أكد ماجد منصور، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية وخريج جامعة كامبريدج، أن “الدولة المصرية وقعت فريسة للصراعات الداخلية التي نشبت بين أجهزتها الأمنية، وأصبح القمع هدفًا في حد ذاته، وليس وسيلة للحفاظ على استقرار النظام”.
قال منصور -في مقاله تحت عنوان “هل فقد السيسي السيطرة على القمع الذي تمارسه الدولة” نشره موقع أوبن ديموكراسي-: “تشهد مصر حاليًا إحدى أسوأ فترات القمع في تاريخها الحديث؛ حيث يقبع الآلاف في السجون المكتظة، وحُكِمَ على المئات بالموت، وتفشى العنف الجنسي بوتيرة لم تسبق لها مثيل، وحدث تغيير نوعي في طبيعة العنف الذي تمارسه الدولة في مصر”.
وأضاف “حتى في سنوات مبارك، كانت الدولة تستخدم العنف والتعذيب لكن بمستوى مقبول اجتماعيًا في أوساط الطبقة الوسطى الحضرية، التي كانت محصنة إلى حد كبير من هذا العنف، لكن المستويات الحالية من العنف يبدو أن نتائجها عكسية على استقرار النظام”، وهو ما يتضح في نقطتين:
(1) من ناحية، اهتزت صورة النظام الدولية بشدة. ورغم عدم وجود ضغط دولي حقيقي لوقف الانتهاكات، أصبح من الواضح -على عكس النظام الدكتاتوري السابق الذي كان يختبئ وراء ستار “الاستبداد الليبرالي”- أن النظام الحالي هو ديكتاتورية عسكرية مكتملة الأركان، وما رحلة السيسي الأخيرة إلى ألمانيا برفقة الفنانين إلا مؤشرًا على مدى قلق النظام من صورته الدولية المتدهورة.
(2) ومن ناحية أخرى، اتسع هذا المستوى من القمع العشوائي غير المسبوق ليشمل أنصار النظام الذين عارضوا الأجهزة الأمنية، لأسباب معظمها غير سياسية؛ على سبيل المثال: نظم المحامون إضرابًا مؤخرًا بسبب اعتداء ضابط شرطة على محامٍ، وهو الموقف الذي أجبر السيسي على إصدار اعتذار علني ينتقد قوات الشرطة”.
ورصد الباحث “انتقال السيطرة على القمع من (1) مركز الفرع التنفيذي للحكومة إلى (2) الأطراف؛ حيث أصبح القمع هدفًا في حد ذاته وليس وسيلة للحفاظ على استقرار النظام، علاوة على ذلك، هناك أدلة تشير إلى أن فصائل داخل الدولة تتنافس على السلطة، نتيجة لضعف السيطرة المركزية على القمع.
وأردف: “على الرغم من أن الجيش الآن هو أعظم قوة داخل نظام الحكم المصري، إلا أنه يعاني من خلل قاتل؛ يتمثل في: (1) ضعفه الفكري، (2) وهُزال أدائه الاقتصادي. هذا يعني أن النظام بحاجة إلى الاعتماد على الإكراه أكثر من الإقناع للبقاء في السلطة.
واضاف “في ظل هذه الظروف، سيصبح المركز رهينة للأطراف، وتتزايد صعوبة السيطرة على منفذي القمع، وإذا دخلت الشرطة في إضراب غدًا، فإن النظام سيسقط في اليوم التالي، بالإضافة إلى ذلك فإن الجيش لا يزال بعيدًا عن كونه كتلة واحدة.
ومن اللافت للانتباه أيضًا، أن رئيس جهاز المخابرات العامة تغير أكثر من مرة بعد عمر سليمان، وهو ما يمكن أن يكون مؤشرًا على صراع السلطة الدائر بين فروع الجيش المختلفة، أضِف إلى ذلك أن هناك رجالًا ينتمون إلى الجيش لديهم طموحات شخصية في السلطة، أبرزهم أحمد شفيق، الذي يعيش حاليًا في منفاه الإماراتي، ورئيس الأركان السابق سامي عنان، وهو التنافس الذي قد يضعف المركز ويؤثر على سيطرة وكلائه.
وأكمل الباحث سرده لمظاهر ضعف النظام داخليًا، قائلا: “هناك مؤشرات أخرى على عودة المنافسة بين الشرطة والجيش؛ حيث وقعت مواجهات بين أفراد الجهتين، كما أن التقارير عن انتهاكات الشرطة مثيرة جدًا للاهتمام، وتشير إلى أن هناك انقسامًا داخل الأجهزة الأمنية، كل ذلك يضعف سلطة المركز على وكلاء القمع في الأطراف”.
وتساءل “منصور”: هل بإمكان السيسي وضع حد لهذا الصراع الداخلي واستعادة السيطرة على القمع؟
يجيب الباحث: “ينبغي مقارنة سلطة الرئاسة بنظيرتها التي يتمتع بها الجيش، فوفقًا للدستور المصري الحالي، تم إضعاف مؤسسة الرئاسة وتعزيز موقف الجيش؛ لدرجة أن السيسي لا يمكنه الإطاحة بوزير الدفاع إلا بموافقة الجيش، ومن المهم ملاحظة أن السيسي قبل أن يصبح رئيسًا، كان عضوا في المجلس العسكري ورئيسًا للمخابرات العسكرية، وكان عليه أن يتنحى من الجيش ليتبوأ الرئاسة، ومن ثم، فإن تقليص سلطات الرئيس أدى إلى تقليص القدرة على التحكم في أجهزة القمع داخل الدولة، وهو ما يشير أيضًا إلى أن الدور التقليدي للرئيس، باعتباره عامل استقرار للنظام ووسيطا محتملا، تقلص أيضًا، ما أدى إلى إضعاف المركز والسماح بصعود الصراع إلى مستويات أعلى”.