الخلاف قائم، والتضامن شرطه الخلاف؛ لأننا بالفعل مختلفون، مفاهيم الدولة، والدين، والحريات، والحقيقة، كلها مثار خلاف، جذري، أو جزئي، إلا أن قضية واحدة لم نختلف فيها يومًا تجعل من التضامن شرط الخلاف الأخلاقي، ألا وهي العدل.
حسام أبو البخاري، التقينا مرة واحدة في نقاش على الشاشة، حول السلفية، قبل الانقلاب، اختلفنا، لكنه لم يسِئْ لي مرة واحدة طوال ساعة كاملة، مختلف، بعد الحوار سألته عن رأيه في حزب النور، قال كلامًا سلبيًا، أدهشني، إلا أنه راهن على التجربة، وقال إن ثمة غربلة وفرز قادمين، ولن يظل أمثال (فلان وعلان) في صدارة المشهد طويلًا، المستقبل لن يحتملهم.
ليس صديقي، ولا هو رفيق نضال، ناضلت مع فريق آخر، هو الآخر فعل، لكنه الآن معتقل، ظلمًا، يعاني، دون نصير، أبو البخاري إسلامي، وهم أعجز خلق الله في “الميديا”، وأقلهم دربة وكفاءة في صناعة الرأي عام، أو توجيهه، حتى وهم في الحكم، ولهذا لن تجد لحسام بواكيا، وأولى بمن يفعلون من رفاقه أن يسكتوا، أو يتعلموا، فهم يضيفون كل يوم لرصيد التعاطف مع سجانيه، وماذا بعد؟
أسرة الدكتور حسام أبو البخاري أصدرت بيانًا تشكو فيه إلى ربها ثم إلى العالم الحر، ومنظمات حقوق الإنسان، ما يتعرض له في المعتقل من إذلال وتعذيب نفسي، حسام مسجون في سجن العقرب، شديد الحراسة، زنزانة وبطانية “ميري”، هذا هو كل شيء، سحبوا منه كل متعلقاته الشخصية، حتى ملابسه، سحبوها وألبسوه ملابس السجن القذرة، إمعانًا في إذلاله، يوميًا وجبة طعام فاسدة، وهو طبيب، حكمه عليها أنها لا تصلح للاستهلاك الآدمي، يرفضون أن يأتي أهله له بطعام، يرفضون دخول الكتب الدراسية، لديه امتحانات دراسات عليا، ممنوع من المذاكرة، ممنوع المشي، حتى المشي، مثل باقي السجناء، ممنوع، ملازم لظلمة زنزانته 24 ساعة، لا يخرج، أسرته ممنوعة من زيارته، طفلته الصغيرة ممنوعة من رؤية أبيها، كل ذلك بالمخالفة للقانون، في سجن العقرب.. القانون ممنوع!
في محاولة لتخيل ما يحيق بحسام الآن، يمكنك أن تضع خطاباته على منصة رابعة عن عساكر مبارك، أمام تصرفات الدولة المنحطة التي تعتقله بإزاء قضايا أخف، ورغبتهم المحمومة في الانتقام والكيد على طريقة راقصات بارات الدرجة الثالثة، تعيين الزند وزيرًا للعدل ردًا على حملة حقوقية للنيل من سابقه؛ بسبب تصريحاته حول عدم إمكانية دخول أبناء عمال النظافة لسلك القضاء، جاءوا بمن يرى أن تعيين أبناء القضاة زحف مقدس لن يستطيع أحد إيقافه، ويتحدث إلى المصريين بلغة الأسياد والعبيد، اسم هشام بركات النائب العام أطلقوه على ميدان رابعة، نجله ممثل للنيابة في محاكمة محمد مرسي، الوقائع المشابهة لا تنتهي، تكشف عن نفوس مريضة، أولى بها المصحات النفسية، لا كراسي الحكم، والسلطة!
أبو البخاري قال عن هؤلاء إنهم لصوص، يحتكرون دورة الاقتصاد المصري، لا يسمحون لأحد بالاستثمار في أي شيء قبل المرور عليهم، ينوبون عن قوى الاستعمار في احتلال بلادهم، بالإضافة إلى إشارات واضحة إلى عمالتهم.
سقط حسام أبو البخاري مصابًا بطلق ناري في فكه، ظنه البعض مقتولًا، قبضوا عليه، التصرف الطبيعي أن يأخذوه إلى المستشفى، أخذوه إلى المعتقل، وهو على هذه الحال، يمكنك أن تتصور باقي السيناريو، يمكنك أيضًا أن تكذب كل شيء وتهتف للدولة العظيمة التي يفتري عليها الإسلاميون الأشرار، يمكنك أن تسكت حتى يتحول إلى الشهيد حسام أبو البخاري، وعندها تذرف الدمع، وتضع “لايك” على صفحة نعيه، وتمضي، كما يمكنك أن تتجاوز خلافك معه الآن، وتشارك مع آخرين في المطالبة بحقوقه، قد يكلفك ذلك دقائق، لكنه لن يكلف حسام حياته.. أو هكذا أتصور.