ذكرت في مقالي الأخير، أن حسن البنا، رحمه الله، كان يستفيد بالمناسبات الدينية الكبرى لإصدار مشاريعه المهمة والكبرى؛ سواءً على مستوى الجماعة أو الأمة، فقراره بنقل الجماعة من الإسماعيلية إلى القاهرة كان في شهر رمضان.
وكذلك إصداره وثيقة فكرية توحد الجماعات الإسلامية المتفرقة، على فهم وسطي للإسلام، كان في شهر رمضان، وهو ما يعرف في أدبيات الإخوان بـ(الأصول العشرين)، وهي عشرون أصلا كتبها حسن البنا وظن الإخوان أنه كتبها لهم، ليفهموا الإسلام في ضوئها، بينما كتبها البنا في الأصل، لتكون نواة للتقريب والتوحد بين الجماعات والقوى العاملة للإسلام.
ولذا عندما أطلقها جعل هذا عنوانها: (في سبيل الوحدة): آراء ومقترحات.. مرفوعة إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر، وهيئة كبار العلماء الموقرة، وإلى رجال الجماعات الإسلامية، والفكر الإسلامي، وقد كتبها بغية أن يقضي على الخلاف الدائر بين العاملين للإسلام، وحاول ذلك وقتها، وعرض فعلًا المشروع على الهيئات الإسلامية والعلمية، ولذا قام عالمان جليلان بتطوير هذه الأصول العشرين، بالإضافة إليها..
أولهما: الشيخ محمد الغزالي، وقد رأى أنها أصبحت قديمة تحتاج إلى إضافة، فأضاف عشرة أصول، والآخر: الشيخ يوسف القرضاوي، وقد أضاف إليها عشرين أصلًا.
وهو ما تحتاجه جماعة الإخوان، وبمناسبة شهر رمضان، أن تطلق مشروعها الثوري، وذلك من خلال إطلاق (وثيقة التوافق الثوري)، وذلك بكتابة وثيقة تبين فيها الثوابت التي لا يجوز لها ولا للثوار جميعا تجاوزها، أو الخلاف عليها، تبين فيه الجماعة موقفها بوضوح من القضايا الشائكة التي لا يزال البعض يتوجس منها من الإخوان، أو لا يجد إجابة قاطعة في هذا الأمر.
كما أن الجماعة تحتاج لمثل هذه الوثيقة داخل الجماعة أولًا، وذلك بإجراء ما يشبه استبيان، ماذا نريد بعد إنهاء الانقلاب: هل نريد الحكم مرة أخرى؟ أم نريد مشاركة حقيقية، لا نكون فيها مغالبين في الحكم، وهل نقوى فعليًا على المشاركة أم نكتفي بأن نكون جماعات ضغط في المجتمع سياسيًا، أم ندعم توجهًا نراه وطنيًا يصلح لأداء المهمة؟
وما شكل الدولة والمؤسسات، وما تصورنا لها، وما شكل المنافسة السياسية التي نتفق عليها ونعلنها في المرحلة الانتقالية، هل نقبل بمشاركة تنافسية، أم مشاركة توافقية لمدة ثلاث سنوات أو خمس، أو أكثر أو أقل، بحسب ما يتراءى لشركاء الثورة، لا يكون فيها تنافس في هذه المدة، ثم بعد ذلك تأتي التنافسية السياسية؟
ثم بعد ذلك يصدر هذا الكلام بعد إقراره داخليًا حتى يكون حجة على الصف الإخواني، وقناعة لديه، ليصدر في وثيقة بالتوافق مع شركاء الثورة من كل التوجهات سواءً إسلامية وغيرها، ليكون ملزمًا للجميع، ومعبرًا عن الثورة بكل مكوناتها.
أعتقد أن الجماعة بحاجة إلى مثل هذه الوثيقة، وإلى إصدارها، ولو استدعينا نفحات هذا الشهر الكريم، لعل الله تبارك وتعالى أن يوفق في صياغتها، وكتابتها، والبدء بها، لتكون منطلقًا مهمًا لجمع الصف الثوري بكل مكوناته.
وتحتاج الجماعة إلى وثيقة أخرى، تقطع بها الطريق على كل من يتصور أن الإخوان ربما تفكر في العنف أو ممارسته، فقد كتبت من قبل (دعاة لا قضاة)، وقد بينت أن التكفير ليس من أفكار الإخوان، ولا من أدبياتها، واتضح ذلك، أما بخصوص العنف، فبيانات الجماعة منذ عهد حسن البنا وحتى اليوم، تدين العنف بكل صوره، لكنها تحتاج إلى وثيقة أدبية، تبين أن خيار نبذ العنف ورفضه هو خيار إستراتيجي بالنسبة للجماعة، وليس خيارًا تكتيكيًا قابلًا للتغيير، بكل ما تعنيه كلمة العنف من تفاصيل ومحاور.
وقد كانت هناك محاولة جادة لكتابة كتاب كامل ووثيقة عن (العنف) لها قصة أذكرها بتفاصيلها في مقالي القادم إن شاء الله.