هذه صورة بمليون كلمة من الصنف الذي يغرق الأسواق في مصر هذه الأيام، في إطار البحث عن حالة ثورية مفقودة، خرجت في 30 يونيو، ولم تعد حتى الآن، على الرغم من محاولات مخلصة لاستعادتها. صورة علاء عبد الفتاح، وعصام سلطان، يتقاسمان الضحك والأسى في قفص محاكمة واحد، أقوى من أي بيان، بل يمكن أن يبنى عليها بيان الثورة الأول، هي أبلغ من أي رد على الأسئلة العبثية التي يشتعل بها الفضاء السياسي حالياً.
وبحسب ما تناقله نشطاء سياسيون، فإن دراما جلسة قضية “إهانة القضاء” لم تقف عند حدود اللقطة التي جمعت سلطان وعبد الفتاح، بل تحلق كل من محمد البلتاجي والمستشار محمود الخضيري، معهما، حول وجبة غذاء، حولت تلك المساحة الصغيرة في أقفاص محاكمات الانقلاب، إلى ميدان التحرير، حين كان عفياً ونظيفاً، ونقياً، ومتسعاً للجميع، من دون تصنيف أو إقصاء، أو رعونة في التدافع والإزاحة.
لقد قتل السؤال العقيم بحثاً: ما الذي أوصل ثورة مصر إلى هذه الحالة، وأظن أن الجميع شبعوا تنظيراً وثرثرة في هذا الأمر، وأمعنوا في المبارزات والمصارعات والملاكمات، على حلبة الكلام، حتى سقطوا من الإعياء. والآن، بات واجباً أن ينتقلوا إلى السؤال التالي: ما الذي يتوجب عمله، لكي يستعيد الثوار ثورتهم، وتسترد الثورة أبناءها؟
أعادت اللقطات التي ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، تركيب أجزاء صورة ميدان التحرير الحقيقية، كما أعادت الاعتبار إلى علم الكيمياء، من خلال التذكير بالمعادلات الصحيحة، في زمن يعج بالتفاعلات المزيفة، كونها تنبني على عناصر ومدخلات مصطنعة ومفبركة، ومن ثم من الطبيعي أن تثير قلق أولئك الذين كلما سمعوا كلمة “اصطفاف” تحسسوا حساباتهم “الوهمية” على شبكات التواصل الاجتماعي، بالقدر نفسه الذي تسبب به جنوناً في أفعال السلطة وردود أفعالها، فتسجن أكثر، وتقتل أعنف، وتلجأ إلى استخدام كل أسلحتها الصدئة، وتستدعي من مخازنها وجوهاً من تلك التي كانت “كلها خالد سعيد”، فتحولت إلى “كلها خالد يوسف”، لتبلل الملعب السياسي بمقولات مقولبة، من نوعية أنه لن تقوم ثورة جديدة، أو تخطف الوعي، بعيداً عن جهود محترمة، بدأت تثمر وتزهر.
وتذهب إلى أبعد من ذلك، فترفع ستار ملاهي التوك شو عن صراع لطيف بين صقورها وحمائمها، فتأتي بالديكة من “البداية” و”تمرد”، وتطلقها على بعضها البعض، لتنهش وعي المشاهد، مجدداً، فلا يقوى على التفكر والتدبر في أسباب المستنقع الذي يعيش فيه.
وكأنهم أرادوا التشويش على ضحكة المساجين الواثقة، بهذه المباراة بين “تمرد” و”البداية” وكأنهما نقيضان، أو كأنهما فريقان متنافسان، بينما الواقع يقول إنهما فريق واحد، مستنسخ من حدوتة صراع الحرس القديم والفكر الجديد، في زمن حسن مبارك، فلا تبددوا طاقاتكم في متابعة هذه الألعاب الأكروباتية التي تستبق ذكرى تواريخ تثير الأسى والغضب على ما حل بمصر على يد نظام يتخبط في استبداده، ويتعثر في فشله وعشوائيته.
كانت صورة مماثلة شهدتها مصر قبل ثلاثة أسابيع من اندلاع ثورة يناير 2011 سبباً للأمل والثقة في القدرة على التغيير، كانت الصورة للسياسي الناصري المسيحي، أمين إسكندر، مع النائب الإخواني، محمد البلتاجي، حين تشابكت أيديهما في مسيرة للوحدة الوطنية في حي شبرا، عقب كارثة كنيسة القديسين في الإسكندرية، والتي استثمرها نظام مبارك وحبيب العادلي، لصناعة جحيم طائفي، يختطف الناس من احتمال استلهام أسطورة “البوعزيزي” في تونس.
كتبت، في ذلك الوقت، أن تلك هي الصورة التي تحتاجها مصر، وينبغي أن تبحث عنها، وتثبتها وتجذرها في أعماق الجميع.
وكذلك تقف مصر، الآن، في أشد الاحتياج لصورة مساجين الثورة وضحكتهم الموحدة ضد نظام بطش بالجميع، وهوى بالبلاد إلى جحيم العجز والبلادة.