“أنا مدمن هيروين” كانت عبارة بمستهل منشور عابر على صفحة اجتماعية مصرية اعتاد الجميع السخرية من منشوراتها واتهام مسؤوليها بتأليف القصص، كان بالفعل مجرد منشور آخر يحمل المزيد من قبح المجتمع إلى السطح، كان المنشور الطويل عبارة عن رسالة، رسالة اعتراف في مجملها وفي جوهرها رسالة استغاثة.
“أنا مدمن هيروين” .. “الحكومة عارفة” .. “الدواء ممنوع تداوله”.. أبرز العبارات التي تقع من نفسك موقعًا مخيفًا. يبدأ الكاتب المجهول ممهدًا” “اللي في البوست ده هيكون صدمة” ويتابع “وشرح لمعاناة فئة شايف أن المجتمع ظالمهم تمامًا أو مش تمامًا أوي”. يعترف الكاتب المجهول “أنا مدمن هيروين” ثم يبدأ في تعريف السم باسمه الدارج بين أوساط المجتمع “البيسة”.
بلا أعذار يسرد الكاتب البداية الشائعة، عبارة مقتضبة للغاية: “خد جرب” تبدأ بها قصة إدمان لا تنتهي. يوضح أن الأخطاء كافة يتم الإعتذار عنها، إلا الإدمان؛ فيقول نصًا: “بتدفع ثمنها بقية عمرك بمعنى الكلمة .. اللي أكل من التفاحة مينفعش يرجع بريء”.
لكن ما الذي دعا الكاتب المجهول للإنفجار؟
يقول: “الجديد انى اتصدمت صدمة عمرى لما عرفت كمية الناس اللى زى من كل طبقات المجتمع وأشكاله حتى المحترم منه”.
يسرد الكاتب رحلته من شراء جرام الهيروين”البيسة” بـ 240 جنيه ولما شعر بأنه يتم غشه في السعر والوزن بدأ بالبحث عن المنبع ووصل إليه. يدعي الكاتب أن المنبع لا يخفى على أحد، لا الدولة ولا جهازها الشرطي ويختتم فقرة أخرى من اعترافه الطويل “وصلت للسحر والجمال”.
السحر والجمال
بلدة على طريق الإسماعيلية تسمى “السحر والجمال” يصفها الكاتب بـ “هايبر ماركت” للهيروين “البيسة” يقول: “عروض جامدة وأسعار ملهاش منافس”، ويتابع قوله: “الجرام على الميزان بـ 120 جنيه أو أقل”.
أما الباعة فبحسب إدعاء الكاتب فهم بدو مسحلون يقفون خلف تبة، ويسرد التجربة قائلًا: “تخش يسألك: عايزشك ولا شد”، ويوضح أن هناك فرق بين أنواع الهيروين بحسب طريقة التعاطي إما عن طريق الأنف أو عن طريق الحقن.
المولد
يصف المجهول المشهد بكلمة واحدة: “المولد” يتابع مقارنًا عدد السيارات المتواجدة بالمنطقة بالسيارات أمام المجمعات التجارية الكبرى ويدعي أنها تزيد على ذلك، “بشر ملهاش عدد” الاستنتاج الذي يصل إليه في محاولاته العديدة لحصر ما رأى من الناس فيبدأ في وصف المشهد: “كل واحد واقف مطلع سرنجة وبيضرب لنفسه أو للي جنبه”.
فيما يتابع: “عائلات كاملة في عربية، أب، بمراته وأولاده، أب تشوفه تقول مهندس أو مدرس وجايب ابنه عنده 8 سنين شكله ابن ناس موقفه جنبه في الطابور.. بنات كتير جدًا في وسط الصحراء دي، محجبات ومش محجبات، منهم اللي بيرموا نفسهم على بدوي شكله زبالة مستحماش من شهر علشان ضرباية”، ويختتم قوله: “مناظر تصدم”.
البجاحة
“مفيش أسهل من أنك تتقتل برصاصة من أي واحد من البدو دول” هكذا استهل المجهول ما وصفه لاحقًا بالبجاحة. يحدد المكان والمسافات والأوقات الشائعة للتعاملات ثم يقول: “أول قوة أمنية بتكون متمركزة عند هايبر وعارفين أن كل الي بيجي من الطريق دا بيكون بيشتري بيسة”.
كما يكرر مؤكدًا: “الشرطة عارفة المكان كويس جدًا والجيش عارف المكان كويس جدًا، بيخافوا يخشوا .. أو عندهم أوامر ميخشوش، ودا الي أنا متأكد منه..كبارات البلد هما الي مدورين التجارة دي … مكنش جماعة البدو دول قعدوا بالبجاحة دي”.
المدمن: بين الترامادول والهيروين
تتغير لهجة الكاتب لتصف “معضلة” تواجهه: منع الترامادول. يقول: “الدولة منعت الترامادول .. لحد ما الشريط مسك سعر 150 جنيه أو أكثر” وبحسب المدمن المجهول فهذا يعني أن سعر الترامادول قد تخطى سعر الهيروين وأصبح من الأفضل للمدمنين اقتصاديًا الانتقال من الترامادول الغير متوفر إلى الهيروين المتواجد بكل مكان.
يستدرك المجهول موضحًا الآثار المفجعة لهذا الانتقال قائلًا: “مدمن الترامادول لو ملقهوش بينهد حيله، بيزعق، هيضطر ينام علشان مش قادر يفتح عينه.” يتابع مقارنته: “مدمن الهيروين لو معاد الشكة جت وملقاهاش هيبيع مراته بدون مبالغة … تسليم جثث مقابل الشكة، مدمن البيسة بيقتل، مدمن البيسة بيسرق، مدمن البيسة ملوش أمان” ويختتم قائلًا: “كده احنا دخلنا طبقة كبيرة من المجتمع في سكة ملهاش مخرج؛ أو ليها بس الدولة منعاه”.
كيف العلاج؟
“مخرج الدولة مانعاه” هكذا وصف المدمن المجهول العلاج، يعلن أن الدولة قد منعت تداول الدواء المعروف بـ “سيبكسون – سيبوتكس” بشكل كامل، رغم أن دول العالم تصرفه مجانًا للمدمنين لعلاجهم. ويضيف أن الذي نتج عن ذلك هو ارتفاع سعر الدواء بالسوق السوداء إلى 300- 500 جنيه، والمدمن يحتاج منهم 3 حبايات من الدواء على الأقل والمنع من وجهة نظر وزارة الصحة سببه “إساءة الإستخدام”.
وقد تسنى لـ”رصد” البحث عن هذا القرار ووجدت أنه قد نشر برقم 656 لسنة 2011 بشهر سبتمبر ومفاده: إضافة مادة بيبرونيرفين ( Buprenorphine ) وأملاحها ونظائرها واستراتها وأملاح نظائرها واستراتها ومستحضراتها القسم الثاني من الجدول رقم ( 1 ) الملحق بقانون المخدرات رقم ( 182 ) لسنة 1960 وذلك نقلا من الجدول رقم ( 3 ) فقرة ( ج ) الملحق بالقانون المذكور .
وتعتبر هذه المادة الفعالة هي المكون الأساسي للدواء المذكور أعلاه، والذي تشير الأبحاث العالمية إلى تقليله أعراض الإنسحاب للمدمنين وتساعدهم على الإقلاع عن المخدرات على اختلاف أنواعها.
نظرة المجتمع
لعل الصدمة الحقيقية كانت في عدم فجيعة المجتمع أمام تلك الرسالة، والردود التي يمكن إدراج أغلبها تحت شعار “عارفين”. وشهدت الرسالة تفاعلًا من كافة أطياف الجمهور من النشطاء وغيرهم. وإليكم أبرز التعليقات:
محمد عشوش: “انا اتنين من اصدقاء الطفولة “فصل واحد وديسك واحد لحد ٣ ثانوي” ماتو من المادة دي، واحد أوڤر دوس وواحد ضرب مادة مضروبة.. رغم انهم هم اللي عملو في نفسهم كده لكن عمري ما هانسى ايامهم الأخيرة ومحاولاتهم المستميته في العلاج بلا فائدة طبعاً .. وجابو الدوا اللي بيقولو عليه ده لكن بردو ماعملش حاجة لأنهم كانو محتاجين تأهيل نفسي مش اقل من ٦ شهور .. الله يرحمهم
الكارثة بقى ان عدد الناس اللي بتبيع “مش بس بتضرب” بقى مرعب، لدرجة اني مش عارف مين اللي بيشتري “
ويقول خالد: “الموضوع ده حقيقي مليون ف المية والكارثة والمصيبة دى حقيقة مليار المية
الموضوع ده حكهولى صديق ماشي ف السكة دى من شهرين
الدولة بتوجه قطاع كبير من المبرشمين الى الطريق ده سكة اللى يروح ميرجعش
صديقي قاللى كده نصآ
الدولة بتعدم قطاع كبير من الشعب”
فخر الدين: “الكلام مظبوط والمكان اللي يقصده في قصته معروف للجيش والداخلية ولمكتب مكافحة المخدرات في محافظة الاسماعيليه وقبلها لمكتب الشرقية لما كانت تبع محافظة الشرقية والمكان ده بينه وبين سرية شرطه عسكرية 500 متر .. وادي الملاك ووادي القمر وجمعية المزارعين بالاسماعيلية .. منطقة بيع ومركز لتجارة الهيروين بعلم الداخلية وعجزها الكامل من سنة 2001 ولحد النهارده وبالصدفه البحته حضرت في 2007 محاولة لسيطرة مكافحة المخدرات على المنطفة وشفت خيبتهم القوية على مدار 6 ساعات من قبل الفجر للشروق وجنودهم بيهربوا في الزراعات من رصاص التجار .. ويبقى الحال كما هو عليه !!”
وقال علي خفاجي الناشط السياسي: “المخدرات بتتباع فى كل مكان وعلى نواصى الشوارع وخصوصا فى المناطق الشعبية الفكرة فى المكان اللى بيحكي عنة “السحر والجمال” هو انه بسعر رخيص وفى باقى المناطق متوفر بدبل السعر او اقل شوية وامان عشان كدة كل الناس بتروح المكان الرخيص بردة دي مش المشكلة الكارثة فى ان اللى بيشك من المستحيل انه يبطل حتى لو دخل السجن بتجيلة البيسة لحد عندة بسعر اكبر والكارثة التانية اللى هو ذكرها ان ممكن يبيع مراتة وعيالة عشان يشك ودعشان كدة ميقدروش يمنعوا المخدرات لانها هتفجرلهم المجتمعوتطلعلهم شعب فايق … لا خلية كدة خربان احسن !!!!! زائد ان كبارائهم ليهم نسبة والظباط الصغييرين بيتاجروا ومشاركين تجار وبيكسبوا كويس جدا… انا اعرف مدمنين كتير عمرهم ماكانوا مبسوطين وكلهم بيضربوا هروبا من همومهم او مشاكلهم ، كل بيت فى مصر بيدقة ناقوس خطر الادمان الحل فى التوعية ، وبترة من المنبع اللى هما قيادات الداخلية”
المدمن
وأما عنه، عن المجهول المتكرر خلف التبة، فلم يسأل النصيحة، لم يبحث عن حل، لم يبد أي رغبة في اللجوء إلى المجتمع الذي سهل له طريق الهلاك ويضع أمامه ألف عائق للنجاة، لم يطلب شيئًا.
اختتم كلامه مؤكدًا أنه حكاية، كالحكايات الأخرى تمامًا، وأعاد ما بدا له يقينًا: “اللي أكل من التفاحة مينفعش يرجع بريء”.