انطلقت الأحد الماضي فعاليات مؤتمر القمة الأفريقية بجوهانسبرج في جنوب أفريقيا، وسط تغيب وزير الدفاع المصري المنقلب عبد الفتاح السيسي، بعد اعتذاره المفاجئ عن السفر خشية تعرضه للتوقيف والملاحقة القضائية كمجرم ضد الإنسانية.
مكمن خوف السيسي وسبب إلغاء سفره يعود إلى تقدم إحدى الجمعيات الحقوقية في جنوب أفريقيا بطلب توقيف للسيسي واعتقاله عند وصوله أراضي جنوب أفريقيا، حيث قدمت أدلة تثبت ضلوعه في جرائم قتل جماعي خارج نطاق القانون وجرائم وانتهاكات أخرى تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية.
أفلت السيسي من الملاحقة القضائية والتوقيف الذي كان ينتظره بجنوب أفريقيا بعدما ألغى سفره وأناب محلب، وتعرض عمر البشير للتوقيف في نفس التوقيت خلال نفس الزيارة على خلفية القضية الخاصة به أمام محكمة العدل الدولية، ثم تمكنه من العودة بعد ترتيبات سياسية لم يُعرف تفاصيلها بدقة إلى الآن، مما يؤكد أن التوقيف القانوني والقضائي كان ينتظر السيسي أيضا، وإن كان على خلفية قانونية مختلفة. فتوقيف السيسي كان سيأخذ منحي إجرائي مختلف حيث أن دعوى توقيفه كانت أمام القضاء الجنوب أفريقي- وليس لتسليمه لمحكمة العدل الدولية- استنادا إلى الولاية القضائية الدولية في محاكمة المجرمين ضد الإنسانية والمعمول بها في القانون الجنائي هناك إذا ما وجد ثمة ارتباط، وهو ما كان متحققا نظرا لأن أحد ضحايا جرائم السيسي مقيم بجنوب أفريقيا.
هذه الحادثة والتي مثلت «صفعة دبلوماسية» والتي أتوقع أن تتكرر في مناسبات أخرى في دول أخرى، سببت حرجا دوليا شديدا للجنرال المنقلب، حيث تناولتها العديد من وسائل الإعلام الأجنبية كوصمة عار سياسية ودبلوماسية وإنسانية، فكيف لا يستطيع من يصف نفسه بـ « رئيس منتخب ديموقراطيا » السفر لحضور قمة أقليمية هامة بسبب الخوف من الملاحقة القضائية كمجرم ضد الإنسانية.
لم يكد يمر أسبوع على هذه الصفعة الدبلوماسية المؤلمة للجنرال المنقلب، إلا وقد مارست دبلوماسيته “فرقعة” قضائية للمعارضين لانقلابه من المصريين الذين يلفق لهم القضايا ويطاردهم، ويحاول تكميم أفواههم خارج مصر، لاسيما أنهم ساهموا بشكل فعال في فضحه بكل المحافل.. فكان توقيف الإعلامي أحمد منصور يوم السبت 20 يونيو 2015 في مطار برلين.
فعقب حلقة متميزة للإعلامي المرموق من برنامجه “بلا حدود” مع الباحث الألماني د.جيدو شتاينبرج، والتي كان موضوعها “كيف تستقبل ألمانيا الديموقراطية جنرالا عسكريا منقلبا على الديموقراطية كالسيسي”، وعلى إثر مذكرة قانونية مصرية -ملفقة بالطبع من قضاء ساكسونيا- لاتهامه بتعذيب واغتصاب وسرقة في ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير 2011، نفذت الشرطة الألمانية طلب الإنتربول نظرا لأن الإنتربول حول مذكرة التوقيف للشرطة لإحالة الأمر إلى القضاء الألماني أول يوم عمل تال.
المدهش في الأمر أن الإعلامي أحمد منصور قد نشر على صفحته الشخصية للتواصل الاجتماعي صورة ضوئية من مستند تحصل عليه في 24 أكتوبر 2014 من الإنتربول الدولي تفيد بأنه غير مطلوب قضائيا -باعتبار أن التهم والقضايا المرفوعة ضد منصور من سلطة الانقلاب العسكري في مصر هي محض تهم مسيسة وملفقة، وأنه يجب ألا توقفه أي دولة بموجبها- وقد نشر في نفس الوقت صورة ضوئية من قرار اعتقاله من قبل السلطات المصرية عبر الإنتربول بتاريخ سابق على تقرير تبرئته من الإنتربول الدولي بتاريخ 2 أكتوبر 2014، مما يثير الكثير من علامات الاستفهام المشروعة عن تواطؤ واضح لمصلحة سلطة الجنرال المنقلب من الجهة الإدارية التابعة للسلطات التنفيذية الألمانية بإدارة الإنتربول أو أن ثمة تفاصيل لا نعلمها ستنكشف في خلال الأيام القليلة المقبلة.
الصفعة الدبلوماسية التي فضحت السيسي كمجرم ضد الإنسانية، وإن كانت لم تقض عليه ولم يتم تقديمه للمحاكمة فعليا، إلا أنها بكل تأكيد فضحت الجنرال المنقلب أمام العالم، وكانت موجعة لدرجة استلزمت ردا عليها لمحاولة إخفاء آثارها المؤلمة.. فكانت فرقعة توقيف الإعلامي المحترم أحمد منصور.
الفارق أن السيسي لم يسافر لجوهانسبرغ -جبنا- لأنه مجرم، فجرائم قتله خارج نطاق القانون وتعذيبه المعتقلين وإخفاؤه القسري للمعارضين لانقلابه تم تصنيفها وتوثيقها بالفعل في تقارير دولية عديدة كجرائم قتل جماعية ضد الإنسانية، أما الاعلامي المحترم أحمد منصور فيسافر ويتحرك.. وظني أنه سيغادر ألمانيا التي يحترم قضاؤها القانون، فقد ودعت دولة ألمانيا الاتحادية الديموقراطية قانون ساكسونيا بنهاية عصورها الوسطى.
وتبقى الإشارة إلى أن السلطة التنفيذية في ألمانيا كان يمكنها ألا تأبه بمثل هكذا مذكرات ساكسونية، وهي تعلم مصدرها، خصوصا بعد سيل التقارير الإعلامية والصحافية في وسائل الإعلام الألمانية التي استهجنت استقبال ميركل للسيسي بسبب جرائمه ضد الإنسانية في مصر، وبخاصة بعد أحكام الإعدام الجماعية التي أصدرها أخيرا، وشملت رئيسه المنتخب ورئيس البرلمان المصري المنتخب، وفي الوقت الذي رفض فيه الدكتور لامرت رئيس البرلمان الألماني البوندستاج مقابلته. لكن يبدو أن الثمانية مليارات يورو قيمة صفقة شركة سيمنز الألمانية لتوريد محطات توليد الطاقة التي تحصلت عليها بالأمر المباشر ودون منافسة من سلطة السيسي، والتي جعلت رئيس شركة سيمنز يمارس ضغوطا كبيرة لتستقبله ميركل أخيرا حتى لا تخسر شركته أرباحا تقدر على الأقل بمليار يورو جراء هذه الصفقة الكبرى في تاريخ الشركة، يبدو أنها تستحق مجاملة أخرى من ميركل على حساب قضايا الانسان وحقوقه التي تتشدق بها الحكومات الغربية طالما لم تصدم بمصالحهم الاقتصادية أو أطماعهم السياسية في المنطقة العربية والأفريقية والدول النامية بصفة عامة.
ظني أن الإعلامي الحر أحمد منصور سيخرج سالما بإذن الله من هذه الأزمة، وسيتضاءل السيسي أكثر وأكثر حينما يرفض القضاء الألماني دعاوى الاعتقال الجنائية التي تصدرها سلطة انقلابه العسكري باعتبارها محض تلفيق وفبركة لأهداف سياسية رخيصة. كما ستضيف هذه الواقعة مزيدا من العار الحقوقي والأخلاقي والسياسي علي إنجيلا ميركل، فكيف تستقبل -مرحبة- مجرما ضد الإنسانية وتودعه إلى بلاده، في حين توقف سلطتها التنفيذية صحافيا حرا هو أحد ضحاياه.
نقلًا عن موقع عربي 21