قال الدكتور نادر فرجاني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ورئيس فريق تحرير تقرير التنمية العربي الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: إن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هو مؤسس جمهورية الخوف في مصر، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إعفاؤه من المسئولية عن الانتهاكات واسعة النطاق والبشعة لحقوق الإنسان في عهده.
وأضاف د. فرجاني – في تدوينة له عبر حسابه بموقع “فيس بوك” – أن عبدالناصر – مثله كجميع العسكريين – لم يكن يحترم حقوق الإنسان ولا يتقبل أصول الحكم الديموقراطي السليم، مرجعا ذلك إلى المران والتقاليد العسكرية، والتي تشكل شخصية العسكري بشكل كبير.
وتابع: “ويتصل بهذه السوءة إهدار حكم عبد الناصر لقيمة التنظيم السياسي الشعبي الديموقراطي، التي قد تعبر عن قلة إحترام متأصل لدور الشعب في السياسة على الرغم من التشدق بالشعب القائد، وخلافا لما حقق حكمه من إنجازات مبهرة على صعيد العدالة الاجتماعية، وتفرع عن ذلك تأسيسه لأرستقراطية عسكرية متميزة عن باقي الشعب تحت شعار “أهل الثقة””.
واستطرد د. فرجاني في سرد مساوئ عهد عبدالناصر قائلا: “ونأخذ عليه تأسيس “الدولة العميقة” وإطلاق يدها في المجال السياسي بما في ذلك اختراق التنظيمات السياسية والتلاعب بالحشود الشعبية لمصلحة نظام الحكم التسلطي، وعندي أن هذه الخطيئة كانت في النهاية هي سبب مقتل الناصرية وسبب تشرذم من يناصروها حتى الآن”.
وأضاف:” وقد كنت اتمني شخصيا أن يقضي عبد الناصر أواخر أعوامه، القصيرة لشديد الأسف، بعيدا عن أي منصب رسمي مُؤسسا وزعيما لحزب سياسي شعبي الجذور ديموقراطي البنية و السلوك. ولو كان اختار ذلك ما تسني لنائبه المختار-وهذه قصة أخرى- محمد أنور السادات الانقضاض على الناصرية وتحويل مصر لنقيضها من التنظيم المجتمعي الرأسمالي الطفيلي التابع للغرب واتباع طريق خيانة الغايات القومية العربية بمهادنة المشروع الصهيوني”.
ورغم هذه المساوئ، إلا أن د. فرجاني يرى أن عبدالناصر يتميز بجدارة عمن خلفوه، في عدة نواحي، وهي: أنه كان ضابطا مقاتلا، وحاصره العدو في الفالوجا عام 1948، مما رسخ لديه الوعي الوطني القومي العربي والعقيدة القتالية المناهضة للصهيونية، وشخصية المقاتل من أجل الغايات الوطنية خلال رئاسته للدولة.
وأشار إلى أن هذه الخصال خفتت بالتدريج حتى وصل إلى حكام من أصول عسكرية لم يحاربو العدو ولو لحظة، وحتى تغيرت العقيدة القتالية لقادة المؤسسة العسكرية إلى صيانة أمن الدولة العنصرية الغاصبة، إسرائيل.
وتابع فرجاني تعديد نواحي تميز عبدالناصر قائلا: “إن عبد الناصر حقق في فترات زمن قياسية القِصر، مجموعة من الإنجازات المبهرة لصالح العدالة على الصعيد المجتمعي يأتي على رأسها الإصلاح الزراعي، وغيره من إجراءات نشر التعليم والصحة بين من حرموا منها في حقب حكم سابقة، وإن شابتها عيوب. هذا بينما توفر خلفاؤه من الأصول العسكرية على ترسيخ الظلم الاجتماعي وتعميق التفاوت بين الفئات المجتمعية، بما في ذلك إهدار إنجازات حكم عبد الناصر في هذه المجالات”.
وأكد أن عبد الناصر كان على المستوى الشخصي، مستقيما ونزيها حتى أنه تُوفي مدينا، وأنه لم ينغمس في فساد يحسب عليه، مبينا أن من تلوه من حكام عسكريين حولوا الفساد إلى ظاهرة متفشية بفجور في بطانتهم وفي عموم المجتمع، وبرع في ذلك النشاط الشيطاني تحديدا اللامبارك وأهله وطغمته الفاسدة.
وقال إن الرئيس الراحل كان متفانيا في العمل لصالح الوطن والشعب، في حدود رؤيته، وزاهدا في ملذات الحياة، مضيفا: “وقد سنحت لي شخصيا فرص لحضور مناسبات اجتماعية في منزله وقت كان رئيسا لمصر، وأشهد أنها كانت متواضعة وبعيدة عن سخف البهرج الباذخ الذي استشرى بين من خلفوه من الحكام العسكريين، بدءا من السادات”.
وذكر أن من سمات عبدالناصر أنه كان بنّاءً منشئا، على حين كان جميع خلفائه هدامين ولصوصا نهابين، مشيرا إلى أن جل حكمي السادات ومبارك – وقد طال عهديهما معا لقرابة ضعف فترة حكم عبد الناصر – قد انصب على هدم ونهب ما أنشئ في عهد عبد الناصر من مشروعات القطاع العام، الذي لولاه ما نجح جهد حربي لاستعادة قناة السويس وسيناء.
وأشار فرجاني إلى أن من أهم إنجازاته كبنّاء عظيم إعادة بناء الجيش المصري العظيم من جديد بعد هزيمة 1967 على أسس مكنته من تحقيق العبور العظيم الذي أخفق السادات، في استثماره لتحرير كامل سيناء.
وشدد أن عبدالناصر حقق زعامة تاريخية في مصر والوطن العربي بل والعالم أجمع، مستشهدا على ذلك بمحاولات جميع من تولوا الحكم من بعده التقرب له ولذكراه للاستفادة من رصيده الباقي في قلوب أبناء الشعبين المصري والعربي.