ضجة إعلامية كبيرة صحبت اعتقال الإعلامي أحمد منصور من قبل السلطات الألمانية في المطار والإفراج عنه، في ظل حديث طرفي الصراع في مصر عن من الفائز والخاسر من اعتقال منصور والإفراج عنه.
أفرجت السلطات الألمانية عن الإعلامي أحمد منصور بعد ثلاثة أيام من الاحتجاز؛ بناءً على مذكرة توقيف مصرية اتهمته بالاغتصاب، والتعذيب، علاوة على تشويه سمعة مصر.
وفي الوقت الذي احتفلت فيه وسائل الإعلام المصرية بخبر القبض على أحمد منصور والحديث عن ترتيبات تسليمه لمصر، جاء خبر الإفراج عنه ليمثل الصدمة لهم.
واعتبر نشطاء وسياسيون، أن الحكومة المصرية أبرز الخاسرين، بينما خرج الزميل منصور من هذه “المحنة” بطلًا سياسيًا وإعلاميًا؛
فبعد قرابة الساعة من ادعاء صحف مصرية أن ألمانيا ستسلم أحمد منصور لمصر، أفرجت السلطات الألمانية عنه، وهو ما اعتبر انتكاسة جديدة لنظام السيسي الذي يدخل في صراع كبير مع قناة الجزيرة.
أكاذيب ترحيله لمصر
خرجت صحيفة “الشروق” القريبة من نظام السيسي، قبل ساعة واحدة من قرار الإفراج عن منصور، لتؤكد أن السلطات المصرية ستتسلم مقدم البرامج في قناة الجزيرة خلال ساعات، بعدما اطّلع القضاء الألماني على الوثائق التي أرسلتها مصر وتثبت تورط منصور في التحريض ضد قوات الجيش والشرطة.
وأرسل النائب العام، المستشار هشام بركات، مذكرة رسمية إلى السلطات الألمانية، يطالب فيها بتسليم الإعلامي أحمد منصور في ضوء الحكم الجنائي الغيابي الصادر بمعاقبته بالسجن المشدد 15 عامًا، لإدانته بالاشتراك في تعذيب محامٍ بميدان التحرير إبان أحداث ثورة 25 يناير 2011.
كما حفلت الصحف والفضائيات المصرية بالشماتة من خبر اعتقال منصور، وسوقت له وسائل الإعلام والقوى السياسية باعتباره أحد أكبر إنجازات عبدالفتاح السيسي الذي استطاع إقناع الدول الغربية بخطورة الإخوان على العالم.
استغلال سياسي
قال الأمين العام المساعد الأسبق للمجلس الأعلى للصحافة في مصر، قطب العربي، إن النظام كان يهدف من مطالبة ألمانيا بتسليم أحمد منصور، “تحقيق نصر سياسي وهمي يثبت به لجمهوره أنه قادر على ملاحقة خصومه، وأن جولات السيسي الخارجية نجحت في تحريك سلطات تلك الدول لتبني المواقف الرسمية المصرية”.
وأضاف العربي -في تصريح للجزيرة- أن النظام المصري أراد من إلحاحه على تسليم منصور، نشر الهلع بين صفوف معارضيه وإقناعهم بأنهم تحت المقصلة، ولكن الواقع غير ذلك؛ فكثير من معارضي الانقلاب العسكري الذين صدرت ضدهم أحكام هزلية يجوبون العالم شرقًا وغربًا دون خوف.
وشدد على أن النظام المصري معروف بمعاداة حرية الصحافة، لكن الغريب هو موقف الحكومة الألمانية التي قبلت طلبًا من تلك السلطة العسكرية بالقبض على منصور.
ضرر الحكومة المصرية أكبر من تصفية الأحقاد
وقالت صحيفة “رأي اليوم” -في افتتاحيتها اليوم- إن الضرر الذي لحق بمصر وقضائها وسمعتها أكبر من ذلك بكثير، فتصفية الأحقاد، والثأر الشخصي شيء، وسمعة بلد كبير في حجم مصر شيء آخر مختلف تمامًا.
وأضافت الصحيفة، أن اعتقال الإعلامي منصور سلط الأضواء على حقيقتين أساسيتين لا يمكن تجاهلهما في هذه العجالة:
• الأولى: عدم فهم معظم الحكومات العربية، وليس المصرية فقط، الإجراءات القانونية في الغرب وآليات عمل القضاء فيها.
• الثانية: غياب استقلال القضاء في الغالبية الساحقة من الدول العربية، ولجوء الحكومات إلى تسييسه وفق أغراضها وحساباتها الضيقة.
وأوضحت، وهذه ليست المرة الأولى التي تقع فيه حكومات عربية في هذه الحفرة المهينة، فقد حاولت مرارًا مطاردة معارضيها أمام المحاكم الأوروبية بتهم ملفقة، وحصدت خيبة أمل ليس لها حدود.
وأشارت الصحيفة إلى أن عملية اعتقال الزميل منصور في مطار برلين أعطت نتائج عكسية تمامًا، وقدمت فرصة ذهبية إضافية لصعود نجمه، ونجم محطة “الجزيرة”، التي يقدم برامجه عبر شاشتها كل أسبوع، وهي محطة تحاربها السلطات المصرية ليل نهار، وتشكك في مصداقيتها ومهنيتها بالوسائل كلها.
كفاءات مصرية مغيبة
وتساءلت الصحيفة، لا نعرف أين الخبراء القانونيين المصريين، وبينهم أساتذة تعلموا في الغرب، وتخرجوا من أكبر جامعاته، وكيف غابت حقائق بديهية عن هؤلاء، فيما يتعلق باستقلال القضاء في الدول الأوروبية، أم أن هؤلاء هم مبعدون كليًا، ولا يُستشارون أو يؤخذ رأيهم.
وأكدت أن الكفاءات المصرية مغيبة بالكامل ليس في مجال القانون، وإنما في كل المجالات الأخرى.
وأشارت إلى أنه في الدول المتحضرة لا تحدث مثل هذه الأخطاء الكارثية، وإن حدثت فإن المسؤولين عنها يقدمون إلى العدالة والمحاسبة، ولا نعتقد أننا سنسمع عن لجنة تحقيق في مصر تتناول ما حدث في برلين، بل سنقرأ ونشاهد عبر شاشات التلفزة المصرية، والصحف من يعتبر هذه المأساة انتصارًا، يستحق أصحابه المكافأة والتقدير.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها قائلة: إن الإفراج عن الزميل منصور هو انتصار لحرية التعبير، والتعددية الإعلامية، وهزيمة لكل محاولات التعتيم والتكميم لـ”الرأي الآخر”.