوات الحكم من أيدي العصابة الحاكمة وتسليمها للشعب (السيطرة على مؤسسات الدولة). وهذا مختلف تمامًا عن تسليح الثورة.
وفي الختام.. توصي هذه الدراسة بالحفاظ على النهج السلمي -كإطار عام- للثورة المصرية، مع التطوير المستمر لأدوات الحراك. (ولمن أراد مزيدًا من الشرح لهذه النقاط العشرين، يرجى الاطلاع على البحث المنشور على ساسة بوست بعنوان: (دراسة مقارنة: فرص نجاح السلمية والعمل المسلح في مصر).