لم يتوقع الإعلامي أحمد منصور، رغم حنكته وخبرته، أن تخضع ألمانيا لابتزاز اللوبي الصهيوني لهذه الدرجة، أو لإغراءات عقود استثمار حكومة الانقلاب، وعلى رأسها 4 اتفاقيات مع شركة (سيمنز) الألمانية لتنفيذ استثمارات بقطاع الطاقة في مصر بقيمة 10 مليارات دولار!
فلقد بات مؤكدًا الآن، أن توقيف منصور في مطار برلين في ألمانيا لم يكن بناءً على طلب من البوليس الدولي “الإنتربول” الذي سبق وأن أعطى منصورًا وثيقة بتاريخ 21 أكتوبر 2014 أنه ليس مطلوبًا على خلفية أي قضية!
أصبح الأمر الآن بيد الشرطة الجنائية الألمانية، التي لا تزال تحتجز الإعلامي الأبرز في الوطن العربي، وهناك تكهنات باحتمال ترحيله إلى مصر، مما يعني أن القاهرة ستقوم مجددًا بعميلة استجواب من تلك العمليات التي اعتادت عليها بعض العواصم العربية لصالح المخابرات المركزية الأميركية CIA أثناء فترة الرئيس بوش الابن.
ويبدو أن أميركا وإسرائيل حريصتان للغاية على هذه العملية التي سيسمح فيها للقاهرة باستخدام كل وسائل التعذيب للحصول على أي معلومات عن اللقاء قبل الأخير الذي أجراه منصور مع أبي محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، وعن الأشخاص الذين قابلهم، وأرقام الهاتف التي تحدث إليها، والأماكن التي زارها… إلخ.
***
لكن ما يستوقفني هنا، أن أحدًا لم يتوقع أن تنحط ألمانيا لهذا المستوى، بالضبط كما لم يتوقع أحد من الإخوان أن يقوم الجيش بفض رابعة بهذا القدر من السادية والحيوانية وهذا القدر من الضحايا والجثث، للدرجة التي قام فيها الجنود بفرم الجثث وجرفها إلى مقالب الزبالة وإحراقها أحياءً وأمواتًا!
والغريب أن البعض لم يجد في كل هذه الجرائم وكل هذا التحريض إلا انتقاد الإخوان! نعم، انتقاد سياستهم وأدائهم وحكومتهم والقرارات التي كان يمكن أن يتخذها مرسي ولم يفعل، أو القرارات التي اتخذها مرسي وما كان له أن يفعل، أو القرارات التي اتخذها مرسي وتراجع عنها وما كان له أن يفعل!
ويتناسى هؤلاء أن الانقلاب لا يصده إلا انقلاب، وأن النية كانت مبيتة لقتل الإخوان وذبحهم في أسرّتهم؛ كما جاء في تسريب السيد البدوي، ردًا على مشاركتهم في الثورة المصرية.
وقد ذكر الفريق الركن سعد الدين الشاذلي، في مذكراته القيمة “مذكرات حرب أكتوبر”، أن الجيش حصل على دبابات سوفيتية جديدة قبيل حرب أكتوبر أطول مدى من تلك الموجودة في الجيش بالفعل، لكن السادات آثر بها الحرس الجمهوري ولم يعطها للجنود على جبهة القتال؛ خشية من أن يحدث ضده انقلاب عسكري، وأنه لو كانت هذه الدبابات ضمن الأسلحة التي يمتلكها الجيش الثالث المحاصر في السويس جراء الثغرة، لما استفحل الأمر بهذا الشكل!.
السادات خشي من انقلاب إذا حصل الجيش على دبابات أقوى من تلك الموجودة في الحرس الجمهوري، فما بالك إذا كان الجيش والشرطة والحرس الجمهوري جميعًا ضد الرئيس المنتخب، وقد عقدوا النية على الانقلاب عليه واستعادة السلطة تحت غطاء مظاهرات “ماتينيه” لبضع ساعات؟؟.
صحيح أن الإخوان كان بإمكانهم تعرية هذا الانقلاب أو فضحه أكثر، أو التعامل معه قبل أن يقع بشكل أفضل، لكن في اعتقادي أنه مهما حاول الإخوان فإن الانقلاب كان سيحدث! لسبب بسيط أيضًا؛ أن النية للقيام بانقلاب عسكري كانت منعقدة قبل ذلك بشهور، كما تبين بعد ذلك بأدلة كثيرة.
***
كان يمكن أن يتخذ الرئيس مرسي قرارات تعري الانقلاب أكثر، أو تجعل مناورة الإخوان أكبر، لكن الانقلاب كان قادمًا قادمًا، بالضبط كما كان اعتقال أحمد منصور مبيتًا!
أرجو أن نتوقف قليلًا لنفكر، ونتوقف نهائيًا عن لوم الضحية.. صحيح أن جزءًا من الخطأ أن أحمد منصور لم يأخذ حذره أكثر من ذلك، لكن لا يجب لوم أحمد منصور على جريمة كهذه، فمهما سبح بخياله لم يكن يتوقع أن تنزلق السلطات الألمانية لهذا المستوى، وأعتقد أنه إذا تم ترحيل أحمد منصور إلى مصر فستكون أحد الأسباب التي تعجل بنهاية ميركل السياسية!
لست ضد أخذ الحذر دائمًا، ومحاسبة المخطئين دائمًا، لكن لنضع الأوزان النسبية للجرائم والأخطاء، ولا نساوي بين الجاني والضحية! فقد أكد الاستشاري النفسي الدكتور مروان المطوع، أن مجتمعاتنا العربية تحتل المقدمة في «جلد الذات»، ورأى أن 80% من أبناء الشعوب العربية يسعون بل يتلذذون بجلد ذواتهم لدرجة تصل أحيانًا إلى اختلاق أخطاء لم ترتكب فعليًا حتى يبكوا على أنفسهم ويبكي عليهم الآخرون!