نشر موقع معهد كارنيجي لابحاث الشرق الأوسط، تقريرًا تحدث فيه عن إستراتيجية “تنظيم الدولة” أو ما يعرف إعلاميًا باسم “داعش”، وبدأ التقرير بتعريف التنظيم على أنه “هو مجموعة جهادية هجينة لها هدف مُعلَن يتمثّل في إقامة خلافة “باقية وتتمدّد”، وإستراتيجية التنظيم تعتمد على البقاء والنمو.
وقال التقرير: إن” صعود “تنظيم الدولة” في العراق وسوريا مؤشر على بدء حقبة جهادية جديدة؛ فالتنظيم أعلن عن هدف بعيد المدى، هو إقامة دولة إسلامية، أو خلافة، تستند إلى اجتهادات متطرفة للغاية في الشريعة، ما جعله أكثر من مجرد تنظيم إرهابي، على الرغم من أن أصوله ترقى إلى كونه فرعًا من تنظيم القاعدة في العراق.
كيفية محاربة “تنظيم الدولة”
وجاءت النقاط التالية في الموضوع لتتحدث عن كيفية محاربة التنظيم على الصعيد العربي والغربي وجاء من ضمن هذه النقاط:
أولًا: استغلال نقاط ضعف التنظيم
ينبغي على الغرب وحلفائه الإفادة من التحديات الداخلية التي يواجهها التنظيم الجهادي لإضعافه من الداخل”.
ثانيًا: تجاوز الغارات الجوية
ينبغي ألّا يقتصر التدخّل العسكري ضد “تنظيم الدولة” على الغارات الجوية، بل يجب أن يشمل أيضًا عمليات بريّة تقودها القوات العسكرية السورية والعراقية بالتنسيق مع التحالف الدولي.
ثالثًا: دعم المعارضة المعتدلة في سوريا
ينبغي على الغرب وحلفائه توطيد القدرات العملاتية والحوكمة لدى الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر، التحالف الوحيد للمعارضة المعتدلة، الذي يقاتل كلّاً من داعش والنظام في سوريا”.
رابعًا: إنشاء حرس وطني في العراق
من شأن قوة متعدّدة المذاهب والإثنيات أن تساعد على إعادة ثقة السنّة في مؤسسات الدولة، وتوسيع الانخراط المحلّي في القتال ضد “تنظيم الدولة”.
خامسًا: دفع تركيا إلى تأدية دورٍ أكبر
ينبغي على تركيا أن تسمح لطائرات التحالف الدولي باستخدام القواعد التركية، ما يتيح لها مجالًا أفضل لبلوغ أهداف داخل سوريا.
سادسًا: إيجاد حلّ للصراع السوري
ينبغي على الغرب وحلفائه بدء مفاوضات حول تسوية سياسية في سوريا؛ لأنه من دون هذه التسوية لا يمكن تدمير “تنظيم الدولة”.
أهداف التنظيم
أكد التقرير، أنه على عكس القاعدة، تلك المنظمة التي وضعت نصب عينيها هدفًا رئيسًا هو إقامة إمارة إسلامية في الشرق الأوسط في مستقبل غير منظور، يطرح “تنظيم الدولة” هدفًا واضحًا هو الإقامة الفورية لدولة الخلافة.
وفي حين أن القاعدة استهدفت دومًا تقويض ترتيبات القوة الراهنة “الدول الغربية، والنظام السوري” من دون طرح بدائل محددة، يتقدم “تنظيم الدولة” خطوة أكثر إلى الأمام ويُعلن عن رؤية لنظام دولة يحل مكان الأمر الواقع الراهن، في حين أن القاعدة استهدفت دومًا تقويض ترتيبات القوة الراهنة من دون طرح بدائل محددة، يتقدم “تنظيم الدولة” خطوة أكثر إلى الأمام ويُعلن عن رؤية لنظام دولة يحل مكان الأمر الواقع الراهن.. السعي إلى هذا المشروع السياسي شكّل نقطة جذب لقطاعات مهمة من السكان في الشرق الأوسط وخارج المنطقة، ومَحَضَ أنصار “تنظيم الدولة” هدفًا ملموسًا يمكن السعي إلى تحقيقه.
أنصار محليّون
أشار التقرير، إلى أن “تنظيم الدولة” يحتاج إلى أنصار محليين لبناء صرح حكمه، ولذا فهو ينتهج صيغة “طهّر، تمسّك، إبنِ”، التي غالبًا ما ترتبط بالنموذج العملياتي للجيش الأميركي، لكنها تنطبق أيضًا على حزب الله، في سياق سياسة اجتذاب السكان المحليين.
فالتنظيم يسيطر على الأرض، خاصةً تلك الغنية بالموارد الطبيعية كالنفط والماء، والمدن؛ حيث يكون في وسعها في نهاية المطاف فرض الضرائب والانخراط في عمليات “تطهير” تلك المناطق من الجماعات الإسلامية الأخرى، وبعدها تبدأ بتطبيق هيكلية الحوكمة الخاصة بها.
توفير الخدمات أداة رئيسة يستخدمها “تنظيم الدولة” لاجتذاب سكان المناطق الواقعة تحت سيطرته، وهو قام في بعض الأحيان بتفكيك مؤسسات قائمة وسعى إلى تطبيق هياكل الحوكمة الخاصة به من خلال إقامة المحاكم، وسلك الشرطة، والمدارس، وفرض مبادئ الشريعة.
استغلال الدعاية الإعلامية
تحدث التقرير، عن أن “تنظيم الدولة” حصد الكثير من الاهتمام لاستخدامه سلاح الإعلام، خاصة حين كان يبثّ أشرطة الفيديو عن أعمال العنف التي يقوم بها، وينشر مجلة إلكترونية والعديد من المناشير والكتيّبات، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا تلعب الحملات الدعائية دورًا مزدوجًا؛ فهي يمكن أن تكون وسيلةً للتجنيد، لكنها غالبًا ما تُستخدَم كاستكمال للجهد العسكري وأحيانًا للتعويض عن تراجعه.
لكن، وعلى عكس القاعدة -حسب التقرير- يتبنّى التنظيم صيغة متزمّتة في التعاطي مع الإعلام؛ فهو يكون محدّدًا جدًا حين يتعلّق الأمر بالمكان الذي يُروِّج لنفسه فيه، مثلاً حين قيام موقع تويتر بإغلاق حساباته في أغسطس 2014، افتتح التنظيم حسابات فردية لكل “ولاية” تابعة له.
ومن خلال هذه الحسابات، روّج التنظيم عمله التنموي في قطاعات على غرار المدارس وإنجاز مشاريع شقّ الطرق.
ومثل هذا التركيز على الخدمات يستهدف خلق حسٍّ من الشرعية لـ”تنظيم الدولة” عبر تصويره بأنه التنظيم الذي يرعى المسلمين الفقراء والمحتاجين. والآن، يواصل التنظيم استخدام تويتر وسيلةً للتواصل والانتشار، ويخلق باستمرار حسابات جديدة حين يتم إغلاق الحسابات الأخرى.
وتحدث التقرير عن أن التنظيم عادًة ما يشعل حربًا نفسية لنشره بانتظام صورًا معبّرة عن العنف، تُعَدّ شكلاً من أشكال الحرب النفسية التي تهدف إلى زرع الخوف في نفوس أعدائه وقاعدته على حدٍّ سواء.
ويختار التنظيم نشر المعلومات عند الحاجة ووفقًا للتغييرات التي تطرأ على السياق المحلّي, على سبيل المثال، إذا استشعر التنظيم أن السكان المحليين بدأوا بالتململ، ينشر المزيد من الدعاية حول مبادراته في مجال التنمية؛ وإذا استشعر احتمالاً متزايدًا لحدوث مواجهات سياسية أو عسكرية، ينشر صورًا أكثر وحشية لبثّ الخوف في نفوس خصومه.
ساعدت التكتيكاتُ ذات الكلفة العالية والعائدات الأعلى التنظيمَ في تحقيق مكاسب عسكرية ودعائية في آن واحد، وهي تُسمّى أحيانًا “الدعاية من خلال الفعل”.
إستراتيجية التنظيم العسكرية
واضاف التقرير، إستراتيجية “تنظيم الدولة” منذ ظهوره اعتمدت على تطوير تكتيكاته وعمليّاته التطبيقية العسكرية، في فترة صعوده، الذي بلغ ذروته مع التقدّم الذي أحرزه في العراق في يونيو 2014، اعتمد التنظيم على الحرب الهجومية لتوسيع الأراضي الواقعة تحت سيطرته. واتّخذ لاحقاً موقفًا دفاعيًّا في الغالب.
ومع تكثيف التحالف الدولي ضرباته الجوية في العام 2015، والمكاسب المتزايدة التي حقّقها منافسو التنظيم مثل جبهة النصرة منذ فبراير 2015، بدّل التنظيم تكتيكاته، واعتمد على الهجمات غير المخطّط لها ضد خصومه، وحاول مجدّدًا توسيع رقعته الجغرافية.
اعتمد “تنظيم الدولة” -حسب التقرير- طيلة فترة تطوّره العسكري على عددٍ من الثوابت؛ إذ يدمج بين العمليّات التطبيقية والتكتيكات التي تستخدمها المجموعات العسكرية غير الدُولتية، وبين تلك التي تستخدمها الجيوش التقليدية.
ينبع الأسلوب الأول للتنظيم من جذوره في القاعدة في العراق واقتباسه التكتيكات التي يستخدمها حزب الله، في حين أن أسلوبه الثاني ناتجٌ عن انضمام ضباط سابقين في حزب البعث الحاكم في العراق سابقاً إلى القاعدة في العراق، وإلى تنظيم الدولة لاحقًا، آملين في الانتقام من الحكومة العراقية عقب عملية اجتثاث البعث بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003.
وفي ختام التقرير، كان الحديث عن أن السبيل إلى استئصال “تنظيم الدولة” ليس عبر الغارات العسكرية وحدها، بل عبر قطع شريانَي الحياة اللذين يتغذّى منهما: التظلّمات في العراق والصراع السوري، وتحقيق ذلك يتطلّب معالجة الطائفية في العراق، وتطبيق خريطة طريق شاملة أوسع لإنهاء الصراع السوري.