مرحلة جديدة من التوتر دخلها الصراع المتأزم فى اليمن، بعد إعلان التحالف العربي الذى تقوده المملكة العربية السعودية عمليات “عاصفة الحزم” وتدشين “إعادة الأمل” بناءً على طلب الرئيس الشرعي عبد ربه هادي منصور، حيث تحول المشهد من حرب باردة بين الرياض وطهران، إلى تصعيد متنامي وتبادل الاتهامات، ما ينذر بمزيد من الاحتقان فى الخليج العربي برعاية أمريكية.
وفي أول تصريح يشير إلي توتر العلاقات بين السعودية وإيران بشكل معلنبسبب حرب اليمن، لأول مرة منذ وفاة الملك عبدالله وتولي خليفه سلمان، شن السفير السعودي في الولايات المتحدة عادل الجبير، هجوما لاذعا على طهران، مشددا على أن “إيران ليست جزءًا من الحل، بل هي جزء من المشكلة في اليمن”.
توبيخ أوباما
وأوضح الكاتب اللبناني أتوني بدران -في مقال له بصحيفة “بزنس إنسايدار” الأمريكية – أن هذا البيان توبيخًا غير مباشر للرئيس أوباما؛ الذي قال في مقابلة قبل يوم واحد فقط، إن إدارته أشارت للإيرانيين “إلى أنهم بحاجة لأن يكونوا جزءًا من الحل، وليس جزءًا من المشكلة”.
وأوضح الكاتب اللبناني أنه يعد هذا الخلاف العلني دليلًا على وجود شرخ واسع كان له دور كبير لتشكيل الصراع في اليمن، والإعلان المفاجئ عن شن عمليات عسكرية فى البلد القابع فى جنوب الجزيرة العربية، ثم التوقف المفاجئ لـ”عاصفة الحزم”.
فى الوقت الذى أكد فيه الرئيس الأمريكي علنًا عن دعم السعودية فى مساعيها تجاه اليمن، إلا أنه من وراء الكواليس كان يميل أكثر بكثير إلى إيرانـ حيث تهدف السعودية لإغلاق اليمن في وجه طهران؛ بينما يتعامل أوباما مع إيران باعتبارها من أصحاب المصلحة الرئيسين هناك.
وكشف بدران أن مسؤولى إدارة أوباما كانوا على اتصال مستمر مع الإيرانيين فيما يخص اليمن، وضغطوا لوقف الهجوم السعودي، كما يعمل موقف أوباما لمصلحة طهران، ومرة أخرى.
وتابع: “أثبت الرئيس الأمريكي أنه في تناقض حاد مع حلفائه، ويعتبر إيران في الواقع حلًا للمشاكل المستعصية في الشرق الأوسط”.
نقص الحماس
الأحداث تصاعدت بشكل واضح فى الأيام القليلة الماضية، حيث أكد مسؤولون كبار “لم يكشفوا عن أسمائهم” نقص الحماس في البيت الأبيض تجاه السعودية، موضحين: “يرغب البيت الأبيض في أن تقوم المملكة العربية السعودية وحلفاؤها العرب السنة بالحد من الضربات الجوية، وتضييق نطاق هدفهم إلى التركيز على حماية الحدود السعودية“.
وكشف مسؤول آخر -لـ الكاتب ديفيد إجناتيوس- في اليوم التالي: “دعونا لا نغفل عن حقيقة أن الصراع في اليمن سوف يتطلب حلًا سياسيًا في النهاية”.
وفي الوقت نفسه، رفع مسؤولون آخرون في الإدارة الستار عن نوايا إيران الإيجابية، مدعين أن طهران شجعت الحوثيين في الواقع لعدم الاستيلاء على صنعاء، وبمجرد أن أعلن السعوديون عن نهاية عملية “عاصفة الحزم”؛ أسرعت الإدارة بأخذ الفضل في ذلك، مسربةً أن ضغط الولايات المتحدة هو ما جعل الرياض تتراجع.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “يفهم السعوديون أن الطريق إلى الأمام يجب أن يكون عبر الحوار”.
وكان أوباما يشير إلى نوع من الشراكة غير المباشرة مع طهران، وهو ما كان الإيرانيون سريعين في استغلاله، وقبل ساعات من إعلان السعوديين وقف عمليتهم، قال نائب وزير الخارجية الإيراني بشكل استباقي: “إنه في الساعات المقبلة، وبعد العديد من الجهود؛ سوف نرى وقفًا للهجمات العسكرية في اليمن”.
ومن خلال هذا البيان، غير الضار في ظاهره، أوضح الإيرانيون للعالم أنهم كانوا يتفاوضون مع الأمريكيين على رؤوس السعوديين.
تقارب “أمريكي إيراني”
وسائل الإعلام الموالية لإيران في لبنان، زعمت أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، اتصل بنظيره الإيراني جواد ظريف، يوم الثلاثاء الماضي؛ ليبلغه بأن واشنطن ستضغط على الرياض لإيقاف عمليات جيشها.
وذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف، أن هذا التقرير اللبناني كاذب، ولكن رغم نفيها حدوث هذا الاتصال؛ لم تستبعد المتحدثة وجود تواصل بين كيري وظريف حول اليمن “في الأسبوع الماضي”.
وعلاوةً على ذلك، اقترحت المتحدثة أن كيري وظريف ناقشا موضوع اليمن أثناء وجودهما في لوزان؛ وذلك على الرغم من نفي الإدارة المتكرر لمناقشة أي شيء آخر غير برنامج إيران النووي خلال المحادثات.
خيال التوازن
ولم يرضخ السعوديون للتقارب الإيراني الأمريكي حيث واصلوا عملياتهم وإن كانت على نطاق مختلف، واعترضوا صراحةً على نية أوباما لشمل إيران بوصفها من أصحاب المصلحة في اليمن.
وقال الأمير محمد بن نواف -سفير المملكة لدى بريطانيا- لوكالة رويترز: “لا يجب أن يكون لإيران أي رأي في الشؤون اليمنية”.
ولا يستطيع السعوديون العمل أكثر وفقًا لافتراض أنهم سيحصلون على الدعم الأمريكي، خاصة وأن الرئيس أوباما يؤمن بضرورة جلب “التوازن” إلى الشرق الأوسط من خلال جلب الإيرانيين إلى المفاوضات.
ومن وجهة نظر المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ليست عقيدة أوباما بتحقيق “التوازن” سوى وصفة لاندلاع المزيد من الصراع؛ حيث إنها تقوي إيران، ولا تترك حلفاء أمريكا أمام أي خيار سوى مقاومة التوسع الإيراني.
وباختصار، التوازن خيالٌ، أو أسوأ من ذلك بكثير ربما، وقد لا يكون في النهاية سوى الطريقة الأقل بشاعة للقول بأن أوباما يقف إلى جانب إيران الآن.