أثار موقع “ويكيليكس” ضجة إعلامية، بعد نشره أكثر من 60 ألف وثيقة كدفعة أولى من جملة أكثر من نصف مليون وثيقة ومستند مسربة من الخارجية السعودية تحتوي على مراسلات سرية من مختلف السفارات السعودية حول العالم، بينها سفارتها في القاهرة والتي كشفت عن صفقات سياسية، ومراقبة لمؤسسات الدولة المصرية، الأمر الذي يفتح باب التحقق مع أداء عمل السفارات الأجنبية بمصر.
السفارة السعودية
تحدثت البرقيات عن تفاوض بين السعودية والإخوان في مصر بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.
وتقول إحدى البرقيات الصادرة من السفارة السعودية بالقاهرة إلى وزير الخارجية السعودي السابق، سعود الفيصل، خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، إن مسؤول مصري، لم يذكر اسمه، عرض على الإخوان منع دخول مبارك السجن مقابل 10 مليارات دولار، الأمر الذي قوبل بالموافقة من جانبهم، واقترح أن تقوم إحدى الدول الخليجية بتقديم هذا العرض على الإخوان، بهدف تجنيب المجلس العسكري الإحراج مع الشعب المصري.
كما تناولت البرقيات الكثير من الأمور الداخلية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين من حيث فكرهم وأهدافهم ووضعهم في مصر والعالم العربي، وحظيت في الوقت نفسه العلاقة بين قطر والإخوان بحظ وافر من النقاش في البرقيات، والخلاف البارز بين الجماعة ودولة الإمارات.
السفارة الأميركية
كشفت صحف مصرية عن مصادر أمنية مسؤولة، عن تسجيلات ومعلومات تفيد بعقد كوادر حزب “النور” السلفي، اجتماعًا مع مسؤولين أميركيين في مقر السفارة الأميركية في القاهرة، غير أن قيادة الحزب نفت هذه الأنباء ووصفتها بـ”محض شائعات”.
وقالت المصادر إن “تسجيلات ومعلومات وصلت جهاز الأمن الوطني تفيد بعقد اثنين من كوادر حزب النور السلفي اجتماعا مع مسؤولين في السفارة الأميركية وخمسة مسؤولين من جهاز المخابرات (سي آي إيه) داخل مقر السفارة في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي”.
وبحسب المصادر، فإن هذه اللقاءات هدفت إلى إقناع الحزب السلفي للإدارة الأميركية بـ”أنه قادر على السيطرة على البرلمان، وأنه قادر على الوجود القوي في الشارع المصري، من خلال تكرار أسلوب الإخوان ذاته في توفير السلع من زيت وسكر للمواطنين في ربوع مصر”، بحسب قولها.
وفي برقية “عالية السرية” برقم “08CAIRO1067” بتاريخ 27 مايو 2008، كتبت مارجريت سكوبي السفيرة الأميركية بالقاهرة عن مقابلة جرت بين نواب بالكونجرس مع الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجله جمال ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان جاء فيها: “عند سؤال من نواب أميركيين للرئيس مبارك عن رأيه في وضع جدول زمني لانسحاب الجيش الأميركي من العراق قال “لقد نصحت سابقا نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ومسؤولين أميركيين ألا يقوموا بغزو العراق.. لكن لم يستمع أحد.. أما الآن فسوف يكون من الخطأ أن تنسحبوا من العراق على الفور وإلا إزداد نفوذ إيران فيها”.
وفي برقية أخرى للسفارة الأميركية في القاهرة، ذُكِـر أن مبارك، الذي يبلغ الثانية والثمانين عاما من العمر، سيموت على الأرجح وهو على كرسي الحُكم، بدلًا من أن يستقيل طوْعًا أو يحل مكانه شخص آخر في انتخابات ديمقراطية”.
وأضافت البرقية “الانتخابات الرئاسية المقبلة ستجري في عام 2011، وإذا ما كان مبارك لا يزال حيًا، فمن الأرجُـح أن يخوض الانتخابات وأن يحصد النجاح بالطبع”.
أما توصيف شخصية الرئيس المصري في الوثائق، فكانت على النحو التالي “إنه سياسي يعرف كيف يحافظ على السلطة من خلال تجنّـب المخاطر، وهو واقعي مجرّب وحذِر ومحافظ، وليس لديه وقت للأهداف المثالية. وهو كان يعتبر الرئيس بوش ساذجًا ويُـسيطر عليه مَرؤوسيه ولم يكُـن مستعِـدا للتعامل لا مع عراق ما بعد صدّام حسين ولا مع صعود النفوذ الإقليمي الإيراني”.
السفارية البريطانية
سبق وكشفت وثائق خاصة بفترة الاحتلال البريطاني لمصر، أرسلتها السفارة البريطانية بالقاهرة إلى بلادها، خاصة عن أحوال الإخوان المسلمين في مصر خلال الشهر الأول من عام 1954، وبرقية من السفارة إلى بريطانيا عن حديث دار مع الصحفي مصطفى أمين في أخبار اليوم عن وضع النظام في مصر وفرص التسوية السياسية لمنطقة قناة السويس.
وأيضًا برقية من السفير البريطاني رالف ستيفنسون إلى أنتوني إيدن رئيس الوزراء الأسبق، عن أحداث القبض على أفراد من جماعة الإخوان المسلمين بواسطة الحكومة المصرية، وبرقية من رالف ستيفنسون تفيد بالقبض على بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
السفارات تتجنب العمل الاستخباراتي
وقال اللواء سامح سيف اليزل، رئيس مركز الجمهورية للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن سفارات الدول الكبرى مهمتها العمل على مراقبة الوضع وكتابة تقارير بشكل مستمر حول الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم فإنها تلتقي السياسيين والاقتصاديين والحقوقيين.
وأضاف سيف اليزل، أنه “من الصعب أن تورط أي سفارة نفسها في عمل استخباراتي، خاصة أن السفارات الأجنبية يكون عليها مراقبة لكل التحركات التي تقوم بها، وإن كان هناك عملاء تخابر فمن الأمن لهم البعد عن سفارات دولتهم”.
وقال عبد الله الأشعل، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، إن برقيات السفر من الدول المضيفة إلى دولتها، هو أسلوب طبيعي ولكن أحيانا يتطور الأمر إلى علاقات سرية، بهدف التدخل في الشئون الداخلية وتحويل المسار لصالح الدول بعينها وذلك ما حدث بين السعودية ومصر.
وأضاف الأشعل في تصريحات لشبكة “رصد”، أن السعودية ليست فقط من تبعث برقيات ولها علاقات لم تكن معلنة مع شخصيات سياسية ودينية، ولكن السفارة الأميركية والبريطانية والإسرائيلية أيضًا.