بالنسبة لمشجع كرة قدم لا يهمه سواها، ولا يعنيه سوى نتائج فريقه، فإن الفوز هو أن يضحك أخيرًا، فإذا كان التنافس حول كأس، فالفوز هو الحصول على الكأس، وإذا كان التنافس حول الدوري، فالفوز هو درع الدوري، وإذا كان حول بطولة عالمية، فالفوز هو منصة التتويج، في درجتها الأعلى، وهكذا..
لم نسمع يومًا أن الفوز في مباراة كرة قدم يعني مراوغة ذكية من لاعب، أو هتاف جماهيري ينال من الخصم، أو تسديدة مبهرة، تنتزع الآهات، ثم لا يعقب ذلك أهداف تحقق الفوز لصاحب المراوغة أو التسديدة، أو لفريق الهتافين.
مع ذلك، في مصر، وفي لحظة بعينها، يقرر الجميع أن الفوز هو ما نراه نحن فوزًا، والجميع هنا ليسوا الجمهور غير الواعي، بل هم الجمهور الواعي وغير الواعي، والفرق، والأجهزة، والنوافذ الإعلامية، الجميع يعني الجميع!!
سؤال الانتصار في مصر، لا إجابة له، سوى ما يقرره المتنافسون، أو المتفرجون، أو الخائضون، وأحيانًا المهزومون، إي نعم، المهزوم هو من يحدد تعريف النصر، ويرسم حدوده ومعالمه، بل يمنحه تعريفه المهني، والوحيد، وإذا كان يعجبك !!
الجمهور الذي رضي برحيل مبارك بدلًا من سقوط النظام، وعاد أدراجه بعد 18 يومًا داميًا، بطوليًا، ضربوا فيها أروع أمثلة الإرادة الشعبية، أخبرهم أحدهم أن مبارك تخلى عن منصبه، وكلف رجاله أن يكملوا المسيرة، فعادوا من حيث أتوا، كيف، لماذا، وما معنى أن يرحل مبارك وتحكم عصابته؟ لا تعلم، ليس انتصارًا، إلا أننا قررنا أن نجعله كذلك، ربما لأن الملل أدركنا، وفي هذه الحالة الشعب يريد “أي حاجة” ويروح!!
الجمهور نفسه، اختصر بطولة الدوري كاملة في مباراة واحدة بين الأهلي والزمالك، جمهور الزمالك اعتبر الفوز على الأهلي هو “طعم” الدوري، أما جمهور الأهلي فلا يريد البطولة، ولا يريد المباراة، ولا يريد الثلاث نقاط ليتمسك بأمل ضعيف في الفوز باللقب، إنما يريد إغاظة مرتضى، رجل النظام، وصديق الجنرال، ورئيس النادي الخصم، لماذا؟ لأنه قليل الأدب!!!
الأهلي هزم الزمالك بهدفين، لم يتغير شيء تقريبًا، الزمالك الأول، الأقرب للفوز بالبطولة محل التنافس، يحتاج إلى نقطة واحدة، من مباراتين باقيتين، ومع ذلك احتفلت جماهيره حتى الصباح أمام النادي، وصرح مدربه أن اللاعبين انتصروا لكرامة النادي ورئيسه، اللاعبون الذين يوشكون على خسارة البطولة!
على الجانب الآخر، بكى جمهور الزمالك أمام الشاشات، جمهور الفريق الذي يوشك على الفوز بالبطولة، يبكون، يصرخون، لماذا؟ لأن البطولة التي توشك أن تدخل ناديهم فقدت “طعمها”… لا تحاول أن تفهم المصريين؛ لأنهم هم أنفسهم لا يستطيعون!!
منتهى طموحنا رحيل مبارك، أقصى أمانينا الفوز في مباراة، سقف طموحنا أن نخرج ألسنتنا لمعتوه عديم الأهلية، لا يستحق سوى شهادة معاملة أطفال، أو إيداعه مصحة نفسية لعلاج الحالات المتقدمة من السعار!!
بعض المتابعين اعتبروا مجرد الحديث عن المباراة ترفًا لا يحتمله الظرف، شهداء الناديين من الشباب دماؤهم لم تبرد، حقوقهم ضاعت، اللعب على جثث الشهداء باطل، حقهم، إلا أن طابور الشامتين في “مرتضى”، اعتبروا هؤلاء من المتنطعين، الذين لا يعجبهم شيء، الذين لا يفهمون الدنيا، ولا يدركون الحكمة المتعالية من وراء تجاور النضال مع اللعب، ودماء الشهداء، مع درع الدوري، وساعة لقلبك، وساعة للحيوان الذي بداخلك، عادي!!
تجاوزنا الانشغال بالإجابات الخاطئة إلى تجريم محاولة البحث عن الإجابات الصحيحة، والبركة في مرتضى!!
قبل المباراة بساعات قليلة، كانت طائرات الرافال الفرنسية تحلق في سماء القاهرة، في استعراض ترفيهي، حتى يتسلى المتفرجون إلى وقت المباراة، ولجماهير السيسي الذين لا يستمتعون بكرة القدم، ثمة عرض آخر وافق توقيت عرض المباراة؛ حيث نزل الجنرال المدني بنفسه، لبس “الشورت”، وركب العجلة، عرض بالدراجات، ماذا يريد الجنرال؟ لا تحاول أن تعرف، لأنه هو نفسه لا يعرف، المهم أنه ركب!!