رسالة إلى ابنتي: كيف انتهى بيَ الحال سجينًا ؟
في إحدى تلك الزيارات الخاطفة التي أتيت إليّ فيها أنتِ ووالدتك، وكنتِ مستلقية كالأميرة في عربتك تلعبين بدميتك الصغيرة وبحركاتك النشطة ونظراتك التي تشاغلين بها من حولك فلا يستطيع أحد ممن يتلقى هذه النظرات أن يحوّل نظره أو قلبه عنكِ.
ذهبت والدتك لشراء بعض احتياجاتي من مقصف السجن وأخذت أنا أنظر إليكِ ثم بدأت أجري هذا الحوار معكِ وكان هذا نصه:
(تعرفي يا آمنة إن انا بابا؟ وإن انا بحبك؟ وإن بابا نفسه يرجع البيت عشان يلعب معاكي؟ ويشتريلك لعب وحاجات حلوة كتير)
وأخذت أتحدث اليكِ ثم أصمت وأكتفي بالنظر إليكِ ثم أتكلم مرة أخرى ثم أضحك على نفسي تارة وعلى سذاجتي بانتظارِ ردك، ولكنى فوجئت بكِ يا آمنه توقفتِ عن اللعب تماما وسكنت حركاتك واستقرت عيناكِ عندي بحنان لا يوصف وكأنه لا يوجد في هذا العالم غيري وغيرك!
هي إحدى تلك اللحظات التي يتوقف عندها الزمن.
ثم مددتِ يداكِ إلى خدي وأخذتِ تمسحين بيديكِ الصغيرتين على وجهي ..حينها يا أميرتي لم أستطع السيطرة على تلك الدمعة التي انحدرت من طرف عيني ولم تمتلك إلا اللحاق بأخواتها اللاتي تسابقن للحاق بها خوفًا من أن تراني والدتك التي لم أشعر بها إلا وهى أمامي..
وعدت بعدها يا حبيبتي إلى عنبري في سجني أفكر في سؤال بل أسئلة;
كيف استطعتِ فهمي؟
كيف وصلتكِ تلك المشاعر التي أخرستها في أصدق الحالات بين لساني وقلبي
أم يا ترى هي تلك الطبطبة الإلهية التي تجسدت فيكِ في تلك اللحظة كي تعوضينني عن تلك العلاقة المفتقدة بين أب وأولى أبنائه التي تتجلى في أول خطوة ..وأول نداء بابا. وأول حركة تحاكين بها إحدى حركاتي؟
ثم أخذني تفكيري الى تلك القوة الغاشمة التي حرمتني منكِ وحرمت الكثير غيري من شباب هذا الوطن من أحبابهم وذويهم وعن هذا الغشم وهذا الغباء الذي يحرم وطنًا وأمة من مستقبلها..
هذا الجيل الذي شعر في لحظة ما أنه أمام ميلاد جديد لوطن يعشقه. تخلى عن كل ما يشغله لبناء مستقبله الشخصي والتفت بكل كيانه لهذا البناء الجديد ومنهم أناس أعرفهم ضحوا بفرص من ذهب خارج البلاد وعادوا..
أومنهم الأكثر تهورًا وأنا منهم من ترك وظيفته التي كانت تعطله عن تواجده في ميدان البناء..
أيكون مردود هذا العطاء الصادق مطاردة واعتقال؟
ثم تسألون لماذا كفر هذا الجيل بكل شيء بل اتسعت دائرة كرهه وبغضه لكل من وقف متفرجًا على آلامه ولم يحرك ساكنًا من أنظمة وحكومات أو حتى شعوب شرقيه كانت أم غربية مما ينذر بمستقبل لن يرضي أحدًا إذا ما تعمق هذا الشعور
داخله.
أتحدث بالأخص عن المجتمع الغربي. أتحدث عن الشعوب وليس للحكومات أتحدث عن نظرة جيلنا الشرقي إلى قرينه في الغرب…
وللحديث بقية …..